الموضوع: ( تصحيح حكم شرعي في بحث الصيام )
إلى واضعي منهاج التربية الإسلامية ( الصف الثامن 2008م / 2009 م ، ص : 52 ) .
ورد في الكتاب المذكور وفي بحث ( الصيام ) قسم الاستحفاظوفي السطر: 17 من الأعلى العبارة التالية شرحا لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . . . } البقرة، 184 .
قال الشارح : (( ورحم الله عز وجل فيه المريض والمسافر فأباح لهما الإفطار شريطة أن يقضيا الصوم بعد انتهاء رمضان . ثم وسعت رحمته تعالى فشملت كل من يشق عليه الصوم " كالشيخ الهرم والحامل والمرضع ... " فأحل لهم الفطر مع دفع الفدية .... )).
والإشكال الذي حصل لبعض المدرسين للمادة والمدرسات وأطلعوني عليه هو:
قول الشارح : (( ... فأحل لهم الفطر مع دفع الفدية .. )) جامعاً بين الشيخ الهرم والحامل والمرضع في الفـدية دون ( القضاء ) ... !
وقد فهم بعض المدرسين والمدرسات من هذه العبارة أن ( الحامل والمرضع لا يجب عليهما القضاء ) بل عليهما الفدية فقط كحالة الشيخ الهرم، وهذا الحكم غير سديد. وقد راجعت عددا من كتب الفقه ومنها ( الفقه على المذاهب الأربعة ) للجزيري فلم اعثر عليه. بل جاء فيه ( وجوب القضاء على الحامل والمرضع ) ثم اختلف الفقهاء في الفدية وجوبا واستحبابا حسب وضع الحامل والمرضع إن كان الإفطار بسبب نفسيهما أو بسبب الجنين والرضيع . وأنا هنا أنقل ما جاء في هذا الكتاب عن الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعتمدين :
المالكية: قالوا: الحامل والمرضع سواء كانت المرضع أمّـاً للولد من النسب أم غيرها ( وهي الظئر ) إذا خافتا بالصوم مرضاً أو زيادته يجوز لهما الفطر وعليهما ( القضاء ).
الحنفية: قالوا: إذا خافت الحامل أو المرضع الضرر من الصيام لهما الفطر سواء كان الخوف على النفس والولد معاً أو على النفس فقط أو على الولد فقط. ويجب عليهما ( القضاء ) .
الحنابلة: قالوا: يباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا الضرر على أنفسهما وولديهما أو على أنفسهما فقط ( وعليهما في هاتين الحالتين القضاء والفدية ) .
الشافعية: قالوا: الحامل والمرضع إذا خافتا بالصوم ضرراً لا يحتمل سواء كان الخوف على أنفسهما وولديهما معاً أو على أنفسهما فقط أو على ولديهما فقط وجب عليهما الفطر وعليهما ( القضاء ) في الأحوال الثلاثة. فكلهم مجمعون على ( وجوب القضاء على الحامل والمرضع ) .
ثم رأيت ابن رشد القرطبي ذكر في كتابه ( بداية المجتهد ) ج1 ، ص 300 – 301 . أربعة مذاهب فقال : (( الحامل والمرضع إذا أفطرتا ماذا عليهما ؟ )) ،
هذه المسألة فيها أربعة مذاهب :
احدها : إنهما تقضيان وتطعمان، وبه قال ( الشافعي ) رضي الله عنه .
الثــاني : إنهما تقضيان فقط ولا إطعام عليهما وبه قال ( أبو حنيفة وأصحابه ) وأبو ثور .
الثــالث : إن الحامل تقضي ولا تطعم ، والمرضع تقضي وتطعم .
الـرابع : إنهما تطعمان ولا قضاء عليهما وهو مروي عن ( ابن عمر وابن عباس ) .
وسبب اختلافهم تردد شبههما بين الذي يجهده الصوم وبين المريض .
فمن شبههما ( بالمريض ) قال:عليهما القضاء فقط، ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال: عليهما الإطعام فقط، بدليل قراءة من قرأ ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين . . الآية ) .
وأما من جمع عليهما الأمرين ( القضاء والإطعام ) فيشبه أن يكون رأى فيهما من كل واحد شبها، فقال: عليهما القضاء من جهة ما فيهما من شبه ( المريض ) وعليهما الفدية من جهة ما فيهما من شبه الذين يجهدهم الصيام، ومن فرق بين ( الحامل والمرضع ) ألحق الحامل بالمريض، ورأى حكم ( المرضع ) مجموعا من حكم المريض، وحكم الذي يجهده الصوم، أو شبهها بالصحيح.
ومن حيث الترجيح فإن من أفرد لهما أحد الحكمين أولى ممن جمع، كما أن من أفردهما بالقضاء أولى ممن أفردهما بالإطعام، لكون القراءة غير متواترة . اهـ
فالفقهاء الأربعة أصحاب المذاهب المعتمدة من الأمة خلفا عن سلف لم يقل واحد منهم بدفع الفدية دون القضاء . وانفرد بهذا الحكم ( أي الفدية دون القضاء ) ابن عمر وابن عباس.
لأن دليلهما ضعيف لا يعتمد عليه وهو قراءة الآية ( ... فإطعام مساكين ... ) بدلا من ( مسكين ) وهي قراءة غير متواترة فلا يؤخذ بها لذلك أهملها العلماء والفقهاء وأصحاب المذاهب حتى ( المالكية ) ومنهم ( ابن رشد القرطبي ) الذي هو مالكي المذهب لم يأخذ بهذا الحكم وإنما عرضه في كتابه المذكور ( للأمانة العلمية ) فقط حتى يكون أمينا في النقل حسب القاعدة : ( إن كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل ) .
ولنناقش المسألة بتفصيل أكثر :
لم يرد حكم ( الحامل والمرضع ) في الكتاب ولا في السنة، إنما أخذ حكمهما بالقياس الذي هو آخر مصادر التشريع الأساسية الأربعة .
والقياس هو : قياس أمر لم يرد حكمه في القرآن والسنة على حكم ورد فيهما أو في احدهما لعلة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه. وفي قياس ( حكم الحامل والمرضع ) وبيان حكمهما اختلف الفقهاء المجتهدون تبعا للعلة .
فمن ذهب إلى ان العلة الجامعة بينهما وبين ( الشيخ الفاني ) هي الضعف وعدم القدرة على الصيام ، حكم بأنهما تفطرن وتدفعان الفدية ولا قضاء عليهما كما لا قضاء على ( الشيخ الفاني أو العاجز ) مثلاً بمثل.
ومن ذهب إلى قياسهما على ( المريض ) قالوا : تفطرن وتقضيان ثم اختلفوا في دفع الفدية زيادة على القضاء ( كما سبق أن بينا ) .
والحاصل ان خلاف الفقهاء في ( الحامل والمرضع ) وقضائهما الصيام أو الفدية هو القياس والنظر إلى ( العلة ) الجامعة بينهما وبين ( الشيخ الفاني ) وهي الضعف أو عدم القدرة في كلا الطرفين .
وبالتدقيق في هذه العلة نجد أنه قياس مع الفارق لأن ( الشيخ الفاني ) لا أمل له في الشفاء ولا يرجى له البرء بينما ( الحامل والمرضع ) إذا انتهتا من وضعهما الطارئ ( وهو الوضع أو الفطام ) صحتا وقويتا وعادتا إلى حالتهما الطبيعية من القوة والقدرة، وهذا منتف في ( الشيخ الفاني ) ولذلك فان القياس هنا فقد أهم ركن فيه وهو ( العلة الجامعة ) بين الطرفين أي ( بين المقيس والمقيس عليه ) والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
أما قياس ( الحامل والمرضع ) على المريض فهو قياس صحيح تام الأركان، فهنا مقيس ومقيس عليه وعلة، المقيس هو ( الحامل والمرضع ) والمقـيـس عليه هو ( المريض ) والعلة الجامعة بينهما المرض وعـدم القدرة .
ولما كان المريض قابلاً للشفاء ويرجى له البرء ( غالباً ) عكس ( الشيخ الفاني ) الذي لا يرجى برؤه وجب عليه القضاء لقوله تعالى: { فمن كان منكم مريضا أو على سـفر فعدة من أيام أخر } كذلك ( الحامل والمرضع ) قابلتان للتماثل للشفاء وعودة كل منهما إلى صحتها وعافيتها ومن ثم قدرتها على الصيام كالمريض تماما الذي برأ من مرضه فوجب عليهما القضاء كما وجب على المريض وهذا هو رأي ( جمهور الفقهاء ) وهو الذي ينبغي أن يصار إليه لما بينا من الفارق بين ( الشيخ الفاني العاجز عن الصيام ) وبين ( الحامل والمرضع ) وان الدليل الذي استند عليه من يقول بالفدية دون القضاء من الآية ضعيف لأنها قراءة شاذة غير متواترة فلا يعول عليها ولا يؤخذ منها حكم.
أقول بعد هذا :
حبذا راجع واضعو المناهج أنفسهم في ( هذا الحكم ) محاسبة دقيقة وتوخوا الأقرب إلى مرضاة الله ورسوله لا الأسهل الذي يرضي أصحاب النفوس الضعيفة ويجانب مرضاتهما.
والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.
حلوة في : 19/ 3 / 1430 هـ خاشع شيخ إبراهيم حقي
الموافق لـ 16 / 3 / 2009 م
.