الاتصالات الفضائية والحرب الإعلامية على سورية ..
د. محمد رقية
الجزء الأول
لقد أدى التقدم العلمي المثير والتطور التقني الهائل خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى دخول الانسان في عصر الفضاء، عبر إرسال التوابع الصنعية والمراكب الفضائية المأهولة وغير المأهولة ذات الأهداف المختلفة، والمركب عليها أجهزة الاتصالات وأجهزة المسح والتصوير المتطورة لدراسة الفضاء الخارجي ودراسة الأرض ومواردها عن بعد، وبالتالي حدوث ثورة المعلوماتية التي نشهدها اليوم.
ففي تشرين الأول من عام 2013 يكون قد مضى على إطلاق التابع الصنعي السوفيتي سبوتنيك (1) الذي أطلق في الرابع من تشرين الأول من عام 1957 ست وخمسون عاماً. وهو بداية ما نسميه الآن عصر الفضاء. فتحولت بذلك أحلام البشرية إلى واقع عملي ملموس يمكن لمس نتائجه وفوائده حالياً. والآن وبعد مرور هذه السنوات، نستطيع أن نقول بأن ارتياد الإنسان للفضاء نقل البشرية إلى مرحلة جديدة قدمت الكثير من الخدمات والرفاهية إلى المجتمع البشري وقادت إلى ظهور ثورة المعلومات والاتصالات الحالية , التي حولت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة
لقد كان السباق الفضائي في البدايات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، ثم انضم إلى هذا السباق في السبعينات فرنسا والصين واليابان وبريطانيا ، وفي الثمانينات الهند. ثم اتسع نطاق الدول التي لديها توابع صنعية حول الأرض ووصل عددها حالياً إلى العشرات .
يدور الآن حول الأرض وفي الفضاء الخارجي آلاف التوابع الصنعية والمراكب والمحطات الفضائية ذات الأهداف المتعددة، وتبعاً لهذه الأهداف يمكن تمييز الأنواع الرئيسة التالية لهذه التوابع والمراكب:
• 1- التوابع والمسابر والمراكب المخصصة لدراسة الفضاء الخارجي وكواكب المجموعة الشمسية
• 2-التوابـع الصنعية المناخيـــة والبيئية
• 3-التوابـع الصنعيــة المخصصـة للاتصـالات
• 4- التوابــع الصنعيـــة والمراكـــب الفضائيــة الاستشـعاريــة الخاصـــة بدراســـة الأرض
• 5- التوابــع الصنعيــــة المخصصــــة لتحديد المواقع على سطح الأرض (GNSS)
• 6- المكوكيات الفضائية
• 7- التوابع المخصصة للأبحاث الفضائية
8 - التوابع الصنعية العسكرية أو أقمار التجسس
سيقتصر حديثي في هذا المقال بأجزائه الأربعة على الاتصالات الفضائية ودورها الكبير في التضليل الاعلامي والحرب الاعلامية على سورية منذ اغتيال الحريري عام 2005 والتي ازداد أوارها وتوسع سعيرها منذ بداية الأحداث في سورية في عام 2011
توابع الاتصالات
إذا نظرنـــا إلــى التابـــع الصنعــي باعتبـــاره منطقـــة اســـتقبال شــــاهقة الارتفــــاع فيمكـــن تصـــور اســتخدامه في اســتقبال وإعادة إرســـال الإشـــــارات الـــواردة إليـــه. ويرجع أول تنبؤ إلى إمكانيــــة اســـــتخدام التوابع الصنعية لاســـتقبال وإرســــال الإشـــــارات إلى آرثر كلارك الذي يعد الرائد الأول للاتصالات عبر الفضاء.
لقــد عبـــر كلارك عـــن رأيـــه هـــذا فـــي مقـــال نشـــره عــــام 1945 فـــي مجلـــة عالــــــم اللاســـــلكي، تنبــــأ فيـــه بإمكانية وضع أقمـــار صناعية فــي مدارات متزامنـــة مع حركــــة الأرض وبيَـــــن كـــلارك أن ارتفــــاع المــــدار المطلـــوب يصــــل إلــــى حوالـــي 36 ألــــف كيلومتــــر فـــوق ســـطح الأرض.. وقـــــد تحققــــــت فكـــــرة كلارك على أرض الواقــع بعــــــد حوالــــي عشــــــرين عامـــــــــاً.
ومنـذ بداية السـتينات، عندمـا بـدأ وضـع أول تابـع صنعـي للاتصـالات فـي مــدار قريـب مـن الأرض وحتـى الآن، فـإن تكنولوجيـا الاتصــال عبـر الأقمــار الصناعيـــة تطــورت بشـــكل مذهـــل وأصبحــت عنصـراً يتضمـــن كل مظاهر الحياة العصرية، من البث التلفزيوني اللحظي عبر الشبكات العالمية إلى الاتصالات الهاتفية والإذاعية عبر المســـافات الطويلة والتي انخفض ســعرها وتيســرت وســــائلها وتحســــــنت دقتها بشــــكل كبير، إلى المتابعة المباشرة لأي حدث يقع على سطح الأرض ( وليس بعيدا" عنا أولمبياد كرة القدم في البرازيل ) إلى عقد المؤتمرات التلفزيونيــــة عبر القارات، وإجراء العمليات الجراحية والتطبيب عن بعد عبر القارات.
لقد أطلـــق أول تابـــع صنعي لأغراض الاتصــــال عام 1961 فـــي الولايات المتحــــدة وهو Oscar – 1 أوسكار ( 1 )، ثم أطلق عام 1962 تليســـتار الذي حقق نقل العديد من القنوات التلفزيونيــــة والهاتفيــة، إلا أنه لم يكن ثابتاً بل كان يدور في مدار منخفض بسرعة كبيرة حول الأرض، لذا كان إرساله لا يتعدى الدقائق فوق المنطقة المعنية. إلا أن فكــــرة كــلارك فــي المـــدار الثابـــت لم تتحقــق إلا عنــدما أطلقـــت الولايـــات المتحــــدة سلســلة أقمــــار Syncom عـــام 1963 حيث جرى من خلاله نقل أحــداث دورة طوكيو الأولمبيــــة على الهواء عام 1964.
• أما في الاتحــاد السوفيتي السابق فقـــد كــان البحــث جاريــاً أيضـــاً في هذا الاتجـــاه، ففــي عــام 1965 أطلق الاتحاد السوفيتي أول تابــع لأغراض الاتصال وهـــو / مولينا 1 / ونتيجة تطور الاتصالات الفضائية جرى عام 1971 إنشـــاء المنظمة الدولية للاتصالات الفضائيـــــة (انتلســـات) ، ومقرهـــا واشــنطن،. وبدأت تطلـــق سلســـلة أقمار انتلســـات التي أخذت تتطـــور مع الزمن ويصل حاليا عدد الدول الأعضاء فيها إلى 149 / دولة . كما تأسست في عام 1979المنظمـــة الدولية للاتصالات البحريـــة بواســـــطة الأقمار الصناعيـــــــة ( انمارســـات )، من عــدد من الدول البحرية لتنظيـــم الاتصالات البحريــــــة. التي امتد نشاطها عام 1990 إلى الطيران المدني. كما أطلقت أول خدمة للقطاع البري عام 1993 , وقدمت خدمة اتصالات المعلومات عالية السرعة عام 20002 ,كما قدمت خدمة النطاق العريض للقطاعات البرية والبحرية والطيران منذ عام 2005 , ودخلت سوق الهواتف المحمولة في عام 2006 , وفي عام 2009 دخلت خدمات النطاق العريض حول العالم . ويتألف أسطولها الفضائي من /11 / تابع ثابت على ارتفاع 36000 كم . تغطي توابعها جميع أنحاء الكرة الأرضية باستثناء أقصى القطبين . يتم إدارة توابع انمارسات من قبل مراكز التحكم والعمليات الفضائية في لندن ويتم ربطها بالانترنت والشبكات الهاتفية الأرضية العالمية عبر ثلاث محطات اتصال فضائية مملوكة من قبل انمارسات تقع في كل من إيطاليا وهولندة وهاواي. وصل عدد أعضاء انمارسات عام 1995 إلى / 74 دولة /،
مع تقدم وتطور التوابع الصنعية وتطوير قدرات الإطلاق لدى عدد من الدول، فقد ظهرت الحاجة إلى شبكات اتصال إقليمية مستقلة، فظهرت في عام 1970 شبكة انترسبوتنيك لربط دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي، الذي أطلق عام 1985 التابع الصنعي كوسموس 1700 كجزء من هذه الشبكة، وتستمر هذه السلسلة حتـى الآن. كما انشئت منظمـــة يوتلســـات لربـــط دول أوربــا الغربيـــة، وأطلقــــت أول أقمارهـــا عام 1983
وفي العالم العربي أنشئت منظومة عربسات عام 1976 ، ويشمل مشروع عربسات عدة أجيال من التوابع. أطلق التابع الأول في شباط عام 1985 على متن الصاروخ الأوربي أريان، ثم أطلقت أقمار الجيل الثاني من عربسات اعتباراً من عام 1996, حيث أطلق بدر -4 في عام 2006 , كما أطلق بدر-6 في عام 2008 . وبدر -5 في صيف عام 2010 . تأسست الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات في عام 1996, التي أطلقت نايل سات 101 في أبريل من عام 1998 بواسطة شركة ماترا الفرنسية كما أطلق التابع 201 / في صيف 2010 /بالتعاون مع فرنسا وهو أول أقمار الجيل الثاني وسيستمر في العمل حتى عام 2025 .
يتبع الجزء الثاني