قبل فترة شاهدتُ - على القناة البريطانية الخامسة - برنامجاً وثائقياً عن شاب يتمتع بذكاء مدهش ومواهب ذهنية خارقة.. وما أدهشني فعلاً إجاباته السريعة عن المعادلات المعقدة التي كان يطرحها الحضور - كما أعجبت بثقته بنفسه حين وعد المذيع بتعلم اللغة الايسلندية خلال أسبوع واحد فقط - . وهذا الشاب - الذي يدعى دانيال تاميت - يخضع حالياً لدراسة جادة من قبل المعهد الأوروبي للدماغ والأعصاب للإجابة عن سؤال بديهي مفاده (لماذا لا نتمتع كلنا بنفس المواهب!؟).. فهو يملك مثلاً ذاكرة خارقة لدرجة قدرته على حفظ صفحات الجرائد اليومية من أول قراءة.. كما يمكنه حل أصعب المعادلات في جزء من الثانية (مثل قسمة الأرقام الطويلة واستخراج الجذور التربيعية المعقدة).. كما يملك موهبة فطرية لتعلم اللغات الأجنبية ويتحدث عشر لغات بطلاقة (بل اخترع لغة خاصة به تدعى Manti)...
ورغم أنه يحمل الرقم القياسي الأوروبي في قوة الذاكرة إلا أنه لا يملك استراتيجية معينة للحفظ أو التذكر - ولا حتى التعامل مع المعادلات المعقدة- .. وهذا "بالضبط" ما يثير تساؤل العلماء في أوروبا ويحثهم على معرفة ما يجري في دماغه "بالضبط"!
والشيء الذي لفت نظري شخصياً هو أن دانيال دخل أثناء طفولته في غيبوبة استمرت لعدة أيام متواصلة (بالإضافة إلى أنه ولد بصرع مزمن).. ورغم أن "الصرع" و"الغيبوبة" لا يؤثران سلباً أو إيجاباً عفي ذكاء الإنسان؛ إلا أنهما قد يملكان تأثيراً محتملاً في حال تداخلهما مع عوامل بيئية أو وراثية أخرى..
واحتمال حدوث تغير نوعي في طبيعة ومهام الدماغ (بسبب الصرع أو الغيبوبة) يذكرنا بحالة أخرى مشهورة لرجل هولندي يدعى بيتر هوكورس... فقد كان هوكورس يملك موهبة غريبة أتاحت له الكشف عن العديد من الجرائم الغامضة حول العالم (قبل وفاته عام 1986).. فقد كان يكفيه الامساك بشيء من متعلقات الضحية (كالقلم أو الساعة) فيسرد معلومات صحيحة عنها وكيف قتلت وأين دفنت.. وهذه الموهبة ظهرت لديه فجأة حين سقط من الدور الرابع فنقل إلى المستشفى ودخل في غيبوبة طويلة. وحين استيقظ بعد عدة أيام كان فاقداً للذاكرة ومصاباً بصداع حاد ويسمع أصواتاً غريبة. ثم سرعان ما اكتشف أنه يعرف معلومات صحيحة عن أي شخص في المستشفى بمجرد لمسه أو لمس متعلقاته الشخصية، وحسب زعمه تثير متعلقات الإنسان في رأسه صوراً وأحداثاً تتعلق بصاحبها لا يعرف - بالتحديد - كيف تأتي إليه!
... ومثل هذه الحالات العقلية الغريبة - والنادرة بالتأكيد - تثير في رؤوسنا "المتواضعة" الكثير من الأسئلة الحائرة:
@ فإلى أي حد مثلاً يمكن أن يصل ذكاء الإنسان ومواهبه الخارقة!؟
@ وهل صحيح أننا لا نستعمل غير 10% فقط من القدرات الكامنة في رؤوسنا!؟
@ وفي حال كان الجوانب (نعم) فما هي العوامل الكفيلة بتفجير بقية ال 90%!؟
@ ولماذا لا تضمن المواهب الخارقة (بما في ذلك نبوغ الأطفال المبكر) وصول أصحابها لدرجة البعقرية والإبداع في حين وصل إليها أشخاص فشلوا دراسياً مثل انشتاين وأديسون وباستير؟!!
... من حسن الحظ أن ما من إنسان رضي (برزقه) في حين رضي كل امرئ (بعقله)!!
بقلم فهد الأحمري..
http://www.alriyadh.com/2008/06/18/article351612.htm