لقاء حواري مع الأخ الكريم
الدكتور
محمد فؤاد منصور
أخي العزيز الأستاذ
أبو شامة المغربى
تحياتي، وأشكرك على هذه المجموعة المنتقاة من الأسئلة، والتي سأتناولها واحداً فواحداً، لأن كلا منها يحتاج صفحات وصفحات، ولكنني سأحاول أن أختصر قدر الطاقة حتى لا يمل قارئنا العزيز:
من يكون محمد فؤاد منصور، ومن هو الطفل محمد جملة وتفصيلا؟ وما أثر ذلك الطفل في كتاباتك؟
الإسم : محمد فؤاد منصور
الميلاد: 30/12/1947
الإقامة: الإسكندرية / مصر
المهنة: طبيب
العمل الحالى: مدير لإحدى المؤسسات العلاجية الحكومية بالأسكندرية.
المؤهل: ماجستير طب المناطق الحارة وصحتها.
الهوايات: العمل الأدبى بكل فروعه.
سيرة إبداعية:
منذ البدء كانت القراءة في كتب التراث هي هوايتي الأولى، والتي زاحمت دراستي الأساسية، اكتشفت بمرور الوقت أنني أميل لقراءة أعمال كبار الكتاب المصريين، فكنت نزيلاً دائماً بقصور الثقافة، حيث تواجد عمالقة الكتاب المصريين، الذين تتلمذت على أيديهم، في ستينات القرن الماضي شهدت الإسكندرية حركة دائبة من النشاط الثقافي، فلم يكن يمر أسبوع إلا وتستضيف الإسكندرية أحد عمالقة الكتاب المصريين، وكنت آنذاك طالباً في المرحلة الثانوية، ومن هنا حضرت، واستمعت، وناقشت أسماء وقامات عالية في الفكر، والأدب العربى، وفن القصة تحديداً ...
في قصر ثقافة الحرية التقيت نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، ومحمد عبد الحليم عبد الله، ومحمود تيمور، وأمين يوسف غراب، ومحمود البدوي، وثروت أباظة، كل واحد من هؤلاء كان مدرسة قائمة بذاتها لذلك التهمت أعمالهم لأكون قريباً منهم، ولأتمكن من الإستفادة من محاضراتهم، التي كانوا يلقونها علينا في نادي القصة، الذي كنت عضواً فيه، بل ربما كنت من أصغر أعضائه سناً آنذاك.
مع بداية الحياة الجامعية كنت عضواً باتحاد الطلبة، وكنت مسئولاً عن النشاط الثقافي، وقد أتاح لي هذا المكان نشر بعض كتاباتي القصصية المبكرة في مجلات كلية الطب.
إنغماسى في الدراسة الجامعية أثر على كتاباتي، فاتجهت لكتابة المقال، وكنت أعالج الشعر من حين لآخر.
عملت فى جمهورية الجزائر لمدة سبع سنوات، وفى إفريقيا لخمس سنوات، ونشرت مقالات في الصحف الجزائرية.
جذبني بشكل خاص الأديب الراحل ثروت أباظة، وكان مشرفاً على مجلة القصة في أواسط الستينات، ونشرت بعض القصص القصيرة في تلك المجلة واصطفاني هو لأكون تلميذاً له، فكان بيننا لقاءات ومراسلات أثرت ذخيرتي الأدبية كثيراً.
لم يتح لي عملي خارج مصر لفترات طويلة إصدار أعمال مطبوعة، ولكني كاتب منتظم لبعض مقالات الرأي بجريدة الأهرام المصرية، وأعد حالياً مجموعتين من القصص القصيرة، بالإضافة لروايتين طويلتين على وشك الإنتهاء منهما.
أشرف على منتدى القصة بموقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، يالإضافة للمشاركة بالمقالات، والقصص، والأشعار فى العديد من المواقع على الشبكة الدولية.
وبعد، فهذه خلاصة موجزة عن سيرتى الذاتية، أرجو ان أكون قد قدمت من خلالها نفسي بشكل جيد.
سألتني عن الطفل الذي كنته، وأثره فى كتاباتي، ولو راجعت تاريخ ميلادي لربما لاحظت أن مداركي تفتحت مع بداية المد الثوري في العالم العربي، والذي حملت مشعله ثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر، وما أحدثته من حراك إجتماعي، في ذلك الوقت كنت ابناً لموظف بسيط ضمن أسرة كبيرة العدد نسبياً، أدركت منذ وقت مبكر من حياتي ضرورة أن تكون هناك عدالة اجتماعية، عدالة في توزيع الثروة، وضرورة أن يرعى المجتمع أبناءه بلا تمييز بين غني وفقير، وأن يكون هناك تكافؤ حقيقي للفرص، من هنا سيطرت فكرة العدل على تفكيري، إلى جانب فكرة الحرية بمعناها الحقيقي، وهذان هما البعدان الغالبان في كتاباتي عن الطبقة الوسطى التي أنتمى إليها.
هل ثمة من صلة أو قرابة بين أدب القصة وأدب الرواية؟
بالتأكيد هناك وشائج تجمع بين أدب القصة وأدب الرواية، فهما للوهلة الأولى يبدوان شيئاً واحداً، على الأقل من حيث ارتكازهما على نسيج من القص، لكن القصة تميل إلى تكثيف لحظة معاصرة بما تحمله من انفعالات داخلية ودوافع نفسية، في حين تميل الرواية إلى التسجيل الملحمي لحقبة كاملة بكل دقائقها، ومن هنا يمكن القول: إن تطور القصة إلى نهايتها يكون فعلاً داخلياً قد لا يتطور فيه الحدث إلى الأمام، بينما تطور الرواية يكون خارجاً عن مشاعر أبطالها وانفعالاتهم النفسية، ويرتكز في الأساس على تطور الحدث إلى نهاية ما.
كيف كان بدء الكتابة القصصية لديك، وما أثر هذا اللون من التعبير الأدبي في ما تكتبه من أدب؟
بدأت الكتابة القصصية في وقت مبكر جداً من حياتي كنوع من تسجيل الأحداث ومزجها بالخيال، ربما كنت انطوائياً إلى حد ما، لا أميل إلى مرافقة أقراني في اهتماماتهم التي تعتمد على اللعب وسرعة الحركة، وقد ساعدني هذا العيب - كان سلوكي آنذاك يعد عيباً - على الإختلاء بنفسي، وخلق عالم من الخيال أكون أنا مبدعه ومحركه، تلك كانت البداية فيما أظن، ولعلك تلمح هذه الصفات في كثير مما أكتبه الآن، وإن كان الزمن قد عالج الكثير مما كنت أحسه في طفولتي.
هل ثمة فواصل وحدود بين الكتابة القصصية وأختها الروائية؟
أظن أننى أوضحت الفواصل الأساسية بينهما في إجابتي على السؤال الأول، وربما أضيف هنا أن زخم الكتابة القصصية أشد، فمن الممكن أن تختمر فكرة القصة فلا يهدأ لك بال حتى تصبها على الورق، ربما في جلسة واحدة، في حين كتابة الرواية تحتاج الكثير من الصبر والمراجعة، بل وقد تهجر الرواية أياماً أو شهوراً ثم تعود إليها من جديد.
من هم القصاصون العرب، الذين قرأت لهم أكثر من مرة، وما عنوان أول قصة قرأتها في مسيرة تلقيك لأدب القصة؟
قرأت معظم أعمال الروائيين العرب من جيل الرواد، وعلى رأسهم نجيب محفوظ، مروراً بيوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وأمين يوسف غراب، وثروت أباظة، ومن رواد القصة القصيرة كان هناك محمود تيمور، ومحمود البدوي ثم يوسف إدريس، بل أزعم أنني كنت تلميذاً في مدرسة هؤلاء الرواد، وكانوا يحضرون إلى نادي القصة بالإسكندرية يحاضرون ويجيبون على تساؤلاتنا، أما خارج مصر، فقد قرأت لكثيرين وعلى رأسهم غادة السمان من سوريا، والطيب صالح من السودان، والطاهر وطار من الجزائر، ولا أذكر تحديداً أول قصة قرأتها في مسيرتي، ولكني أذكر أن يوسف السباعي تحديداً كان له نصيب كبير من إهتمامي، ربما لسلاسة أسلوبه وخفة الدم في كتابته والتي تأسر القارئ.
ما سمة القصص التي تجد في نفسك شوقا إلى رصدها بالقراءة، وتبعث في ذاتك نزوعا إلى كتابة القصة القصيرة أو الأقصوصة على حد سواء؟
أنا بشكل عام أميل إلى الأدب الواقعي في القصة، والذي يتناول موضوعاً إنسانياً يمس المشاعرالإنسانية، حتى لو كان أدباً غريباً عن بيئتنا، أذكر مثلاً من الروايات الأجنبية التي قرأتها في مرحلة مبكرة جداً من حياتي كوخ العم توم لهارييت ستاو، ورواية الأرض الطيبة لبيرل باك، إن مثل هذه الأعمال التي ترتكز على تصوير المشاعر الإنسانية في لحظات ضعفها تشدني كثيراً وتعيش في وجداني منذ زمن الطفولة وحتى هذه اللحظة.
ترى هل فعل الكتابة القصصية، في نظرك، هو في حاجة إلى تذوق الأعمال الأدبية الروائية بالضرورة دون غيرها من ألوان وضروب الإبداع الأدبي؟
سألت هذا السؤال ذات يوم، في أوائل الستينات من القرن الماضي، لأستاذنا ثروت أباظة، وقد أجابني وقتها: إن أهم ما يجب أن يتسلح به كاتب القصة والرواية هو القراءة في كل فروع المعرفة ودون تحديد، حتى لو كانت قراءة ذات طابع بحثي أوعلمي، فسوف يجد نفسه بحاجة إلى هذه الأدوات خلال مسيرته، وأرى أنه كان محقاً تماماً في ما قاله آنذاك.
كيف ترى حال الأقصوصة والقصة القصيرة العربيتين المعاصرتين؟
بصراحة أنا لا تعجبني أحوال القصة هذه الأيام، لقد تحولت الكتابة القصصية إلى ما يشبه الأحاجي والألغاز، وحين تسأل أو تحتج يقال لك: هذه هي القصة الحديثة عبارة عن مشاركة بين الكاتب والقارئ! فالكاتب يكتب ما يدور في نفسه والقارئ يستخلص ما يراه منها، ومن هنا تتعدد الرؤى والقراءات! أنا لا أوافق على هذا الطرح، فأغلب شعوبنا ما زالت تطحنها الأمية والجهل، والكتابة القصصية فعل إبداعي يحمل رسالة، وما لم تكن هذه الرسالة واضحة ومفهومة وداخلة في نسيج القصة، فإنها في ظني لا تؤدي رسالتها، ولا دورها المنوط بها.
ما الذي يعنيه النقد القصصي بالنسبة إلى القصة القصيرة العربية الحديثة في رأيك؟
النقد القصصى في غاية الأهمية، فهو يأخذ بيد الكاتب، ويرشده إلى مواطن الإجادة، بل وينبهه إن كانت الرسالة قاصرة أو غير واضحة بما يكفي، أما بالنسبة للقصة المعاصرة، فإن حاله مع الأسف من حالها.
هل ثمة من تواصل عميق بين ما تتخذه الأقصوصة والقصة القصيرة من أشكال وبين مضمونها في البلاد العربية؟
هذه هي المشكلة في الواقع، أن ينفصل الكاتب عن مجتمعه، ويغرق في الترميز والتكثيف، بحيث ينفصل عن القراء، فينصرفون عن الأمر برمته، ربما الكثير من الكتاب يحاول مجاراة تطور القصة في المجتمعات الغربية، فينقلون تجارب الآخرين، ويسيرون على هديها، ولكن يظل السؤال قائماً: هل وصل الإنسان العربى إلى هذه الدرجة من النمو بحيث يصبح شريكاً للمبدع في إبداعه؟
ما هو في رأيك حظ الخيال ونصيب الواقع مما ينثره الكتاب العرب المعاصرون في قصصهم؟
ربما سأعيد ما قلته سابقاً بأن الإهتداء بالتجارب الوافدة يغرق العمل القصصى عندنا في عوالم خيالية، فينصرف عن الواقع، وهذه هي أزمة القصة العربية المعاصرة.
ترى هل لسيرة الكاتب الذاتية من أصوات وأصداء تتردد في قلب القصة القصيرة أو بين جوانح الأقصوصة؟
بكل تأكيد .. هناك نوع من المعايشة بين الكاتب وبين شخوصه، تفرض عليه أن يستقي من سيرته الذاتية، حتى ولو بدون وعي أو قصد منه، وهذا ما يعطي للحدث مصداقيته في كثير من الأحيان، فأنا لا يمكنني أن أحكي قصة حدثت لأسرة صينية، مثلاً، دون أن أكون قد عايشت المجتمع الصيني، فإن فعلت فلن تكتسب القصة مصداقيتها، وستصبح عملاً مفككاً ومشوهاً.
هل سبق للأستاذ الكريم محمد فؤاد منصور أن صادف في قراءاته سيرا ذاتية قصصية أو شعرية؟
بالطبع .. من يستطيع أن ينسى*الأيام* لطه حسين أو *سارة* لعباس محمود العقاد، إنك حين تقرأ الأيام تجد الدمع ينساب من عينيك قسراً في كثير من المواضع، وليس لذلك من تفسير سوى كم الصدق، ومعايشة التجربة المحكى عنها، وهنا أعيدك لتضم هذه الإجابة إلى السؤال السابق.