حلب قصدنا ونعم السبيل ..
العنوان شطر من بيت للمتنبي
قال : ربما لا يذكر التاريخ مولدها ، ولعله لم يكن هناك وقتها .. لكنه أدركها وهي طفلة تلهو على ضفة ذلك النهر الذي كان هناك .. كانت تبتسم للزمان ابتسامة تأسره فيظل عندها لا يتحرك .. ثم يمضي ليعود .. وفي كل مرة كان يراها كانت يجلس إليها يسمع أخبارها ..
واليوم لقيها وقد شبت فإذا هي ممشوقة القد خمرية الخد يفتر فوها عن مثل حب الغمام ، تحتضن في وسطها ربوة مرتفعة تعلو عن الارض مسافة أربعين مترا تعلوها قلعتها الشهيرة .. وإذا هي مزدانة فاليوم يعود إليها فتى الفتيان سيف الدولة ليستقبله أشعر شعراء العربية :
وَعُدتَ إِلى حَلَبٍ ظافِراً
كَعَودِ الحُلِيِّ إِلى العاطِلِ
فهي المعطلة من الحلي إن غاب عنها فارسها ..
لكن هناك فارسا آخر .. قد يفوق الأول هو ابن عمه ولعله اليوم أسيرا ، إذ تبدو على المدينة مع السعادة لقدوم سيفها حزنا لغياب فارسها .. وعنه قال الثعالبي في يتيمة الدهــر :
كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ونبلا، ومجدا وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز.
ثم نترك هذا الزمان لنرى نور الدين زنكي وقد قام يغسل عن جفون العالم الإسلامي النعاس الذي أثقله .. ويعيد زمان من الحياة قد غاب .. وتصبح حلب مقرا للمقاومة الإسلامية ضد الصليبين .. ويضربها زلزال مدمر سنة 1170 م .. إلا أن نور الدين يعمر ما انهدم منها ..
ثم نتركه أيضا لنرى صلاح الدين وهو يتوج فيها سلطانا للمسلمين .. ثم يحكمها بعده ابن غازي الذي أنالها شهرة واسعة ..
لكن المغول لم يتركوها وهل تركوا قبها بغدا وما مروا عليه من بلاد .. لينهوا بذلك عصرا جميلا عاشته هذه المدينة ..
ثم يخلصها بيبرس ( أو قظر أو هما معا ) من المغول في عين جالوت ... لتدخل بذلك حكم المماليك ، إلى أن يلقب فيها السلطان سليم الأول العثماني ( بخادم الحرمين الشريفين ) بعد أن تمكن من صرف البرتغاليين عن جزيرة العرب . لتدخل بذلك في حكم العثمانيين وتنطق فيها الحجارة بروائع العمارة كما نطقت الحروف بروائع البيان في كل عصر حتى قال خليل مطران :
وَمَا بَرَحَ الشَّعْرُ فِي كُلِّ عَصْرٍ
لَهُ كُوْكَبٌ يُجْتَلى فِي حَلَبْ
فهي الجميلة على الجملة وقد قيل :
مَا الَّذِي أَنْجَبَتْ حَلَبْ
مِنْ جَمَالٍ هُوَ الْعَجَبْ
بين هذه الأحداث والعهود تهت فلا أعلم من أين أبدأ الحديث .. وبين أنحائها وأحيائها تهت أيضا فلم أعرف أأبدأ من حي الفرافرة والصليبة ورائحة الزمان التي هناك .. أم من حارة القسطل الحرامي أستلهم روح عشرينيات القرن الماضي .. أم من سوق الجديدة وما يحمل فيه من المعاني التي تحملها الأسواق من ( بسطات ) ونداءات وموازين وباعة ( ختايرة ) وباعة نصابين .. والأهم (أبو عبدو الفوال ) ..أم من المنطقة المجاورة له حيث ترى الكهنة يأخذون دروبهم وترى مدارس الأمن هناك .. والناس هنا خلط عجيب بين الأكراد والعرب والأمن .. وهناك حواري للمسيحين وأخرى للمسلمين ..
أم ابدأ من القلعة .. قلبها وحافظة تاريخها وما تحويه من اسرار .. ولو تحدثت عن القلعة أفأحكي عن بنائها أم تاريخها ولو بدأت لما انتهيت ...
أم عن جوامعها و فيها من كل زمن جامع ولعل أهمها الجامع الكبير الذي بناه الأمويون .
أم عن حدائقها .. أم .. أم .. أم ...
هي أقدم مدن الأرض كما تحكي الأثار أو من أقدمها .. مر عليها الخليل إبراهيم عليه السلام زهو في طريقه إلى فلسطين وكانت له بقرة شهباء اللون يحلبها للناس فيستبشرون بأنه (حلب الشهباء ) إلا أن أقوالا أدق من هذا قيلت في سبب تسميتها فقد وجدت كتابات أقدم من زمن مرور سيدنا إبراهيم فيها تحمل شيئا يشبه هذا الاسم فبين ( خلب) في الوثتئق الحيثية و (خرب وخالولو في المصرية الفرعونية ) و (خلابة وخلمان وحلاب ) في الكلدانية .. ونجد من قال إنها تعني بالسومرية ( الحفر ) وقيل إنها تعني مكان التجمع ..
دخلها خالد بن الوليد فاتحا من باب أنطاكية .. وبنى فيها ابو عبيدة أول مساجدها .. ثم تعاقب عليها الحكم الإسلامي لكن اشهر عهودها عهد سيف الدولة ..
قال عنها أرنولد تونبي : لو سقطت حلب لتحول الشرق لاتينيا .. وكان ذلك حينما وقفت حلب في وجه الصليبين أبان الحملات الصليبية ..
أنشئت فيها أول مطبعة عربية أعطت للشرق معرفة انتشرت بين اوصاله ..
واليوم وبعد اصفهان ساحرة الشرق .. اختيرت حلب لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام 2006.. ومن أجرد بها بهذا ..
حواشي :
بيقولو فيروز لما نزلت حلب غنت (قديش كان في ناس هكذا :
شئد كان في خلئ على العوجى تستنى خلئ وتشتي الدني وتجئجئ الدني ..
والعهدة على الراوي ..
وبعدين مادمنا مررنا على حلب لازم نقول :
مقدرش اقول انت الجاني .. هصبر على طول على احزاني ..
وابعت لي جواب وطمني ...
( هذه ليست إلا دردشة .. فلا هس عرض ولا هي تاريخ .. لأن المدن لا تعرض في مواضيع قصيرة .. وكيف يصح هذا إلا إن جمع النهر في كأس أو طوي النهار في قنديل ..)
(كمان نفسي اقول يتبع بس اصبحت لا أصدق يتبع بتاعتي .. لكن يمكن لو فضيت شوية ..)