Originally Posted by
الحمري محمد
دجنبر.
صباح بارد ,أبرد من ليل وحدتي الموحش.
غيوم كثيفة وداكنة السواد تخفي وجعا.كانت في حركتها كدب يحتضر.
شجرة الرمان التي تتوسط حديقة المنزل هي الأخرى يوجعها عري أغصانها,التي غادرتها آخر وريقاتها لتشرئب حادة الأطراف متشابكة فيما بينها نحو الأعلى...
حط يحمل خيطا حريريا أسود.
لم يهتز الغصن...
داكن الخضرة خالطتها صفرة باهتة,قوائم انتهت بأطراف حادة أحكمت الإمساك بالغصن البني.يترنح,لم تهدأ حركة رأسه ولا حتى أجنحته التي تخفق في ارتعاش ...
تدلى الخيط الحريري الأسود من منقار بني يبدو صلبا,لعله فراش لصغار قادمين...
فجأة بدأ يهتز,يرفرف يشده الخيط الذي اشتبك بالغصن .نط على غصن آخر بدأ يجذب ’ رفرف و هو يجر ...ابتعد ,ضرب بمنقاره حيث ظن مكان التشابك,تتالت الضربات ,بدا لي أكثر إصرارا...رأيت ريش صدره منتصبا يكاد قلبه يغادر قفصه...وهو يجذب الخيط الذي ازداد تشابكا رماه غصن حاد ففقأ عينيه...
طار دون اتجاه وسط الأغصان المتشابكة والحادة ,استطاع بحدس ما أن يحلق بعيدا إلى الأعلى,ظل يصعد إلى أن صار قطعة من غيمة داكنة...
عانق الخيط الحريري الغصن الذي غطته وريقات خضراء...استرجعت شجرة الرمان دفأها وغادرها وجع العري...
عانقت وحدتي وبدأت أألف بعد التي باعد بيني وبينها خيار الرحيل...رحيل له لون البلاهة وألم كالدمل ورائحة دهليز أثقله الكلام والدخان...رحيل كسقوط ثمرات شجيراتى قبل الأوان "لم الإجهاض" سألتها...
لاحت كأجراس صغيرة,حمرتها فاتحة زهيرات وشحت اخضرار شجرة الرمان ونسيت الخيط الحريري وذاك العصفور ...
نسائم صباح تنبئ بمقدم يوم أحر من الذي انقضى,كعادتي مثل تلك الراهبة التي تطوف موزعة الدواء والأمل,كنت أعود شجيراتي...وجدتها, يعفرها الثرى ,كالوجنتين كان يلوح احمرارها ببهاء يملؤه حياء نادر,ناعمة وباردة...
مسحتها,أحسست أنها تختلف عنهنترفقت في شقها...قطرات كالدم وشت بياض قطعة الثوب وحبات تتلألأ كقطع بلور...كانت مقلا ماسية...وكان الخيط الحريري الأسود,يلف طرف الرمانة السفلي...
قبالتي,على سلك يشد أغصان زيتونتي العنيدة,تراصت طيور خضرتها داكنة خالطتها صفرة باهتة ,راحت تلتقط المقل واحدا تلو الاخر...وغابت هناك,تخترق تلك التى علت السماء داكنة وحزينة,لتلحق الطائر الذى لم يعد...
جميلة و رقيقة بِرِّقة العصافير و الشجيرات و الأوراق و حبات الرمان ...
و من جميل الصدف (التي يؤمن بها) أن يجد الخيط الأسود عالقا في تلك الرمانة التي إختارها
ثم هذا التفاعل بين الإنسان ( و ما في قلبه) و المحيط الذي يشكل هو الآخر جزءا من حياته و قد يشغل تفكيره لبعض الوقت و قد يذكره بأمر ما في حياته
التذكر قد تحفزه حالة التأمل تلك
منك السماح سيدي أحببت أسترسل بعض الشيء بطريقة ممكن أخرج بها نوعا ما عن الموضوع
تلك العصافير حين تحط فجأة على الأغصان في مجموعات (4 أو 5 او أكثر) تقيم عُرسا ، و بصدف أكثر لطفا نحظى بالعرس مباشرة وراء النافذة على أغصان كرمة العنب المتشابكة مع قضبان النافذة ، يكرمنا الحمام أيضا بمشاهد مماثلة ... عزيزة جدا إذ لا تدوم إلا للحظات، تجبر العيون على تأملها إلى أن تغادر
لون الوجه السفلي لأوراق الزيتون ...مع لون الساق ...يُكسب الشجرة ككل منظرا يخالطه نوع من الكآبة خاصة بوجود الرياح و غياب الشمس
على ذكر العصفور الذي فقأت عينه...
ذكرتني ...في عصفور صادفته مرة في حديقتنا الصغيرة لكنه لم يطر عند إقترابي منه، أيقنت أن به علة ، حملته ، قربت له بعض الماء لكنه لم يشرب،
أبقيته بين يدي لفترة ، أخذ بعدها يتحرك ، ينتفض ، فكرت أنه يحاول الطيران ، حركته كي أساعده ، لكنه ظل يسقط ، أخذته مجددا بين يدي، خمد لبعض الوقت، ثم أحسست برعشة تسري في جسده الصغير، بحركة سريعة مدّ قوائمه نحو الخلف و ضم جناحيه إليه أكثر ، لم يتحرك بعدها ، ظل على تلك الوضعية ، مات
أحسست أن الموت كانت بين يدي للحظات ، لم تكن سهلة حتى بالنسبة لذلك العصفور الصغير...
قصة جميلة سيدي الكريم ، لقد جسَّدت بطريقة جيدة جدا كل تلك التفاصيل التي تميز الحديقة ....و زوار الحديقة (العصافير) و التفاعل الذي ينشأ بينها و بين الإنسان (بما في ذلك ما يحويه قلب هذا الإنسان...)
دمتَ بهذه الرقة و الروعة أستاذي الكريم محمد
خالص التحية و المودة