*حسان بلا عصر النبوة*
أما تجدوا لنا يا قوم عصراً
ينوءُ بهِ الطموحُ ولا يميلُ؟
فلا يحنيهِ ثقلُ بني تميمِ
وجورُ بني كلابِ ولا بكيلُ؟!
ولا ذو سلطةٍ يطغى عليهِ
فيحني هامةً صارت تطولُ
ولا يمضي «أبو جهلٍ» فنلقى
مثالاً منهُ في صلفٍ يجولُ
ولا يقضي «أبولهبٍ» ببدرٍ
فلا ندري و قد بُعث القتيلُ
***
أما تجدوا لنا عصراً وليداً
يفصِّلُ ثوبهُ فكرٌ أصيلٌ؟؟
فلا يبدوا بهِ قصرٌ معيبٌ
ولا طولٌ له ذنبٌ طويلٌ
أما من طفرةٍ يا قوم تأتي
فنرقى ثم يطربنا الوصولُ؟!
مع حريةٍ وصفاء عيشٍ
لنختصر النهوض ولا نطيلُ
أما من منبرٍ حرٍ بليغٍ
وتنويرٍ تجود بهِ العقولُ؟؟
فإني إن صعدت عليه يوماً
بلا كمامةٍ ودمٍ يسيلُ
رسمت لقومي الأمجاد رسماً
بليغاً لا يخالطه فضولٌ
وألجمتُ الفساد لجام مُهرٍ
خطيرٍ في مرابعنا يصولُ
* * * * *
ألا لا يحسبُ الشعراءُ أنَّي
زعمتُ وأن زعمي مستحيلُ
أنا بغزيَّةٍ عضوٌ نبيلٌ
وما بغزيةٍ إلاّ النبيلُ
أنا في الشِّعرِ بحرٌ من ضياءٍ
تفيض إليكمُ منه السيولُ
فتسقي القوم ماءاً من سناءٍ
إذا شربوا –دعوا – مما نقولُ
أنا الشعرُ الذي فيه القوافي
كحقل القمحِ زينْتَهُ السَّبولُ
أنا ضد الحديث إذا أُسيئت
حداثتهُ وأرهقهُ الخمُولُ
أنا «حسّان» إلاّ أن عصري
تأخر لم يشرفه الرسولُ
* * * * *
أنا «متنبيُ» الشعراء طرَّاً
ولكنَّ الزمان لهُ فصولُ
أنا «الشَّابِّي» أكرع من رؤاهُ
ومن قبساتهِ بدمي جميلُ
ومن ذكرى «أبي الأحرار» روحٌ
وأني من فصاحتهِ قبيلُ
ولي في موطن الأحرار حقٌ
أمارسه وليس له بديلُ
أسوق لقومي الزلاَّت سَوقاً
وأرشدهم إذا خفي الدليلُ
وأقرضهم إذا عزّوا مديحاً
وأصرخ أن يخالطهم ذليلُ
ولا أرضى بأن يهنوا لفدمٍ
ويحكم عصرهم شيخٌ وقيلُ
إذا غرفوا العلوم لكي يعزّوا
ففيم يستبِّدُ بهم جهولُ؟
ويرقى في حكومتهم أناسٌ
مساطيلٌ لهم شرفٌ عليلُ؟
وأبكي إن أشاهدهم جياعاً
وفي ثرواتهم ذهبٌ يسيلُ
وللوطن العزيز عليّ دينٌ
أُوفِّيهِ بمكيال يكيلُ
أذود عن الحياض إذا شجاهُ
عميلٌ داخليٌ أو دخيلُ
* * * * *
أما تجدوا لنا يا قوم عصراً
نفوهُ ولا يحاسبنا وكيلُ؟
ويسكتنا الهوى والجوع دهراً
لننطق بعدهُ كفراً يهولُ
وهل من منبرٍ حرٍ بليغٍ
يشيد بناه في الأجيال جيلُ
ويسطع فيه شان الرأي حتى
تباريه النجومُ فيستطيلُ
هنا سأقدم البشرى إليكم
بأن البدرَ منتصفٌ جميلُ
* * * * *
فيا من كبّلوا قلمي بقيدٍ
وفي طياته قفلٌ ثقيلُ
وساقوا الجوع واقتطعوا لساني
فصام فمي وفي فمهِ قتيلُ
أفيقوا أننا نرنو لعصرٍ
جديدٍ لا يعكره شمولُ
ونرجو فسحةً للفكر حتى
يضيء ويستنير بنا السبيلُ

**
صنعاء / 1995م
هـوامــش:
(*) ما بين الأقواس على التوالي حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو الطيب المتنبي الشاعر الشهير، وأبو القاسم الشابي الشاعر العربي الخالد، وأخيراً أبو الأحرار والشعراء محمد محمود الزبيري وهم مصابيح من القديم والحديث أضاءت هذه القصيدة بوهجهم وتجلياتهم حتى سكبته أملاً وفخراً وشوقاً في صفحةٍ من الوجد.