Click image for larger version. 

Name:	rpic.jpg 
Views:	1 
Size:	13.2 KB 
ID:	1564

صدر للكاتب الأمريكي "جون بيركنز" كتاب اعترافات قاتل اقتصادي'، نقله إلى العربية د. بسام أبوغزالة , وهو مذكرات شخصية يصف فيه الكاتب وظيفته التي تُلخّص الأسلوب الجديد للإمبريالية الأمريكية في السيطرة على أمم العالم الثالث. وكان الكاتب يعمل كبيراً للاقتصاديين في شركة "تشاس ت. مين" الأمريكية العابرة للقارات بوصفه ' قاتلا اقتصاديا' (Economic Hit Man) وباختصار EHM.

" الاغتيال الاقتصادي" يحصل من خلال رشوة وابتزاز رؤساء وملوك الدول النامية من خلال جَبْرِهم على أخذ قروض من الولايات المتحدة
تحت ذريعة تطوير بُناها التحتية وجلب التقدم والمنفعة, مقابل منح الشركات والبنوك الأَمريكية الامتيازات في جميع المناقصات والعقود، والحقيقة هي إدخال هذه الدول في مستنقع الديون والتبعية الاقتصادية للولايات المتحدة، وحسب شهادة الكاتب[2] في برنامج "رحلة في الذاكرة" على قناة RT في 15/3/2013و 22/3/2013: إذا ما حاول أحد الزعماء السياسيين رفض شروط التعاون أو الإذعان للحُكومة الأَمريكية فإنها ترسل أجهزة خَاصَّة لتصفيته، ولذا كان خائفاً من نَشْر كتابه ويتعرَّضُ لتهديدات بالقتل.علما ان الكتاب اصبح الأكثرَ مبيعاً , وتمت ترجمته إلى 30 لغة وصدر باللغة العربية عام 2012 .
جون بيركنز
يصف الكاتب القتلة الاقتصاديين بأنهم "رجال محترفون يتقاضون أجوراً عالية لخداع دول العالم بابتزاز ترليونات الدولارات. وهم بهذا يحوِّلون الأموالَ من البنك الدولي، ومن الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية، ومن منظمات (مساعداتٍ) أجنبية أخرى، لتصبَّ أخيراً في خزائن الشركات الضخمة وجيوب قلةٍ من الأسر الغنية التي تتحكم بموارد الأرض الطبيعية. وسبيلهم إلى ذلك تقاريرُ مالية محتالة، وانتخاباتٌ مُزوَّرة، ورشاوى، وابتزاز، وغواية جنس، وجرائم قتل. إنهم يمارسون لعبةً قديمةً اتخذت في هذا الزمن أبعاداً جديدة رهيبة."
وعن بداية عمله يقول الكاتب: قدَّمنا( انا وزوجتي آنْ) طلباً للالتحاق بفرقة السلام, وبعد السفر الى الاكوادور التقيت هناك ب"آينر غريف" مساعد رئيس شركة "تشاس ت. مين" وهي شركةُ استشاراتٍ دوليةٌ كانت تلتزم عدم الظهور، ومسؤولةً عن إجراء دراساتٍ يتقرَّرُ بموجبها ما إذا كان يُمكنُ البنكَ الدوليَّ أن يقدِّمَ قرضاً للإكوادور وللدول المجاورة لها بمليارات الدولارات لبناء سد كهرومائي وإقامة مشاريعَ بنى تحتيةٍ أخرى.
و في عام 1971عُرِضَ عليَّ منصبُ اقتصاديٍّ في هذه الشركة ..لقد استخدمني آينر كاقتصاديٍّ، لكنني علمتُ بسرعةٍ أنّ وظيفتي الحقيقيةَ كانت أبعدَ من ذلك بكثير، وأنها أقربُ إلى عمل جيمس بوند!
معلمتي كلودين مارتن (مستشارة خاصة للشركة) شرحتْ لي أنّني في مركز غير عاديٍّ، وأنّ علينا أنْ نلتزم السرية التامة. ومن ثمّ أخبرتني أنّ مُهمتها أنْ تُشكلني لأكون “قاتلا اقتصاديا”!
وقالتْ: إننا سلالةٌ نادرةٌ في عمل قذر. ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يعرفَ ما تقومُ به حتى زوجتك ,وأخبرتني أن ثمةَ غايتين رئيسيتين لعملي. أولاهما أن عليّ أن أُبرِّرَ القروض الدولية الضخمة التي سوف تُعيدُ المالَ إلى شركة مين والشركات الأمريكية الأخرى من خلال المشاريع الهندسية والإنشائية الكبيرة. وثانيتُهما أنّ عليّ أنْ أعمل على إفلاس الدول التي تتلقى تلك القروض بحيث يُمسك الدائنون برقابها أبداً، فتغدو أهدافاً سهلةً حين نطلبُ منها خدمةً ما، مثل إقامةِ قواعدَ عسكريةٍ في أراضيها، أو التصويتَ لصالحنا في الأمم المتحدة، أو الحصول على النفط أو الموارد الطبيعية الأخرى.
كانت وظيفتي، حسب قولها، أن أتنبّأ بآثار استثمار مليارات الدولارات في بلد ما, وأقوم بدراساتٍ تتنبّأ بالنمو الاقتصادي خلال 20-25سنةً في المستقبل, وتقيّمُ آثار مختلف المشاريع. وهكذا يفوزُ المشروعُ الذي يُنتج أعلى معدلٍ سنويٍّ لنمو الناتج المحلي الإجمالي.
إنّ الجانبَ المسكوتَ عنه في كلِّ واحدٍ من هذه المشاريع هو أنّ الغايةَ منها خلقُ أرباحٍ كبيرةٍ للمقاولين، وإسعادُ حفنةٍ من الأسر الغنية المتنفذة في الدول المستدينة، وفي الوقت ذاته ضمانُ وقوع حكوماتها في تبعيةٍ ماليةٍ طويلةِ الأجل، وما يستتبعُ ذلك من ولاء سياسي. وكلما كان القرضُ أكبرَ كان أفضل. أما حقيقةُ أنّ العبءَ الذي يوقعُه الدَّيْنُ على عاتق الدولة المعنية سوف يحرمُ مواطنيها الأشدَّ فقراً من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى لعشرات السنين، فهو أمرٌ لا يؤخذ في الاعتبار.
قالت كلودين.:“إنّ عليك أنْ تأتي بتنبّؤٍ متفائل جدا للاقتصاد، وكيف يمكنُ أنْ يظهرَ بعد بناء جميع المحطات الكهربائية وخطوط التوزيع. فمن شأن هذا أنْ يسمحَ لبرنامج المساعدات الأمريكيِّ وللبنوك الدولية أن تُبرِّرَ القروض. بطبيعة الحال، سوف تُجزَى جزاءً حسناً، ثم حذّرتني من صعوبةِ دوري قائلة: أنتَ من يتنبّأُ للمستقبل، وتنبؤاتُكَ تُقرِّرُ حجمَ الأنظمةِ التي يُصمِّمونها – وقيمةَ القروض..إنك أنتَ المفتاح.”
وقالت : “نحنُ نادٍ صغيرٌ خاصّ. نتقاضى راتبا عاليا لكي نخدعَ الدولَ حول العالم بمليارات الدولارات. إنّ جزءاً كبيراً من وظيفتك أنْ تُشجِّعَ قادةَ العالم على أنْ يُصبحوا ضمنَ شبكةٍ تدعمُ مصالحَ الولاياتِ المتحدة التجارية. وفي نهاية المطاف، يقعُ هؤلاء القادةُ في شِباكٍ من الدَّيْن تضمنُ ولاءهم. عندئذٍ نستطيعُ الاعتمادَ عليهم حين نرغبُ لكي نُحقق أغراضَنا السياسية والاقتصادية والعسكرية. وبالمقابل، يُعزِّزُ هؤلاء القادةُ أوضاعَهم السياسيةَ بأن يجلبوا لشعوبهم مناطقَ صناعيةً ومحطاتٍ كهربائيةً ومطارات. وفي الوقت نفسه، يُثري أصحابُ الشركات الهندسية والإنشائية ثراءً كبيرا.”
في هذا السياق يشير الكاتب الى ثلاث مراحل تتبعها الولايات المتحدة: الأولى تبدأ بالقتلة الاقتصاديين، فإن فشلوا جاء دور بنات اوى (وكالة CIA) كما يصف الكاتب ومهمتهم تصفية الزعيم العنيد، أو الانقلاب عليه، فإذا فشلوا تحرك الجيش الأمريكي لاحتلال البلد.
ويتبرم بيركنز من نتائج هذا النظام والاسلوب بقوله: نرى مدراء تنفيذيين يستخدمون أناساً في آسيا بأجور تقرب من الاستعباد لكي يكدحوا في ظروف غير إنسانية. نرى شركات النفط تضخ السموم بلا اكتراثٍ في أنهار الغابات المطيرة، فتقتل الإنسان والحيوان والنبات، وترتكب الإبادة الجماعية بين الحضارات القديمة، وهي واعيةٌ لما تفعل. نرى الصناعاتِ الدوائيةَ تضنُّ بالأدوية المنقذةِ لحياة المصابين في أفريقيا بالفيروس المسبب لنقص المناعة المكتسبة. نرى في بلدنا، الولايات المتحدة (12 مليون) أسرةٍ قلقةً على وجبة طعامها القادمة. نرى الولايات المتحدة تنفقُ أكثر من (87 مليار) دولار لشن حرب على العراق بينما تُقدر الأمم المتحدة أننا بأقلَّ من نصف هذا المبلغ نستطيع تأمين الماء النقيّ، والغذاء الكافي، وخدمات الصرف الصحي، والتعليم الأساسي لكل فرد على وجه الأرض. ثم نستغرب كيف يهاجمنا الإرهابيون؟
ويتابع معترفا بالخطيئة: هذا الكتابُ هو اعترافُ رجل كان جزءاً من مجموعةٍ صغيرةٍ أما اليوم فإن من يقومون بأدوار مشابهةٍ أصبحوا أكبر عددا، ويحملون مسمياتٍ أجملَ، و”اعترافات قاتل اقتصادي” هي قصتهم جميعاً كما هي قصتي, قصة الإمبراطورية العالمية, والإمبراطوريات قد سقطت جميعُها, إنها تُدمِّرُ الحضاراتِ، ثمّ ينالها السقوط, فما من دولةٍ أو مجموعةٍ من الدول يُمكن في المدى البعيدِ أنْ تزدهرَ باستغلال غيرها... لقد كتِبَ هذا الكتابُ لكي نتعظ والاعتراف بالخطيئة بداية الصلاح. فلْيكنْ هذا الكتابُ بداية خلاصنا؛ وليقُدْنا إلى تحقيق أحلامنا في مجتمعات متوازنة ذات كرامة.
نماذج تطبيقية :
يذكر الكاتب تفاصيل عمليات الاغتيال الاقتصادي والمؤامرات الامريكية بحق الشعوب عدد من الدول وحكامها لتحقيق اهدافها غير المشروعة , نقدم اليكم مجملا لبعض تلكم العمليات:
• العراق:
في الفصل 31 تحت عنوان "فشل قراصنة الاقتصاد في العراق " كتب بيركنز: كان الامريكان خلال الثمانينات يعرفون القليل عن العراق, وكنتُ على دراية بان القراصنة الاقتصاديين يعملون بجد في العراق, وقد قررت ادارتا ريغان وبوش تحويل العراق الى نسخة اخرى من السعودية, وكان هناك الكثير من الاسباب التي تفرض على صدام الاقتداء بال سعود , ولم يعوزه سوى ان يلتفت لتلك المنافع التي حصدها ال سعود من عمليات غسيل الاموال, وكان يعي دون شك انهم يتمتعون بمعاملة خاصة فيما يتعلق بالقانون الدولي, كتمويل الجماعات الارهابية وايواء المطاردين دوليا.
اعتقد القراصنة الاقتصاديون ان صدام سيتبع المنهج الامريكي اخيرا, وكان واضحا انه اذا توصل العراق الى اتفاق مع واشنطن سيكون بوسع صدام ان يوقع عقدا نهائيا لحكم بلاده دون منازعة , ولربما اغمضت واشنطن اعينها حين يحاول توسعة دائرة نفوذه في الشرق الاوسط, ولم تكترث بان صدام يخفي داخله حاكما طاغية, وان يده ملطخة بدماء ضحايا القتل الجماعي, كما ان مذهبه السياسي وممارساته الوحشية تستحضر في الاذهان صور هتلر. لقد تسامحت واشنطن مع ذلك النوع من الطواغيت بل كثيرا ما دعمته. كان يسعدنا ان نمنحه القروض مقابل شراء النفط او اتفاقات تؤمن استمرار امداد بلاده لنا بالنفط, او مقابل صفقة نستغل فوائد هذه القروض في تشغيل عدد من الشركات الامريكية تقوم بتحسين انظمة البنية التحتية في العراق, او انشاء المدن الجديدة, او تحويل الصحراء الى واحات .
لقد تجاوزت اهمية العراق مكانته النفطية, فقد كانت له اهمية اخرى من حيث موارد المياه والمكانة الجيوسياسية فهو يتاخم ايران و..ويطل على الخليج, والمدى الصاروخي للعراق يجعله قادرا على اصابة اسرائيل وجمهوريات الاتحاد السوفيتي ..فمن يسيطر على العراق يمتلك مفاتيح السيطرة على الشرق الاوسط. وقد مثل العراق سوقا واسعة للتكنولوجيا الامريكية والخبرة الهندسية, ولان العراق على راس قائمة اكبر دول العالم امتلاكا لحقول النفط فانه تمكن من امتلاك القدرة على تمويل مشروعات البنية التحتية والاضطلاع ببرامج التصنيع , ولذا استقطب العراق كافة اللاعبين الكبار مثل شركات الهندسة والتعمير وشركات انتاج اجهزة الحاسوب ومصنعي الطائرات الحربية والصواريخ والدبابات وشركات تصنيع الادوية والكيماويات .
لم يبتلع صدام طعم قراصنة الاقتصاد مما سبب خيبة امل كبرى لادارة بوش الاب وساعد في اضعاف صورته داخليا, وبينما كان بوش يبحث عن مخرج من ازمته قدم صدام الحل على طبق من فضة بغزوه الكويت في اب 1990, فشنت قوات التحالف هجوما جويا ضد اهداف عسكرية ومدنية عراقية, تبعه هجوم بري ثم طوردت فلول الجيش العراقي الذي خارت عزيمته, وصارت الكويت امنة وعوقب الطاغية وتحسنت شعبية بوش لدى 90% من الشعب الامريكي. جورج بوش الاب
اصبح السعي نحو الامبراطورية الكونية امرا واقعا وتسهم فيه اغلب قطاعات الدولة ..لقد رسمت الامبراطورية الكونية ملامحها وعبرت كل الحدود , وما كنا ندعوه من قبل شركات امريكية صار اليوم شركات عالمية ..لم يعد ثمة وجود لمفردات على شاكلة الديمقراطية والاشتراكية والراسمالية فقد صارت الكوربوقراطية[3] حقيقة واقعة وفرضت نفسها محركا وحيدا ورئيسا للاقتصاديات والسياسات العالمية .
• إيران:
كثيراً ما كنتُ أزورُ إيران الغنيةً بالنفط بين 1975 و1978 ؛ ولم تكن بحاجةٍ إلى الاقتراض لتمويل قائمة مشاريعها الطموح. بيد أنّها تختلفُ اختلافاً بيِّناً عن السعودية في أنّ سكانها العديدين ليسوا عربا، وإن كانوا مسلمين مشرقيين. أضفْ إلى ذلك أنّ لتلك الدولة تاريخاً من الاضطراب السياسي , وقد تضافرت جهود واشنطن ومجموعةِ الأعمال على جعل الشاه رمزاً للتقدم.
قمنا بجهد هائل لنُريَ العالم ما يستطيعُ إنجازَه صديقٌ قويٌّ وديمقراطيٌّ للشركات والمصالح السياسية الأمريكية. وبغضِّ النظر عن لقبه الذي يشي بالبعدِ عن الديمقراطية، فإن واشنطن وشركاءها الأوربيين كانوا مصممين على تقديم حكومة الشاه كبديلة لحكومات العراق، وليبيا، والصين، وكوريا، وغيرها، حيث يطفو على السطح تيارٌ داخليٌّ قويٌّ مضادٌّ للأمركة.
كانت شركة مين مشترِكةً في مشاريعَ تغطي معظمَ أرجاء ايران, من مناطق السياحة في بحر قزوينَ، إلى المنشآت العسكرية السرية المطلة على مضيق هرمز. ومرةً أخرى، كان عملنا يركز على التنبؤ بالإمكانيات التنموية الإقليمية، ومن ثم تصميم أنظمة التوليد الكهربائي والإرسال والتوزيع التي تزوِّد الطاقة المهمة المطلوبة لدعم النمو الصناعي والتجاري الذي من شأنه أنْ يُحقق هذه التنبؤات.
يروي الكاتب “جون بيركنز” كيف اطاحت الـ CIA برئيس وزراء إيران محمد مصدّق المنتخب ديمقراطيا، فحينما رأى أن الشركات البريطانية تستولي على ثروات الشعب الإيراني من النفط قام بتأميمها , فلجأت الى الولاياتُ المتحدةُ فابتكرت مخابراتها " CIA " أسلوباً جديداً وقامت بإرسال العميلِ السري ““كيرميت روزفلت” الذي تولى شراء ولاءات شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية في إيران بملايين الدولارات، الذين بدأوا بنشر الشائعات والأكاذيب بشكل مكثَّف ضد “مصدق” فصدق بها أصحاب الوعي المتدني دون أن يتحقّقوا منها ,كما موّلت الولايات المتحدة عبر المخابرات أعمالَ شَغَب وتنظيم مظاهرات سادها العنف مما خلق الانطباعَ بأن الرئيس مُصدَّق لم يكن ذا شعبية أو كفاءة. فسقط مُصدّق وأصبح الشاه محمد رضا المؤيِّدُ للسياسة الأمريكية دكتاتوراَ لا ينافَس. لقد أسَّسَ كيرمِت روزفِلت لمهنةٍ جديدة، تلك التي انضممتُ لها, وقد أعادتْ حركته تشكيلَ تاريخِ الشرقِ الأوسط وأصبح واضحاً أنه إذا أرادت الولاياتُ المتحدةُ أن تُحقِّقَ حلمها في الإمبراطورية العالمية فعليها أن تستخدمَ مخططاتٍ مبنيةً على الطراز الذي ابتدعه روزفلت في إيران. فقد كانت تلك هي الطريقة لهزيمة السوفييت بدون التهديد بحرب نووية.
وكانت هناك مشكلة هي أنّ روزفلت لو كان ألقي القبضُ عليه، لكانت النتائجُ مؤلمة فكان مُهمّاً أنْ يُبحَثَ عن وسيلةٍ لا تتورطُ واشنطن مباشرةً فيها, فوُجد حلٌّ للمشكلة, هو أن على وكالات الاستخبارات الأمريكية – منها وكالة الأمن القومي – أنْ تجد قتلةً اقتصاديين يُمكنُ توظيفُهم من قبل الشركات العالمية، بحيثُ لا يقبضون رواتبَهم من الحكومة مطلقا، بل من القطاع الخاص كـ( شركة مين) . فإذا اكتُشف عملهم القذر، وقعتْ اللائمة على جشع الشركات، لا على سياسة الحكومة.
• العربية السعودية:
في 6/10/ 1973 شنت مصرُ وسوريةُ هجوماً على إسرائيل ( حربِ تشرين) وقد ضغط السادات على الملك فيصل لاستخدام “سلاح النفط”, ودعا وزير النفط العراقي إلى فرض حظر كامل على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول المؤيدة لإسرائيل. كما دعا إلى سحب الأموال العربية من البنوك الأمريكية, وفي 30/10 فرضت السعوديةُ والدولُ العربية الأخرى المنتجةُ للنفط حظراً تاماً على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة.
انتهى الحظر في 18 آذار 1974، وكان له أثر كبير, فقد قفز سعرُ النفط من 1.39 دولار للبرميل في 1970إلى 8.32 دولار في 1974, واقتنع وول ستريت [مركزُ المال الأمريكي] وواشنطن أن مثل هذا الحظر لن يُقبَل تكرارُه أبدا وباتت بعد عام 1973 حمايةِ تزوُّدِنا بالنفط هاجساً لنا, وأجبر واشنطن على الاعتراف بالأهمية الإستراتيجية للمملكة على اقتصادنا. بدأت واشنطن تتفاوض مع السعوديين، عارضةً عليهم مساعدة فنية، وأسلحة وتدريبا، وفرصةً لرفع دولتهم إلى مستوى القرن العشرين مقابل المال النفطي، وضماناتٍ بأنْ لن يتكرر الحظرُ على النفط أبدا، وهذا هو الأهم. وقد نتج عن المفاوضات إنشاءُ لجنة أمريكية سعودية اقتصادية مشتركة (جيكور)، اعتمدت على المال السعودي لتشغيل الشركات الأمريكية في بناء السعودية, وخطط لها بإنفاق مليارات الدولارات خلال 25 عاماً؛ وكانت عملياً خارج مراقبةٍ الكونغرس، ولها إمكانيةُ تجذُّر الولايات المتحدة عميقا في أرض السعودية، مُعززة فكرة الاعتماد المتبادل.” وقد طلبت دائرة الخزينة من شركة مين العمل معها استشاريا, وأُبلغتُ أن مهمتي ستكون حساسة , وقد وضعت تلك الترتيبات معاييرَ جديدةً للقتلة الاقتصاديين, وقد كوفئت شركة مين بأحد العقود الرئيسية لمربحة جدا في السعودية، وقد استلمتُ مكافأة كبيرة.
كانت مهمتي أن أضع توقعاتٍ لما قد يحدث في السعودية إذا استُثمِرت كمياتٌ هائلةٌ من المال في بنيتها التحتية، وأن أرسم سبلَ إنفاق ذلك المال. وقد طُلِبَ مني أنْ آتي بما أستطيع من إبداع لتبرير ضخ مئات ملايين الدولارات في الاقتصاد السعودي، بحيث تُشرَكُ شركاتُ الهندسة والبناء الأمريكية. وأُخطرتُ بأنّ مهمتي تتعلّقُ بالأمن القومي، وتنطوي على إمكانيةِ ربح كبير لشركة مين.
انّ الغاية الأولية هنا لم تكنْ ما اعتدنا عليه – وهوإثقالَ كاهلِ الدولةِ بالديون التي لن تستطيعَ سدادَها – بل إيجادُ وسائل تضمنُ عودةَ حصةٍ كبيرةٍ من مال النفط إلى الولايات المتحدة. وفي هذه العملية، سوف تُجرُّ السعودية إلى حيثُ يُصبحُ اقتصادُها متشابكاً بصورة كبيرةٍ باقتصادنا ومُعتمدا عليه.
أخذتُ أفكِّرُ : يُمكنُ تكريس المال لإيجاد قطاع صناعي يعمل على تحويل النفط الخام إلى منتجات مُصنَّعة للتصدير, عندها سوف تظهر في الصحراء مُجمَّعاتٌ كيماوية-نفطية، تنتشرُ من حولها مناطقُ صناعيةٌ ضخمة تقتضي مثلُ هذه الخطة بناءَ مولداتٍ كهربائيةٍ وخطوط إرسال وتوزيع، وطرق سريعة، وخطوط أنابيب، وشبكات اتصال، وأنظمة نقل تضم مطاراتٍ حديثةً، وموانئ محسنةً، ومنظومة أعمال الخدمات.
كانت توقعاتُنا أن تُصبح هذه الخطةُ نموذجاً لبقية العالم , وسوف يتصل بنا الزعماءُ لمساعدتهم في ابتداع خطط شبيهةٍ لبلدانهم. وللحصول على التمويل سوف يلجؤون إلى البنك الدولي أو طرق أخرى للاستدانة. وعلى الفور خطرت بالبال كلٌّ من إيران والعراق كمَثَلَيْن لهذه البلدان. أضف إلى ذلك أننا شعرنا أن قادة مثل هذه الدول يُمكن حفزُهم لمحاولة تقليد السعودية.
وبما ان السعوديين لا رغبة لديهم ليصبحوا عمال مصانع أو بناء, لذلك سيكون ضروريا استيرادُ قوة عاملة, وهذه الإمكانيةُ تخلق وسيلةً جديدةً عظيمةً لفرص التنمية. اذ لا بد من بناء مجمعات إسكانية لهؤلاء العمال، وأسواق، ومستشفيات، وخدمات الشرطة والمطافئ، ووحدات تنقية المياه والمجاري، وشبكات الكهرباء والاتصالات والمواصلات – والواقع أن النتيجة النهائية ستكون إنشاء مدن حديثةٍ , وهنا أيضا ظهرت فرصةٌ لاستكشاف التقنيات الناشئة، مثل محطات التحلية، وأنظمة الموجات بالغة القصر، ومجمعات العناية الصحية، والتقنيات الحاسوبية.
لقد استمتعتُ كثيراً بهذه المهمة, وأقحمتُ خيالي على العمل وكتبتُ تقاريرَ صوّرت للمملكة مستقبلاً مجيدا. كانت مهمتي أن أشرح تصورات لما قد يكون ممكنا، وكنتُ دائما أضع في ذهني هدفين: رفع ما تقبضُه الشركات الأمريكية إلى الحد الأعلى, وجعل السعودية تعتمد أكثر فأكثر على الولايات المتحدة. وبدأتُ أضع قائمتين لكلٍّ من المشاريع التي تصوّرتُها: قائمة بأنواع عقود التصميم والبناء التي نتوقعها، وأخرى باتفاقيات الخدمة والإدارة طويلتي الأمد. وبهذا سوف تُحقِّقُ (شركات مين، وبكتل، وبراون وروت، وهلِبيرتُن، وستون ووبستر) والكثير من المهندسين والمقاولين الأمريكيين ربحاً عاليا لعقود من الزمن.
أرسلتُ تقاريري إلى “مدير المشاريع، دائرة الخزينة” وكنا نشير إلى هذا المشروع باسم “ساما”. ويعني غسيل المال السعودي , وكان نوابُ الرئيس ومندوبُ الخزينة يُعجَبون بأفكاري حول اتفاقيات الخدمة والإدارة طويلتي الأمد.
بهذه الخطة، أرادت واشنطن من السعودية أن تضمنَ دوامَ تدفقِ النفطِ واستقرارِ الأسعارِ, فإذا هددتْ بإقامة الحظر دولٌ كإيران، والعراق، وإندونيسيا، وفنزويلا، سدّت السعوديةُ النقصَ بما تملكُه من كميات ضخمة من النفط؛ وكان هذا عرضا لم يستطعْ آلُ سعودٍ رفضَه، لافتقارهم إلى القوة العسكرية، وضعفهم أمام إيرانَ، وسوريةَ، والعراقِ، وإسرائيل. لذلك من الطبيعيِّ أن تستخدمَ واشنطن تميُّزَها في فرضٍ شرطٍ آخرَ أعاد تحديد دور القتلة الاقتصاديين في العالم، ومثَّلَ نموذجاً حاولنا لاحقاً تطبيقه في دول أخرى، أهمُّها العراق.
لقد استغرق وضعُ الخطوط العريضة لهذا المشروع التاريخيّ وقتاً قصيرا وكان علينا أن نجد السبيل إلى تنفيذه. ولكي تتحرّك العملية، أُرسِلَ إلى السعودية أحدُ الذين يتبوؤون أعلى منصب في الحكومة( اعتقد انه هنري كسنجر) في مهمةٍ سريةٍ للغاية هي أنْ يُذكِّرَ الأسرة الملكية بما حدث في إيران حين حاول مُصدّق أن يتخلّص من المصالح النفطية البريطانية, وكان عليه أن يشرح خطةً أكثر إغراءً لهم من أنْ يرفضوها..عاد المبعوثُ ومعه رسالةً بأن السعوديين يؤثرون الطاعة.
كان علينا أن نُقنعَ اللاعبين الرئيسيين في الحكومة السعودية فأنيط بي عام 1975 التعاملُ مع واحد منهم(الامير واو) كانت مهمتي أن أقنعه بأن عملية غسيل المال السعودي سوف تفيد بلاده وتفيده شخصيا. أعلن الأمير بأنه وهابيٌّ ملتزم وأنه لا يودُّ أنْ يرى بلاده تتبع الخطى التجارية الغربية. وكان فيه ضعفٌ تجاه الشقراوات الجميلات, وهذه النزعة أدّت دوراً في ترتيب هذه الصفقة التاريخية.
كان الأميرُ “واو” شخصيةً مُعقَّدة فأنفقتُ ساعاتٍ طوالاً أُريه الإحصاءاتِ وأُساعدُه في تحليل الدراساتِ التي قمنا بها للدول الأخرى، فتليّن موقفه أخيراً, وفي ليلة وضحاها غيّرتْ الصفقةُ شكل المملكة. فقد ارسل 200 شاحنة امريكية لضغط القمامة، بموجب عقد قيمته 200 مليون دولار.وبالطريقة عينها، حُدِّثَ كلُّ قطاع في الاقتصاد السعودي، من الزراعة والطاقة إلى التعليم والاتصالات.
كانت خطة عام 1974 نصب اعيننا ونحن نتفاوض مع الدول الغنية بالنفط. وستعمل الجنة المشتركة ساما/جيكور على ضبط اسعار النفط في هذه المنطقة مثلما حدث في ايران على يد كيرمِت روزفِلت وتلك الطريقة المبتكرة في التحكم في البلدان ستصبح سلاحا سياسيا اقتصاديا جديدا بيد جنود الإمبراطورية العالمية.
في اواخر 2003 نشرت مجلة U.S.News World Report دراسة بعنوان العلاقات السعودية , خرجت بما ياتي:
"ان البراهين دامغة ولا تقبل الشك على ان السعودية حليفة امريكا منذ وقت طويل واكبر منتجة للنفط في العالم قد اصبحت بؤرة تمويل الارهاب ... ذ----وقال بعض كبار ضباط الجيش ان منح السعودية الاموال بسخاء للموظفين الامريكيين جعلهم يغضون البصر عما يحدث , فعقود تبلغ قيمتها مليارات الدولارات على هيئة عطايا وهبات ورواتب ذهبت الى قطاع عريض من موظفي الولايات المتحدة السابقين الذين تعاملوا مع السعوديين , ومنهم سفراء ورؤساء المراكز الاستخباراتية التابعة ل CIA وحتى وزراء... بعد هجمات عام 2001 ظهرت ادلة جديدة على العلاقات السرية بين واشنطن والرياض ..في 2003 كشفت مجلة فانتي فير العلاقة بين عائلة بوش وال سعود وبن لادن منذ زمن غسيل الاموال عام 1974, وكتبت : ان اسرتي بوش وال سعود من اقوى الاسر الحاكمة في العالم وتربط بينهما علاقات سياسية وتجارية وشخصية حميمة ...على المستوى التجاري دعم السعوديون شركة "هاركن انرجي" وهي شركة بترول تعاني من تعثر مالي ويستثمر بوش الابن امواله فيها , ومؤخرا دعا بوش الاب ووزير خارجيته جيمس بيكر السعودية لدعم مجموعة "كارليل" للاستمثار ماليا وهي اكبر شركة خاصة تعمل في مجال صناديق الاستثمار في العالم, ويواصل اليوم الرئيس بوش مستشارا لها .
• بنما:
كانت بنما جزءاً من كولُمبيا ومنذ عام 1881 بذلَ الفرنسيون جهداً ضخماً لتنفيذ مشروع قناة بنما حتى افتتحت في 1889 , وفي بداية القرن العشرين طالبت الولايات المتحدة من كولُمبيا بأن توقع معاهدة تُسلِّمُ برزخَ بنما (الفاصل بين المحيط الاطلسي والهادئ) بموجبها إلى اتحاد مالي أمريكي شمالي. لكنها رفضت,فارسل الرئيس الامريكي ثيودور روزفلت عام 1903سفينة حربية قتل جنودٌها قائدَاً شعبيّاً وأعلنوا بنما دولة مستقلة وعُيّنت حكومةٌ وقّعت معاهدة القناة الأولى التي أُنشئت بموجبها منطقة أمريكية على طرفي الممر المائي القادم، وشرّعت التدخل العسكري الأمريكي، وأعطت واشنطن سيطرة عملية على هذه الدولة “المستقلة” الجديدة.
ان مجرى تاريخ بنما تغيّر فجأة عام 1968 حينما أطاح عمر توريجُس بآرنُلفو آرياس، آخر حاكم في زمرة المستبدين.
كان توريجُس يحظى باحترام كبير عند الطبقات الوسطى والدنيا في بنما ويعقد الاجتماعات في أحياء الفقراء ويساعد العاطلين على إيجاد وظائف لهم، وغالباً ما يتبرع بموارده المالية المحدودة للأسر المبتلاة بالأمراض أو الفواجع وجعل بلده ملجأً للهاربين من الاضطهاد،..لأول مرة في تاريخها، لم تكن بنما ألعوبة بيد واشنطن ولم يستسلم لإغراءات موسكو أو بكّين ولم يُدافعْ عن الشيوعية.
قرات مقالة في مجلة تُشيدُ بتوريجُس كرجل سوف يُغيِّرُ تاريخ الأمريكيتين، مُبطلا هيمنة الولايات المتحدة.كان الكاتب استهلّ مقالته بالاستشهاد بـ"بيان المصير"الوثيقة المعروفة في أربعينات القرن 19، التي تقول: "إن غزو أمريكا الشمالية كان وحياً إلهيّاً؛ فالله، لا البشر، أمر بإبادةِ الهنود [الحمر]، وبتدمير الغابات، والجواميس، وبتجفيف المستنقعات، وتحويل الأنهار، وبتنمية اقتصاد يعتمد على الاستغلال المستمرِّ للعمّال والموارد"! جعلتني هذه المقالةُ أفكِّرُ بموقفِ بلدي من العالم. ذلك أن "وثيقة مونرو" التي أعلنها الرئيس جيمس مونرو عام 1823، قد استُخدِمتْ للتقدم ببيان المصير خطوة إلى الأمام. ففي خمسينات وستينات القرن 19، استُخدِمتْ للتأكيد على أن للولايات المتحدة حقوقاً خاصّةً في جميع أنحاء نصف الكرة الارضية، بما في ذلك الحقُّ في غزو أية دولةٍ في أمريكا الوسطى أو الجنوبية ترفض تأييد سياساتِ الولايات المتحدة! وقد استند روزفلت إلى وثيقة مونرو لتبرير تدخل الولاياتِ المتحدةِ في جمهورية الدومِنكان، وفنزويلا، و“تحرير” بنما من كولُمبيا.
كنتُ أُرسلتُ إلى بنما لإغلاق الصفقة حول الخطة التنموية الأولى لشركة مين. وسوف تختلقُ هذه الخطةُ تبريراً للبنك الدولي، وبنك التنمية الأمريكي، ووكالة التنمية الدولية الأمريكية لاستثمار مليارات الدولارات في الطاقة، والنقل، والزراعة في هذه الدولة الصغيرة المهمة جدا. لقد كانت بالطبع ذريعةً ووسيلةً لجعل بنما مدينةً إلى الأبد، وإعادتها بالتالي إلى وضعها كدولة ألعوبة.
أنّ نجاحاتي في المملكة الصحراوية فتحت أبواباً جديدة, ففي عام 1977 بنيتُ إمبراطوريةً صغيرةً تضمُّ 20 مهنيا ومجموعةً من المستشارين في شركة مين منتشرين حولَ العالم، ولٌقِّبْتُ -إضافة إلى لقبي ككبير الاقتصاديين- بمدير الاقتصاد والتخطيط الإقليمي.
كان لنا ما أردنا : أداةٌ “تُثبتُ” علمياً أننا نُسدي خيراً إلى الدول بمساعدتها في طلب القروض التي لن تستطيع سدادها. في بنما التزمت مع عمر توريجُس ( الرئيس البنمي) بكتمان اتفاقنا السري. تأكّدتُ من أنْ تكونَ دراساتُنا صادقة ومن أنّ توصياتنا تأخذ الفقراءَ بعين الاعتبار, وبقيت شركة مين تكسب العقود من حكومة توريجُس. وقد تضمنت تقديم خطط رئيسية مبتكرة تشمل الزراعة وقطاعات البنية التحتية الأكثر تقليدياً. كذلك كنتُ أراقبُ مفاوضات توريجُس وجيمي كارتر حول معاهدة القناة وكان الناس ينتظرون ليروا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح للبنميين بالسيطرة على القناة, بيد أن معاقلَ المحافظين في واشنطن ومنابرَ اليمين الديني كانت تصرخُ شاجبة: كيف لنا أن نتخلّى عن هذا الشريط المائي الذي يربط ثروات أمريكا الجنوبية بالمصالح التجارية الأمريكية؟
عام 1975 قال عمر توريجس :“فورد (الرئيس الامريكي) رئيسٌ ضعيفٌ، ولن يُعادَ انتخابُه.” هذا هو السبب الذي جعلني أقرِّرُ الإسراعَ في قضية القناة وآن الأوانُ للبدء في معركةٍ سياسيةٍ شاملةٍ لاستردادها.”كان خطابُه موحياً لي, فكتبت مقالا في صحيفة بوسطُنْ غْلوب في 19 أيلول 1975“ليس للاستعمار مكانٌ في بنما عام 1975“، وخلصت الى القول “إنّ أفضلَ وسيلةٍ لضمان عمل القناةِ باستمرارٍ وكفاءةٍ مساعدةُ البنميين في السيطرة عليها وتحمُّل مسؤوليتها. كانت كتابةُ المقال خطوةً جريئة مني، حيث يُتَوَقَّعُ من الشركاء أنْ يمتنعوا عن نشر مقالات سياسية ناقدة, وقد استلمتُ كمّاً هائلاً من الملاحظات البذيئة
في عام 1977 جرت مفاوضاتُ جديدةُ حول القناة وقرات في مقال كتبه غْراهَم غْرين في صحيفة نيويورك رِفيو أُف بُكس, فيها إشارة الى أنّ الاستخبارات الأمريكية كانت مصممةً على تقويض رغبات الرئيس كارتر، ومستعدةً لرشوةِ القادة العسكريين البنميين لكي يُخرِّبوا مفاوضات المعاهدة, وكان توريجس مدركاً أنّ الغايةَ من لعبة المساعدات الخارجية أنْ تجعله ثرياً بينما تَغُلُّ بلاده بالدَّيْن. كنتُ واثقاً أن يستخدم المساعدة الخارجية لنفع شعبه , وسوف يُعتبرُ تهديداً قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالنظام برمته.
بلى، لقد استعادها توريجس. حيث نجح عام 1977 في تفاوضه حول معاهدةٍ جديدة مع الرئيس كارتر انتقلت بموجبها القناةُ إلى السيادة البنمية. وكان على البيت الأبيض أنْ يُقنع الكونغرس بالتصديق عليها، مما أثار معركة طويلةً شاقّة.
حكمت بعض العائلات الثرية ذات العلاقة القوية بواشنطن هذا البلد لاكثر من 50 عاما , وقد تجرأ رئيسها "عمر توريجس " على رفض الهيمنة الامريكية والسير على درب رئيس الاكوادور "رولدوس" الذي اراد فرض سيادة بلاده على مصادر النفط ثم اغتيل في حادث طائرة مدبر في 24/5/1981 .
وفي 1989 جاء غزو بنما بحجة القبض على "نوريغا" بتهمة تجارة المخدرات والذي تراس بنما بعد توريخوس , وقامت امريكا بحرق احياء من عاصمتها وقتلت الالاف من الاطفال والمدنيين الابرياء وشردوا سكانها , واستندت في غزوها على مبدا الرئيس "مونرو" الذي صدر عام 1823 والذي يؤكد على حقوقها الخاصة في الامريكيتين والتي يحق لها غزو اي بلد فيهما يعارض سياساتها! وفي النصف الثاني من القرن 20 استغلت امريكا التهديد الشيوعي وجعلته ذريعة لتطبيق هذا المبدأ على بقية دول العالم مثل فيتنام و...
تشويه المشاريع المناهضة للهيمنة
عندما تصطدمُ الولايات المتحدة بأي مشروع وطني يقاوم هيمنتها، يأتي دور المخابرات الأَمريكية "CIA " (الثعالب) لتشويه ذلك المشروع بتمويل جهات إعلامية ومنظمات تعملُ بغطاءات متعددة كي لا تبدوَ هي في الصورة وعندما تفشلُ تقومُ باغتيالُ الشخصيات التي تقودُ الوعي الشعبي ضد الهيمنة الأَمريكية,
وحسَبِ كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأُمَـم” قاد “عمر توريجس” في عام 1968 ثورةً في بلاده ضد النظام الحاكم التابع للولايات المتحدة التي استولت على “قناة بنما” وعائداتها وبنت عليها مدينةً للأَمريكيين وكانت عائدات القناة التجارية تكفي ليعيش شعب بنما في رخاء غير أنهم كانوا يعيشون في فقر مدقع.
ويؤكد بيركنز أن توريجس لم يكن له أي ارتباط بالاتحاد السوفيتي ولم يكن يعتنق أفكار “الشيوعية”، وكل ما أراده هو أن يستفيد شعبه من خيرات بلادهم التي تستولي عليها الولايات المتحدة، لكن المخابرات والإعلام لعبت دوراً في وصفه بالشيوعية, ولم يكن فاسداً والمعتاد هو ان من يحتلون المناصب العليا فاسدون بشكل أو بآخر فحين يأتي شخصٌ ما وَيهدم هذه القاعدة فإنه يمثل تهديداً للنظام في الدول الأخرى، ونموذجاً لكيفية رفض الهيمنة الأَمريكية يمكن أن يحتذي به آخرون، وبالتالي تم تفجيرُ طائرته واغتياله عام 1981م.
• كولومبيا:
وصف الرئيس الامريكي روزفلت كولُومبيا بأنها “حجر الزاوية في قوس جنوب أمريكا.” انها تتربَّعُ في أعلى القارة وتوصلُ جميع البلاد الجنوبية ببرزخ بنما،ولقرنين من الزمن تنظر اليها باعتبارها بوابة التجارة والسياسة معاً إلى نصف الكرة الجنوبي, وقامت بدور حاسمٍ في تاريخ أمريكا اللاتينية وثقافتها, وفيها وقعت الأعمالُ الحاسمةُ لحروب التحرير.
وفي العصر الحديث، أصبحت كولومبيا نموذجا للرئيس كندي في برامجه لبناء الأمة في جميع أرجاء أمريكا اللاتينية. وعلى عكس غواتيمالا كانت حكومتُها منتخبة، وهو ما مثّل بديلاً للمستبدين اليمينيين وللشيوعيين. وبالرغم من شائنة عصابات المخدِّرات لديها، استمرت صورة كولُمبيا كحليفٍ يُعتمَدُ عليه, وكانت واشنطن ومركزُ وول ستريت الماليُّ ينظران إلى كولُمبيا كعامل جوهريٍّ في تعزيز المصالح السياسية والتجارية في عموم أمريكا.
يقول الكاتب: كانت إحدى أهمّ الخدمات التي بعناها لكولُمبيا خلال نهايات القرن العشرين خبراتنا الهندسية والإنشائية. وقد كانت كولُمبيا نموذجاً لأماكنَ كثيرةٍ عملتُ فيها. فقد كان سهلا نسبياً أن يُبرهن المرءُ أن باستطاعة هذا البلد أن يتحمّل مقاديرَ كبيرةً من الدين ثم يُسددها من المنافع المتحققة من المشاريع نفسها ومن موارد البلد الطبيعية. غير أنّ الحقيقةَ المتماشيةَ مع نيَّتنا الحقيقية حول العالم كانت إخضاعَها في سبيل تعزيز الإمبراطورية العالمية. وكما هو الحالُ في أماكن عديدة، كانت وظيفتي أنْ أُقدِّمَ الحجة لقروض ضخمة جدا. وإذ لم تنتفعْ كولُمبيا بوجود واحد مثل توريجس، فقد شعرتُ أنّ عليّ أنْ أضع تنبؤاتٍ مبالغاً بها في الاقتصاد والأحمال الكهربائية.
خلال سبعينات القرن العشرين، مُنحتْ شركة مين عددا من العقود لتطوير عدة مشاريع بنى تحتية، تتضمّنُ شبكةً للمرافق الكهرومائية وأنظمةَ توزيع لنقل الكهرباء من أعماق الأدغال إلى المدن في أعالي الجبال.
وفي كولومبيا سيطرت الشركات الأَمريكية على ثروات البلاد وبنت مدناً حديثة لموظفي تلك الشركات والقيادات العسكرية والقبلية الكولومبية التي حصلت على الأموال لحماية الشركات الأَمريكية ومصالحها في مواجهة أي تحَـرّك شعبي، في وقت كان الكولومبيون فقراء، ومخلفات الشركات الأَمريكية تقضي على سبل الحياة وهي الزراعة.
وقد شارك “بيركنز” في إخضاع الحكومة الكولومبية لأَمريكا وإثقالها بالديون- كما يروي هو بنفسه- مشيراً إلى أن الكولومبيين لم يتحَـرّكوا ضد الشركات الأَمريكية رغم أنّها كانت تنهب ثرواتهم، لكن أذى تلك الشركات ومخلّفاتها الكيمائية قضت على الأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية ليجدَ الكولومبيون أنفسهم أمام خطر تسبَّب بموت الآلاف منهم وظهور المجاعات.
ويضيف: ان سكانَ وقبائل المناطق التي تواجدت بها الشركات الأَمريكية في كولومبيا “حاولوا إيقافَ المشروعات الأَمريكية في أراضيهم. هم يعلمون بفساد الحكومة وَبأن المشروعات التي تقام هي مشروعات لخدمة رجال الأعمال لتزيدَهم ثراءً على حساب الفقراء الذين سيتعرضون لضياع بيوتهم وَأراضيهم التي ستقام عليها المشروعات التي تنفذها الشركات الأَمريكية”، مضيفاً أنهم بدأوا بادخار الأموال وتوفيرها بعدة طرق لشراء السلاح لمواجَهة الشركات الأَمريكية، وبالفعل بدأوا هجماتُهم على تلك الشركات، وهنا تدخل الجيش الكولومبي الذي تدين قياداته بالولاء لأَمريكا، وقامت بشن حرب على السكان، ولعب الإعلام الأَمريكي دوراً كبيراً في تصويرهم بأنهم “إرهابيون” رغم أنهم تحَـرّكوا لإنقاذ حياتهم من الموت الذي تصدّره لهم الشركات الأَمريكية وكان ذلك في سبعينيات القرن الماضي.
• الإكوادور:
كانت زيارتي الأولى للاكوادورعام 1968، وكانت شركة "تكساكو" قد اكتشفت النفط لتوِّها في منطقة الأمازون واليوم يُشكِّلُ النفطُ نصفَ صادرات البلاد تقريبا. وقد تسرَّبَ أكثرُ من نصف مليون برميل من النفط في الغابة المطرية الهشة من خط الأنابيب, واليوم هناك خط أنابيب نفطي تبلغ قيمته 1.3 مليار دولار، ويبلغ طوله483 كم تقريبا، ويقوم ببنائه تجمع هندسي نظمه أحد القتلة الاقتصاديين، من شأنه أن يجعل الإكوادور إحدى أكبر عشر دول تزوّد الولايات المتحدة بالنفط. والنتيجة أنّ مساحاتٍ شاسعةً من الغابات قد قضي عليها، وأنّ أنهارا أصيلة النقاء تحوّلت إلى بالوعات ملتهبة.
في هذه الفترة بدأت الثقافاتُ المحليةُ تدافع عن نفسها. من ذلك أن مجموعة من المحامين الأمريكيين تمثل أكثر من ثلاثين ألفا من أهل الإكوادور المحليين أقامت دعوىً قضائيةً بقيمة مليار دولار أمريكي ضد ائتلاف "شيفرُن-تكساكو" وتستند الدعوى على أن هذا المارد النفطي، في ما بين عامي 1971 و1992، كان يُلقي يوميا في الآبار المفتوحة والأنهار حوالي 15 مليون لتر من المياه السامة الملوّثة بالنفط، والمعادن الثقيلة، والمسرطنات، وأن الشركة تركت خلفها حوالي 350 حفرة عادمة غير مغلقة لا تزال تقتل البشر والحيوان.
ومنذ عام 1970، في الفترة المعروفة بالازدهار النفطي، ارتفع معدل الفقر، حسب الحساب الرسمي، من 50 - 70 %، وارتفعت نسبة البطالة من 15% الى 70 % وازداد الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، بينما انخفضت حصة المشاركة في المصادر الطبيعية المخصصة للفقراء من 20% الى 6 %.
ولم تكن الإكوادور استثناءً للقاعدة, فكلُّ بلدٍ جلبناه، نحن القتلةَ الاقتصاديين، إلى مظلة الإمبراطورية العالمية أصابه القدرُ ذاتُه. ذلك أنّ دينَ العالم الثالث ازداد إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار؛ وقد بلغت كلفة خدمة هذا الدين – وهو أكثر من 375 مليار دولار في السنة اعتباراً من عام 2004 – أكثرَ مما يُنفقه العالمُ الثالثُ كلُّه على الصحة والتعليم! وهو يساوي 20 ضعفَا لما تتلقاه الدول النامية من مساعدات خارجية. كذلك يعيش أكثر من نصف سكان العالم على أقلَّ من دولارين اثنين في اليوم، وهو في حدود المبلغ ذاته الذي كانوا يكسبونه في أوائل سبعينات القرن العشرين. في الوقت نفسه، تحتكر الأسر الغنية التي تشكل 1% من العالم الثالث 70 - 90 % من الثروة والعقارات الخاصة في بلدانها.
بسبب مشاريع القتلة الاقتصاديين، باتت الإكوادور غارقة في الدين الخارجيّ، وعليها أن تُكرِّس جزءاً ضخماً من موازنتها لسداده، بدل استخدام رأس مالها لمساعدة الملايين من مواطنيها المصنفين رسميا بالفقر المدقع. ولا تملك الإكوادور من سبيل لذلك إلا بيع غاباتها المطيرة لشركات النفط. والحقيقة أن السبب وراء اهتمام القتلة الاقتصاديين بالإكوادور يكمن بالدرجة الأولى في الاعتقاد بأن بحر النفط الذي تعوم عليه منطقة الأمازون التابعة لها ينافس حقول النفط في الشرق الأوسط.
تُعتبر الإكوادور مثالا نموذجياً لبلدان العالم التي جرَّها القتلةُ الاقتصاديون إلى الحظيرة الاقتصادية-السياسية. ذلك أن شركات النفط تمكُسُ 75 دولارا من كل 100 دولار من النفط الخام المستخرَج من غاباتها المطيرة. أما 25 دولارا المتبقية، فيذهب ثلاثة أرباعها لسداد الدين الخارجي، ومعظم الباقي للمصروفات العسكرية والحكومية الأخرى – ويبقى حوالي دولارين ونصف فقط للرعاية الصحية والتعليم وبرامج مساعدة الفقراء! أولئك الذين دمّرت حياتَهم السدودُ والحفرياتُ وأنابيبُ النفط، والذين يموتون لفقدانهم الطعام والماء الصالحين للاستهلاك.
اخذ "جيم رُلْدُس" وعود حملته الانتخابية على محمل الجد، وأخذ يشنُّ هجوماً واسعا على شركات النفط. وكان يرى بوضوح ما لم يكن يراه الكثيرون غيره على جانبي قناة بنما، أو كانوا يتجاهلونه. كان يُدرك التياراتِ التحتيةَ التي تُهدد بتحويل العالم إلى إمبراطورية عالمية وبالحطِّ من مواطني بلده إلى دور تافهٍ على شفا العبودية. وحين كنتُ أقرأ مقالاتِ الجرائد عنه، كنتُ أُعجبُ بالتزامه وقدرته على إدراك القضايا الأعمق.
في تشرين الثاني 1980، خسر كارتر انتخابات الرئاسة الأمريكية لرونَلد ريغَن. لعوامل منها معاهدةَ قناة بنما، والرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية في ايران والمحاولة الفاشلة في إنقاذهم، لقد كانت نظرتُه إلى العالم غير متوافقة مع القتلة الاقتصاديين, ليحلَّ محِلّه (ريغن) رجلٌ مؤمنٌ بأنّ مكانَ الولايات المتحدة الصحيحَ هو قمةُ هرم العالم محمياً بالعضلات العسكرية، وأن السيطرة على حقول النفط أينما وُجدتْ إنما هو جزء من “بيان المصير”. كان ريغَن بانياً للإمبراطورية العالمية وخادما لسلطة الشركات. يخدم الذين يتنقلون من مناصب المديرين العامين في الشركات، إلى مجالس إدارات البنوك، فإلى المناصب الحكومية العليا. إنه يخدم الرجال الذين يبدون كأنهم يخدمونه، لكنهم هم من يُسيِّرون شؤون الحكومة – من هؤلاء نائبُ الرئيس جورج بوش الاب, ووزير الخارجية جورج شُولْتْز، ووزير الدفاع كاسبر واينبيرغر، ورِتشَرد تشيني، ورِتشَرد هِلْمز، وروبرت مكنَمارا. إنه يدافعُ عما يريده هؤلاء الرجال: سيطرة أمريكا على العالم وموارده، وطاعة العالم لأوامرها، ونظاماً تجاريا ومصرفيا دولياً يدعم أمريكا رئيسة عليا للإمبراطورية العالمية.
يعترفُ “بيركنز” أنه وزملاؤه توصلوا الى دفع الإكوادور إلى الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حدَّ الفقر من 50% إلى 70% من السكان، وازدادت نسبةُ البطالة من 15% إلى 70%، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصّص الإكوادور اليوم قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون, ولم يكن أمامها لشراء ديونها سوى بيع غاباتها لشركات البترول الأَمريكية, ويقول بيركنز ان هذا الهدف كان السبب الرئيسي في التركيز على الاكوادور واغراقها في الديون نظرا لكون مخزون غابات الامازون من النفط يحتوي على احتياطي يعتقد انه منافس للشرق الاوسط .
في وقتٍ مبكر من عام 1981، عرضتْ إدارةُ رُلْدُس رسميا قانون الهايدروكربون الجديد على البرلمان الإكوادوري، قانونٌ من شأنه أنْ يُصلح علاقة البلاد بشركات النفط. كان يهدف إلى تغيير الطريقة التي تدار بها الأعمال. وسوف يمتد تأثيره خارج حدود الإكوادور في أمريكا اللاتينية .
أخذ العاملون في شركاتُ النفط يعملون على تسويد صفحة جيم رُلْدُس، وهرول جماعة الضغط فيها إلى كويتو وواشنطن، يحملون حقائب مليئة بالتهديدات والرشاوى. لقد أرادوا تصوير أول رئيس إكوادوريٍّ منتخبٍ ديمقراطيا في العصر الحديث على أنه كاسترو آخر. لكنّ رُلْدُس لم يذعن للتخويف. رد بشجب المؤامرة بين النفط والسياسة والدين. وحذّر جميع المصالح الأجنبية، ومنها شركاتُ النفط، بأنها ما لم تُطبقْ خططا لمساعدة الشعب الإكوادوري، فسوف تُجبَرُ على مغادرة البلاد.
واخيرا دبرت الـ CIA عملية اغتيال له بتحطم طائرته عام1981. وتولى الرئاسة "أوزفَلدو هُرتادو" الذي ابتدأ برنامجاً طموحاً لزيادة الحفريات النفطية التي تقوم بها تكسَكو والشركاتُ الأجنبية الأخرى في خليج غْواياكِل وحوض الأمازون.
• غواتيمالا
انشئت شركة الفواكه المتحدة الامريكية (يونايتد فروت)في اواخر القرن 19 ونمت لتصبح من القوى المسيطرة على امريكا الوسطى بما لها من مزارع كبرى, وفي الخمسينات من القرن 20 انتخب "اربنز" رئيسا لغواتيمالا بانتخابات حرة وديمقراطية, واعلن عن برنامج للاصلاح الزراعي يهدد مصالح الشركة ويخلق سابقة خطيرة لها في المنطقة , فقامت الشركة بحملة دعائية واسعة داخل الولايات المتحدة تركز على ان اربنز يعمل في اطار مؤامرة سوفيتية على امريكا,
وهكذا قامت الـCIA في1954 بتدبير انقلاب على النظام وضرب الطيارون الامريكيون العاصمة واستبدل اربنز بديكتاتوريميني متطرف هو "كارلوس ارماس" الذي الغى الاصلاح الزراعي والضرائب على الاستثمار الاجنبي ونظام الاقتراع السري في الانتخابات واودع الالاف من المواطنين في السجون .
• فنزويلا:
كانت مثالا للدولة التي نهضت من الفقر الى الثراء نتيجة اكتشاف النفط عام 1922, كانت نموذجا للاضطرابات التي تحركها ثروة النفط, ومثالا لبلد استغلتها الكوربوقراطية بصفاقة . اصبحت صورة لمكان يجتمع فيه قراصنة الاقتصاد ..في 1988 انتخب الفقراء "هوغوشافيز" رئيسا , وسرعان ما ندد بسياسة الولايات المتحدة وفرض قانونا جديدا للتنقيب عن النفط شبيها بقانون رولدوس في الاكوادور حيث ضاعف النسبة المطلوبة من شركات النفط الاجنبية , واحكم القبض على شركة النفط الحكومية .
كانت فنزويلا عام 2002رابع اكبر دولة مصدرة للنفط فالعالم , وفي المرتبة الثالثة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في استيراد النفط , وتبلغ مبيعات الشركة 50 مليار دولار سنويا (80% من عائدات التصدير) ..في عام 1973 تضاعفت ميزانية فنزويلا اربعة امثال ما كانت عليه, وانطلق قراصنة الاقتصاد للعمل فيها. غمرت البنوك الدولية البلد بقروض بغرض تحسين البنية التحتية والمشاريع الصناعية, ثم وصل في الثمانينات عرابو الكوربوقراطية والقرصنة الاقتصادية . اتسعت رقعة الطبقة المتوسطة وفتحت سوقا كبيرة لانواع من المنتجات , ومع ذلك بقيت شريحة كبيرة من الفقراء تنتظر الحصول على فرص للعمل..ثم انهارت اسعار النفط ولم تستطع فنزويلا الوفاء بديونها , ففرض صندوق النقد الدولي عام 1989 شروطا صارمة وضغط على كاراكاس للانصياع للكوربوقراطية ..كان رد فعل الفنزوليين عنيفا وتبدد سراب النفط كطوق نجاة ومورد لا ينفد , وبين 1978و2003 هبط الناتج القومي بنسبة 40% ومع زيادة الفقر تصاعد السخط والاستياء ونتج عن ذلك استقطاب مالي وانكماش الطبقة الوسطى, وسرعان ما تغيرت اوضاع السكان فنتج عن الانهيار الاقتصادي خسائر فادحة للطبقة المتوسطة وانحدر الكثير منها الى مصاف الفقراء.
الاوضاع الجديدة مهدت الطريق لشافيز للصراع مع واشنطن فبادر بتحدي ادارة بوش ..وقد غيرت احداث 11 سبتمبر اولويات واشنطن , فقد ركز بوش ومستشاروه على حشد المجتمع الدولي لدعم الجهود الامريكية في افغانستان والعراق, وكان اقتصاد الولايات المتحدة في منتصف طريقه نحو الركود , واحيلت فنزويلا لتصبح بديلا احتياطيا للعراق وافغانستان ..بدت هذه الدول الثلاثة مجسدة للتناقضات الكبرى في احداث العالم , فكل منها كابد اضطربات سياسية دامية وحدد مصيرها, حكام تركوا خلفهم قضايا عالقة دون حل ( سواء في حكم طالبان الوحشي الاستبدادي, او قيادة صدام المختل عقليا للعراق, او عدم كفاية شافيز اقتصاديا ) ومع ذلك لم تتخذ الكوربوقراطية اية اجراءات لحل تلك المشكلات المعقدة في هذه الدول, كان البديل هو استهداف هؤلاء القادة عقابا لوقوفهم في وجه سياستنا النفطية الطامعة.
استحضرت ادارة بوش النموذج الذي اتبعه كيرميت روزفلت مع ايران , تقول نيويورك تايمز : "امتلات الشوارع بمئات الالاف من افراد الشعب الفنزولي ليعلنوا عن التزامهم بالاضراب العام لارغام الرئيس شافيز على ترك السلطة..استعان شافيز بالعمال غير المشاركين في الاضراب لاعادة تشغيل شركة النفط الحكومية, اما خصومه الذين يتزعمهم رجال الاعمال وقادة العمال فيزعمون ان بوسعهم اجبار شركة النفط ومن ثم الرئيس شافيز على السقوط" هذا ما حدث بالضبط حين خلع رجال الـ CIA مصدق واحلوا الشاه مكانه. ان التاريخ يكاد يعيد احداثه التي مر عليها 50 عاما, وكأن شيئا لم يتغير , فما يزال النفط هو القوة للاحداث..ادركتُ ان ادارة بوش كانت تعمل كل ما بوسعها لتطيح بشافيز, فتوفقت ولكن في تحول مثير تمكن شافيز من العودة الى السلطة وتمكن من الاحتفاظ بالجيش, ووقفت شركة النفط الى جانبه, وتحدت الاف العمال الذين اضربوا عن العمل.كان واضحا ان قراصنة الاقتصاد لم يفشلوا وحدهم بل فشل معهم الثعالب (CIA) ايضا, وتحولت فنزولا عام 2003 الى شكل مختلف عما حدث في ايران عام 1953.
--------------------------
[1] مراجعة: د. زيد الجابري \ نقلا عن القدس العربي.
[2] https://www.youtube.com/watch?v=mDRuoc6MSZA.
[3] هى منظومة الشركات الكبرى والحكومات واجهزة المخابرات والامن الدولى مجتمعة لضمان مصالحها الاقصادية اولا ومصالح الغرب الاقتصادية والسياسية ثانيا وعلى رأسها أمريكا، وهى تمارس كل وسيلة ممكنة فى كل الحالات التى تحدث عنها لضمان تبعية تلك الدول اقتصاديا لها.