الأستاذ الأديب حسام الدين مصطفى
رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
ميناء الأديبة المبدعة بنت الشهباء...
ملكة الخاطرة ... قراءة في أعمال بنت الشهباء
من النادر أن لا تلمح اسم ابنة الشهباء عند استعراضك للمنتديات المختلفة، لكن معظم مشاركاتها التي تجاوزت سبعمائة مشاركة تتركز في منتدى كتابات إبداعية، وحين تدخل إلى طرقات هذا المنتدى تجد أن معظم اللافتات على جدرانه تحمل اسمها وإن تعددت وتباينت الأماكن مابين ما بين واحة الشعر، وحديقة الخاطرة، وقصر فن المراسلات وغيرها.... فأول ما يشد انتباهك هو هذا الحضور الواضح لها... وهذا ما يجعلك في عجب من أمر ذلك السيل المتدفق من المشاركات.
وحين تبدأ في تتبع مشاركات ابنة الشهباء تجد نفسك تلهث وتتقاذفك المنتديات في دليل آخر على تنوع النتاج الأدبي عندها ... حتى أنك تجد أن بعض مشاركاتها واردة ضمن تبويب "نصوص غير مصنفة"، وهذا ما يدفعنا بفضول إلى التساؤل حول تكوين هذه المشاركات و ما تحمله من أفكار و ما تعكسه من سمات صاحبتها ... بل وتجعل تحليل هذه المشاركات ضرورة فرضت نفسها..
إن أول مشاركة مسجلة لابنة الشهباء في المنتديات الحالية هي " بالأمس كانت هنا واليوم" ثم تلاها مائة مشاركة أدبية في منتدى الابداع وغيره.. إنك حين تقرأ هذه المشاركات تستطيع من خلالها التعرف على شخصية ابنة الشهباء و يمكنك أن ترسم صورة إجمالية للمحتوى التأثيري عندها... فأول السمات عند ابنة الشهباء هي التأثر بالأدب الإسلامي وصياغته، وهي صفة سائدة طاغية على معظم مشاركاتها إن لم يكن كلها فقلما أن تجد نصاً لا يحتوي على نص قرآني أو حديث شريف أو قول لصحابي...
وهذه أبرز سمة من سمات أدب ابنة الشهباء وهذا ما يعطينا لمحة عن البيئة والخلفية الثقافية لها... و تنجح ابنة الشهباء في إظهار هذه السمة العفوية عندها... إلا أن توظيفها للصيغة الخطابية التقليدية قد لا يصيبه التوفيق في بعض الأحيان ... فيبدأ النص في اتخاذ مجرى آخر ....
عندما تبدأ في مطالعة نصوص ابنة الشهباء تشعر بانجذاب شديد وكأن الكلمات الافتتاحية مغناطيس يجذبك فحسن استهلال النص على اختلاف وسائله لديها سمة أخرى من سمات كتاباتها، وأدواتها في ذلك استخدام الكلمة ذات الدلالة القوية أو الغامضة أو الصادمة في بعض الأحيان .... ثم السطور الأولى التي تجعلك تطرح دوماً سؤال .. وماذا بعد؟!!
والمشكلة في نصوص بنت الشهباء أنها تأخذك في درب شعوري معين، وتجعل خيالك يسرح حالماً ... إلا أنها ودون سابق إنذار تأخذك إلى ناحية أخرى...
فالفكرة في نص ابنة الشهباء " شهابية" بريقها الأول لامع خلاب يأخذ ناظريك، فتتبعه وتظل معه رويداً رويداً حتى يتلاشى أو يلحقه شهاب فكري آخر قبل أن ترفع عينيك من متابعة الشهاب الأول... وهذا ظاهر واضح في مشاركاتها الأولى التي لا تظهر فيها الوحدة الفكرية أو الشعورية بتركيز، وربما يرجع ذلك إلى الطبيعة العفوية في معظم الكتابات وهي أمر محمود لكن مغبته كبيرة عند إخضاع النص لميزان القياس الأدبي الحرفي.
لكن الأعمال الأخيرة التي قدمتها ابنة الشهباء استطاعت من خلالها أن تقوّم هذه النقطة... فنجدها تركت العنان لقلمها فأتى بدرر إبداع حق ... تمثل في سلاسة أسلوبها ووحدة فكرها ونصها والشحنة الشعورية داخل النص فصرنا نشعر بصياغة جديدة
هناك تحول ملموس في المشاركات الجديدة لابنة الشهباء تشعر معه وكأنك أمام مبدعة طبعٍ وليست كاتبةُ صنعة... لكن ذلك لا يعني أن ابنة الشهباء قد غيرت مداد كلماتها أو لونها وإنما يمكن القول أنها تحررت من القيد الخطابي في صياغتها محتفظة بنفس الرداء الوقور لكتاباتها.
إننا وإن كنا تطرقنا في غير استفاضة إلى عنصر الوحدة في بنية أدب بنت الشهباء وأشرنا إلى بعض ما يعتريها ... إلا أن الوحدة اللفظية عندها لا تشوبها شائبة فليس من بين كلماتها ما هو غريب أو مستهجن وإنما ألفاظ قوية فصيحة... أما بعض المشاركات التي قد يشوبها أخطاء نحوية أو ما شابه فهو أمر وارد وعرضي وليس أصيلاً مزمناً وربما سببه العرض المباشر الفوري للنصوص ... وهذا يعرض لنا نقطة مضيئة في كتابات ابنة الشهباء وهي " العفوية المرسلة" فهناك من كتابات ابنة الشهباء ما تلمس فيها عفويتها الصادقة محطمة بها القيود الشكلية للبناء النصي.
إن ابنة الشهباء استطاعت أن تحتل ربوة الخاطرة وتعتلي ذروتها من خلال كتاباتها فخواطرها تقف كأنها شخص يحدثك عنها وعن ذاتها و يعكس لك طبيعتها التي تخفيها الكلمات.
إن الكلمة هي أداة الأديب يسعى من خلالها إلى إبراز ذاته وصفاته وفكره ... وقد نجحت إبنة الشهباء في استغلال الأداة الكلامية وجعلت منها مرآة فكرها ... ولكنها كانت كثيراً ما تنتهج نهج معظم أخواتها الأديبات وتحاول أن تسدل ستائر كثيفة على ملامح الذات النسوية عندها متأثرة بعوامل الثقافة والتربية ... لكن الكلمات لم تفلح كثيراً في إخفاء سمات شخصيتها وتميزها كأديبة متميزة في المحفل النسوي .