الوقد العاطفي عنوانه , وجمال الروح والفضيلة والخُلق صفته , وجذوة الكلمة شُعلْة لهيب تتوقد في سطر بيت خطابة شعره ,
و قريحة نثر أدبه ...
في الصف الثالث الإعدادي نشر دراسة نقدية لديوان الشاعر سليمان العيسى في جريدة الشباب الحلبية ..
وقد أخذت شهرته يوما بعد يوم تزيد , لمَ كان في أبيات شعره تميّزا , وتألقا وحُسنا وجمالا ..
تعّلم فن العروض , وعرف وزن الرجز , وكان في هذه الفترة شعره ينحو نحواًغزليا وقد نشر في عام 1953م قصيدة بعنوان حطام ومن أبياتها :
ضمخّتُ قلبي بالشذى , وفرشت دربي بالمروجْ
وحملتُ منديل المنى وحدي على الدرب البهيج
كيما أناولَ زهرتي رمزاً لأشــــواقٍ تموج
في خافقي . بصبابتي بيض! ويا طهـر الثلوج
في عام 1954 م بتاريخ الحادي والثلاثين من كانون الثاني نشرت جريدة الجمهور العربي قصيدته العمودية بعنوان ( شعر )
يا بسمة الفجر من إشراق دنيانا
يا نغمة الشعر بين الورد سكرانا
قد داعب الحب من قيثارنا وترا فرتل اللحن , لحن الطهر نشوانا
وغرّد البلبل الصداح منتشياً
فوق الغصون وطاب الهمس ألحانا
حسنا هيّا أقبلي نروي جوانحنا
من خمرة الشوق فالأرواح تهوانا
ورتلّي اللحن , لحنا طال مرقده
بعد الفراق , ولحنا فيه ذكرانا
يحاول الشاعر أن يستعطف حبيبته , وهو يدعو أن تحيا معه هذا الصفاء الروحي , والجمال البريء, والحب الطاهر ...ولكن لم تسمعه وتأبه له !!!!!؟؟؟؟...
وتحت عنوان ( الشاعر الإنسان ) كتب عنه الأستاذ محمد أحمد الطحان وهو يقارن بين قصيدته( طفولة قلب ) وقصيدة الشاعر نزار قباني
( طفولة ********* ) فيقول :
(.. وعندما نقارن بين مقطوعة طفولة قلب , وقصيدة طفولة ********* لنزار قباني , فإننا نجور على الأولى , تلك المقطوعة الإيمانية , ذات الفكرة الإنسانية السامية , التي أراد أن يعبر الشاعر فيها عمّا يجيش في نفسه من حبّ للرحيل ... للتوبة .. من عالم .. إلى عالم . نجور عليها لأنّ الفكرة الإنسانية فيها هي الأساس , وهي الغاية . أما قصيدة نزار , فضرب من التحلل اللا أخلاقي والتمرد على الفضائل , يمثل بها الشاعر أحد الدعاة إلى الهبوط , وفي أهم فرع من فروع الأدب العربي ..ز ويتابع الأستاذ الطحان فيقول :
فإذا ما رأينا الشاعر الأول يتحدث عن فكرة إنسانية , وأن الأخير يتحدث عن فكرة لا إنسانية , حكمنا مباشرة أن الأول شاعر إنسان , وأن الآخر شاعر لا إنسان .وكلمة ( لا إنسان ) ذات مدلولات كثيرة , يعرفها أصحاب اللغة .. ويجوز هذا الحكم في كل أسلوب أدبي , سواء كان نثرا أو خطابة أو مقالة أو توقيعات .. ذلك لأن الأدب عامة , وكما كررت مرارا , وسيلة لهدف إنساني , وليس غاية يحد ذاته .. )
لكن فطرته التي فطره الله عليها لم تكن إلا أن تعود إلى أصالتها من جديد , فيهجر الماضي هجرا لا عودة له , ويبدأ مع حياته صفحة جديدة, وبدأ يشعر أن من واجبه أن يكون ملتزما في دينه , وصادقا في دعوته ويكون شعار لسان قلم شعره في حزيران عام 1954م قول الله تعالى :
{وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ*وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}[ الشعراء 224-225-226-227 ]
وإذ به يهب نفسه للدفاع عن دينه وقيمه وأخلاقه , وهو يأمل أن يتبعَ سيرة سلفه حسان بن ثابت – رضي الله عنه – وكعب بن مالك ..
في حينها الصحف كانت تفتح له صفحاتها بكل حبّ ووفاء لشعره الذي كان عنوانه : رب اجعل لي لسان صدق في الآخرين ...
أراد شاعرنا أن يجعل لشعره منهجاً بعيداً عن الأهواء , والانفعالات التي لا يربطها ضابط , ولا مبدأ ولا قيم , وهو يأمل أن يخلق من شعره مشاعر نبيلةً ومنهجا ثابتاً , وهو ينافح عن عقيدته ليصل إلى نصرة الحق المبين ..
فسلك سبل الصادقين المخلصين الصالحين , وامتثل لأوامر دينه , ومبدأ عقيدته , وأصبح قلمه نزيها من أهواء انفعالات ونزوات القلب , وسلوكيات مراهقة الشباب والطيش .....
وفي مقابلة أجراها الشاعر عبد الله عيسى السلامة مع شاعرنا المبدع في سؤال حول مهمة الشعر , فرد عليه قائلا :
(مهمة الشعر عندي أن يكون تعبيرا صادقا عن نفس قائله , شريطة أن تتعلق اهتمامات النفس بمعالي الأمور دون سفاسفها وترّهاتها .. ويسلك التعبير مبينا عن ذلك , مسالك شتى , سلبا وإيجابا , هدما أم بناء ... وليست مهمة الشعر – تصويرا وتعبيرا – أن ينافس الواعظين في توجيههم النبيل , لأن الواعظ يناسبه التفصيل والتبسيط , أما الشعر فهو لغة الإيماء والإيحاء والتلميح ...)
كان يأمل دائما أن يبذل كل ما في طاقته الفكريه , وتوثب اندفاعاتها باتجاه الأكمل والأسمى في رسم أبيات قصيدته ..
ففي ثنايا شعره نجد عناصر الإبداع , ولهيب الثورة , وهو يلهث للدفاع عن أمّة الإسلام أمّة الحقّ ....
لم يبتعد ويتخاذل عن مجريات الأحداث , ولم يصب قلبه الرعشة والخوف من الطغيان , ولم ترجف يده من تصرفات لعبة الحكام .. فجاء شعره نفثة مقهورة , وتعبئة شاملة لتأخذ بلبّ العقل والفكر معا !!..
لم يكن يريد من الدنيا مباهجها وزخارفها ومتاعها , بل كان لديه رغبة في إذكاء روح الوعي , وتنوير العقول , وبذل التضحيات في سبيل رفع الظلم , ومحاربة الظلم والطغيان .. عاش حياته في حلب عيشة الفقراء المستعلين – ولا زال – لا يحزن على المادة السوداء , ولا حياة الرفاه والبذخ ..وقد نفذ الزهد إلى سويداء قلب روحه ..
فكان بحقّ رجل دعوة , وحياته كانت مليئة بالجدّ والدراسة ,
و يقضي وقته بين الذهاب إلى المكتبة الوطنية , والاستماع إلى المحاضرات الفكرية والأدبية, وهو مكبّا على التحصيل العلمي والأدبي , بالإضافة إلى أنه كان يقود المظاهرات الطلابية محمولاً على الأكتاف, ويهزّ بمشاعره الهائجة الثورية , وبأهازيج شعره , وخطب نثره قلب الشباب المسلم ..
امتزج شعره باللون الاجتماعي , والسياسي معاً ضمن إطار التزامه بالإسلام, وصدق دعوته وذلك من عام 1954- 1957 التي كانت تعيش فيها سوريا تعدّد الأحزاب , وحرية الصحافة والخطابة والتظاهر ..
ونجده يستلهم الهدى والرشد , وطريق الحق والصواب من خالقه , فهو حسبه وكافيه , و الطريق والسبيل لدحر الظلم والطغاة هو قوله :
بجهادنا ... بالحق ... بالإيمان يسري في الدم
بالروح تزخر بالسنا , وهدي النبي الأعظم
سيزول ليل الظالمين , وليل بغي مجرم ..
وفي ( قصيدته الفجر) يعلم بحقّ أننا قوم أعزنا الله بالإسلام , وإن ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله :
والآخرون الهائمون الحالمون بأن يكون الفجر ( أحمر )
والهائمون الواهمون تعلقوا بعروبة ترضى بمنكر
وتمالىء الطغيان , باللعار , مفهوم الأصالة قد تغير
ما الفاتحون , وما العروبة يا أخي لو لم تكن ( الله أكبر )
لكن الاستعمار قد أقام جذوره في الوطن المسلم , مهما يكن فلا بد للنصر أن يأتي رغم أنف الجبروت والكفر, والظلم والاستعمار...
أنا مؤمن بالحق ... بالنصر المبين لدعوتي
ليمزق الطغيان كل ممزق بالحق ..ياللقوة
ويزفها للأمة الظمأى ...ز شفاء الغلة
سنعيدها غراء إسلامية ..... يا أمتي
إنه كان شاعرا لقول.... كلمة الحق
وفي قصيدته العذبة الفتية يروي لنا شاعرنا قصة بدر تحت عنوان
( العصبة المسلمة )
وبدر أي وهج في سناها
أضاء القلبَ فاستوحى هداها
وذكرني بصورة مصطفاها
يقود المؤمنين إلى علاها
إلى الفوز المبين إلى التفاني
إلى قمم الجهاد , إلى ذراها
وذكرني دعاء في لظاها
يموج بلهفة رحبٍ مداها
تهزّ النفسَ حرقة مجتباها
يناجي فاطرَ الكون الإلها :
إلهي لستَ تُعبد إن أتاها
هلاك يا إلهي أو عراها
فهذي قلة نذرتْ قواها
لدعوتها , ولن ترضى سواها
فهل لمثل هذا الشاعر الملهم المبدع أن تستوفيَِ حقه هذه الكلمات المتواضعة !!!؟؟...
حفظه الله , وحفظ يراعه الذي لا زال شعره ينبض بهمساته الندية , وشذا معانيه الفواحة بالحب والعطاء , والوفاء لأمة الإسلام !!...
بقلم : ابنة الشهباء