قصة قصيرةبيت آدم
اشتقت إلى هويتي ، فسافرت إلى قريتي ، لاجئاً إلى بيت جدي ، بناه آدم قبل حصر السنين ، على قمة جبل التائبين ، وظل ينادي أبناءه ، وأحفاده ، وما من مجيب ، ومضى آدم ، وبقى بيته ؟! .كتبها : أحمد كمال
انقطع الطريق ، وأصبحت مجبراً على الترجل والصعود بدون سيارة ، وكانت الشمس تتوارى ، ولما نظرت لمكمن البيت ، هالني شاهق ارتفاعه ، ووعورة الطريق ، فهمست في نفسي قائلاً :
- هذا الطريق الوحيد ، لمن يريد أن يعود للدنيا وليد !.
فشحذت عزيمتي ، وشددت أزري ، ورحت أخطوا، أسير، ، أركض ، أطوي الأرض طيا ، عسى أن أصل وأستريح . وبعد عناء ويزيد ، تفصد جسدي عرقاً غزيراً ، وأنهكت قواي ، وعصتني قدماي ، فجثوت على ركبتي ، ورحت أتقدم بثقل شديد ، وأنا أرنو بعيني نحو بيت جدي ، على قمة جبل التائبين .
وبعد وقت ليس بقصير ، انجرف صخر ، وراح يهوى من علي ، ورحت أتفاداه بما أوتيت ، وأدركت إني هالك لا محالة ، حتى آواني نتوء صخري صغير ، فراح الصخر يهوى ، وخفقان قلبي يستغيث .
ولما فرغ الجبل من مخاضه ، وأنجب كل صخراته ، أكملت المسير ، وأنا أحبو كطفل شارد ، ضائع ، يتيم ؟! تاه عن أمه ، في ظلام دامس ، يشتم عبقها ، ويحبوا نحوها ، بحماس شديد، وإذا بقط أسود سمين ، له عينان حمرا وتين ، ينقض على ظهري ، ويمزق ثيابي بأظافره القاسية ، وينال من جلدي الرقيق ، ويحفر عشرات الخرابيش ، وتنساب من بين المسام فيض من الدماء ، وتكبر آلامي ، وتتضاءل آمالي ، في الوصول ، ولا يزال القط الأسود السمين ، يسعى لإيقافي ، فإذا به يقضم أذني ، وأنا أتأوه مستغيث ، وتومض في قلبي شجاعة ، فأمسكت برقبته والغيظ يملأني ، وطوحته بعيداً عني ، فراح يموء ،و يموء ، حتى تلاشى المواء .
تبددت كل طاقتي ، فرحت أزحف على بطني ، وقد دنوت من بيت جدي ، وإذا بثعبان عظيم ، يلفني من كل جانب ، ويعتصرني بإصرار عجيب ، ويفتح فمه ، وينفث سمه ، يريد أن يبتلعني ، كما ابتلع آخرين ، وكلما كاد أن يبتلعني أهرب ، ثم يقبض ، ثم أهرب ، ثم أسقط ، حتى أمسكت يدي بحجر صوان ، صوبته إلى فتحة فمه المتوحش ، أصابه ، فراح يتلوى ، ثم يلتف حول نفسه ، ثم زحف نحو بعيد عني .
التقطت أنفاسي ، وحمدت من يحمد ، ورحت أستجمع قواي ، ووقفت على قدمي ، وأنا أدس يدي في جيب سروالي ، لأخرج مفتاح بيت جدي ، وأفتح البوابة ، وإذا بشيء رهيب ، له جسد من صهد صهر الحديد ، يغطيه شعر غزير ، وشعر رأسه كثيف ، طويل ، له قرنان محل الحاجبين ، وعين كبيرة في وسط وجهه القبيح ، أذناه تعدت حدود رأسه ، وفتحت فمه من أذنه اليسار إلى أذنه اليمين ، وقال بصوت له صدى عظيم :
- يا ابن آدم ماذا تريد ؟!
فرددت وأنا أرتعد خوفاً ، وتصطك فرائصي قائلاً :
- أريد بيت آدم ... فأنا له حفيد .
فقهقه قهقهة مزلزلة ، اهتز الجبل منها ، وكاد البيت أن يطيح ، حتى قال ساخراً :
- ولكن عليك أن تدفع ثمناً ؟!
فرددت وأنا أرتجف رعباً متوسلاً :
- لك ما تريد .... وما لا تريد .... فقط أتركني .
فهز برأسه ، وراح يمسك بذقنه ، وقال بصوت جهوري خبيث :
- فقط .... أريدك .... أن .... تسجد .... لي .
فأسرعت من فوري ، أجثو على ركبتي ، واتكأ على زراعي ، وأنا أدنو برأسي من الأرض ساجداً له ، فقد ابتلعني رعب عظيم ، وهو يقهقه بفخر شديد ، وإذا بسلامة فطرتي تردني ، ويأبى وجهي السجود لغير المعبود ، ورحت فجأة أصيح :
- يا مغيث .... يا مغيث .
فراح يتلفت خائفاً ، وأنا أتطلع لبيت جدي متشوقاً ، وإذا بمن يفتح البوابة ، ويصوب نحو هذا الشيء تفاحة ، أصابته في رأسه ، فجثا على ركبتيه ، وراح يعوي كالذئاب ، حتى أصابته مرة أخرى تفاحة ، طرحته أرضاً ، وألقته براً ، وهو يتدحرج بمرارة ، وإذا بمن يلوح لي من خلف البوابة ، يشير مرحباً هيا تعالى ، ورحت أقترب ، ثم أقترب ، فإذا بجدي آدم وجدتي حواء ، ينتظروني خلف الأبواب ، متلهفين للقائي كما أتلهف ، عاليهم ثياب بيض كاللبن الحليب ، وما أن تلاقينا ، حتى في الأحضان ارتمينا ، وأنا لا أصدق عيني ، إنني في بيت جدي .... على قمة جبل التائبين .
انتهى