أدب القصة على لسان الحيوان
حكاية الثعلب مرزوق مع النمر
القصة ـ أو الحكاية Fable ـ على لسان الحيوان، جنس أدبيٌ ذائع في آداب العالم، تُعزى فيه الأفعال والأقوال إلى الحيوانات، قناعاً يشفّ عمّا وراءه، ورمزاً يومئ إلى المرموز إليه، وتنطوي هذه الحكايات على غايات أخلاقية ودروس اجتماعية وتربوية ومضامين سياسية ناقدة. وقد اختُلف حول نشأة هذا الفن ومهاده التاريخي، فقيل: إنّ أصوله ترجع إلى اليونان، وقيل: بل إنّ الهند أسبق الأمم في حلْبة هذا الفنّ، وثمّة من يرى غير ذلك. ولعلّ ارتباط هذا الفن بالحكاية أو القصّ الشعبيّ، والنشأة الأسطورية له، يكمنان وراء شيوعه لدى كثير من أمم الأرض...
عرف العرب الحكاية على لسان الحيوان معرفة تامّة منذ العصر الجاهلي، ويتجلّى هذا الأمر واضحاً في قصص الأمثال الواردة في كتب الأمثال، كـالأمثال)) للمفضّل الضّبي ت170هـ)، وجمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري ت نحو 395هـ)، ومجمع الأمثال)) للميداني ت 518هـ).
وفي الشعر الجاهلي زادٌ وافرٌ من هذه الحكايات، ولاسيما في دواوين أمية بن أبي الصلت، والأعشى الكبير، والنابغة الذبياني، وجاء في القرآن الكريم كثير من الآيات عن الحيوان لغايات عديدة، فدارت حوله كثير من الحكايات في كتب التفاسير، التي فصّلت ما أُجمل فيه...
ملخص حكاية الثعلب مرزوق مع النمر
ذُكر أنّ ثعلباً يُقال له مرزوق، كان يعيش مع زوجته في وادٍ، لم يكن فيه أحدٌ غيرهما، في رغد عيش ورخاء بال. فمرّ به يوماً ثعلبٌ صديق له، فنصحه بالتحوّل عن هذا المكان، لأنه واقع في مجرى السيل. فاستشار مرزوق زوجته، فأبت عليه التحوّل. وحدث أن دهمه السيل، فتعلّق مرزوق ببعض ماجاء به السيل من الخشب، إلى أن قذف به في البحر، ثم ألقاه إلى جزيرة من جزائره. وحار الثعلب في أمره، فلم يسمع حسيساً ولم يرَ أنيساً، فبات ليلته طاوياً. ولما أصبح مرّ به ذئب، فتعارفا وعلم منه أن الجزيرة خاضعة لملك هو النمر، وليس فيه إلا الظباء وبقر الوحش، وجماعة من الذئاب. ثم نصحه الثعلب أن يأتي النمر، ويسأله أن يوليه ولاية، ويبعث إليه شطر ما يكسبه منها، وبعد جدال اقتنع الذئب بصواب رأيه، فذهب إلى النمر، وعرض عليه الأمر، فوافق النمر وعهد إليه بمناهل الظباء، وأخذ منه العهود والمواثيق.
وذهب الذئب إلى ولايته، بصحبة الثعلب، الذي اتخذه الذئب وزيراً كاتباً، وبعد مدّة حسُنت حالهما، فخاس الذئب بعهده، وأمسك بما كان يرسله للنمر، فراسله النمر، وذكره بوعوده وهدده. فاستشار الذئبُ وزيره الثعلب، فنصحه بالطاعة للنمر وحسن الولاء، وبالغ في نصحه، بيد أنَّ الذّئب ظلّ سادراً في غيّه، وجرت بينه وبين النمر مكاتبات ومراسلات. ثم دارت بينهما معارك حامية الوطيس، انتهت بمقتل الذئب وأسْر الثعلب، وكاد أن يُقتل هو أيضاً، لولا رجاجة عقله؛ فقد دار حوارٌ بينه وبين النمر من جهة، وبين وزراء النّمر من جهة ثانية، عن الإنسان وحاله ونقصه وكماله، وعن العقل وحظّ العقلاء منه ومكانته من العلم، وأثره في سلوك الإنسان، وعن الأخلاق الفاضلة وكلّ مامن شأنه أن يرقى بالإنسان إلى مدارج الكمال ومعارج السموِّ الإنساني الرحيب. فأعجبَ النّمِرَ ما سمعه من كلامه، ورأى من حُسن عقله، وجودة منطقه وألفاظه، ونفوذ رأيه، وثبوت حُجّته، فأمر له بجائزة سَنيّة، وأمره بالمقام في جواره، وبقرب داره، فكان يرتئيه في خطبٍ إنْ فدح، وأمرٍ إن سنح، ويعملُ برأيه ومشورته إلى أن هلك)).
د. أبو شامة المغربي