لا تتجاوز الخط الأحمر
من أروع الصفات التي يتحلى بها المسلم الاعتدال في كل شيء ، وقد قالت العرب قديماً حكمتها الذائعة على كل لسان : ( لا تكن صلباً فتكسر ، ولا ليناً فتعصر ) وربنا ـ جلَّت حكمته ـ جعلنا أمة وسطا ،وأرشدنا لأن نسير على الصراط المستقيم من غيرما شطط ولا مغالاة ، وأمرنا ألا نحيد عنه ولا نتحول إلى يمين أو شمال
وهناك صفات وسجايا ينبغي للمرء أن يحرص عليها و يسعى إليها باذلاً أقصى جهده لأن يتصف بها ، وهذه الخلال نفسها في الوقت التي تعد فيه جدُّ ضرورية وملزمة ، تبدو محاصرة بخط أحمر لو تجاوزته لانقلب الحال إلى النقيض .
• جميل جداً أن تتواضع لعباد الله ، تمشي في خدمتهم ، تعطيهم إذا كنت ميسوراً ، تزور مرضاهم ، تساعد معوزهم ، تخفف مصابهم ، تلبي دعواتهم ، تشاركهم أفراحهم وأتراحهم ، ..كل هذا لا ينقص من قدرك شيئاً مادامت الكرامة موفورة ، لكنك إن تجاوزت ذلك وأفرطت فيه ، وتزلفت لغنيهم أو مسؤولهم وطأطأت له الهام والجباه ، فقد تجاوزت الخط الأحمر وانقلبت حالك من التواضع إلى الذل ، وبالتالي فقد عرَّضت كرامتك إلى الاهتزاز .
• ورائع جداً أن تترفع عما في أيدي الناس ، تنظر إلى ما في أيديهم من النعم بعين القناعة واللامبالاة ، لا تحسدهم ولا تحقد عليهم ، ولا تكره لهم ما هم فيه ، لأنك مؤمن بأن الله هو الذي منحهم ومنعك ، أعطاهم وحرمك ، ولكنك إن نظرت إليهم بعين الازدراء ، وأنك أفضل منهم على الإطلاق ، فقد تجاوزت الخط الأحمر ، وانقلبت حالك من الترفع إلى الكبر ، وأوقعت نفسك في المحظور
• ومن اللائق بك أن تكون طموحاً ، تضع لنفسك خططاً للارتقاء بمستواك الدنيوي ، فتتدرج من مرتبة إلى مرتبة ، ومن علو إلى أعلى ، تكدُّ وتجتهد ، تكابد وتتعب ، تتحدى الصعاب وتنتصر عليها ،.. لكنك إن فعلت ذلك دون تخطيط واتزان ، فقد تجاوزت الخط الأحمر ، وانقلبت من طموح إلى متهور .
• ولا أفضل من أن تكون ملتزماً بأوامر ربك ونواهيه ، تحل الحلال وتحرم الحرام ، تأتي بالفرائض والسنن ما استطعت على الوجه الذي رسمه لنا الشارع سبحانه ، تأخذ بأقوال العلماء المخلصين ، إذا رأيت في المسلمين الخير والتمسك بأمور دينهم فرحت لهم ، وإذا رأيت منهم الغفلة رثيت لحالهم ودعوت لهم بالهداية ، ولكنك إذا رأيت أنك الفارس الأوحد في فهم النصوص ، تجتهد وتفتي برأيك ، تضرب بأقوال العلماء عرض الحائط ، تحتقر عبادات الآخرين ، تحكم على مخالفك بالكفر أو الابتداع ، فقد تجاوزت الخط الأحمر ، وانكفأت على وجهك وصرت متزمتاً لا متديناً .
• أما الكرم فهو من كمال صفات البشر ، وما أعظم أن يُرى المرء كريماً ! يجود بماله على ذوي الأرحام البائسين ، ويغدق على الفقراء المساكين ، منزلة ماله بجيبه لا بقلبه ، ينفق منه متى شاء وأين شاء ، .. لكنك إن أهرقت مالك في الولائم الباذخة ، واقتناء ما لا فائدة منه ترتجى ، فقد تجاوزت الخط الأحمر ، ونأيت عن الكرم ، وغرقت في أوحال الإسراف والتبذير .