قراءة تأويلية في شعر محمد أحمد العزب
إعداد: إبراهيم أمين الزرزموني
التأويل والشعر الجديد:
إن قارئ الشعر الجديد يجده متسماً بشيء غير قليل من بالغموض، لا باعتبار أن قدراً من الغموض ضروري للشعر الجيد، ولكنْ أصبح الغموض – عند البعض – هدفاً لذاته0
والغموض في الشعر ليس أمراً جديداً؛ فقديماً عدَّ أبو إسحق الصابي (الغموض) سمة (الشعرية الفاخرة) عندما قال: "أفخر الشعر ما غمض، فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه"
نقلاً عن: عبد الرحمن محمد القعود: 2002م، ص 7
على أنَّ في الأمر اختلافاً، فإذا كانت الشكوى من الغموض الشعري – في القديم – فردية، فإنها تكاد تكون شكوى جماعية من غموض الشعر الحديث، "إنّ هذا الشعر الجديد يمثل اتجاهاً جمالياً يختلف عن اتجاه الشعر القديم بل ربما وقف منه موقف النقيض. وربما حاول الجادون أن يتغلبوا على تلك الصعوبة بأن يُكيِّفوا أنفسهم وهذا الاتجاه الجديد، ولكن كثيراً ما يقف حائلاً دونهم وهذا التكيف خاصية في الشعر الجديد هي في الحقيقة مقوم من مقومات وجودة، وأعني بذلك غموض هذا الشعر..!"
عز الدين إسماعيل: 1967م، ص 187
وهذا ما جعل هناك فجوة بين الإبداع الشعري وبين جماهير المتلقين، وهو – أيضاً – ما جعل النقاد يفكرون في مداخل غير تقليدية لقراءة وفهم النص الشعري تعتمد على "البحث عما وراء ظاهر الكلمات، أي البحث عن الرموز الكامنة في النص"
بسام قطوس: 2004م، ص 201
ويُعتبر (التأويل) أحد أهم المداخل لإضاءة النص الشعري؛ فالنص الشعري الحديث أصبح فضاءً مثقلاً بالرموز والأساطير، واللغة المكثفة، والمفارقة، والتواصل التراثي، وتفاعل وتداخل الأنواع الأدبية، ولم يعد وثيقة تسجيلية لأحداث عصره ومجتمعه يسهل فك شفراته بمجرد التعرف على تلك الأحداث0
والتأويل لغةً: مأخوذ من مادة (أول) أي: الرجوع إلى الأوَّل/ الأصل، وأوَّلَ الكلام وتأوَّلَهُ: دبَّره وقدَّره وفسَّره، والتأويل: تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غير لفظه000"
ابن منظور: ج1، ص171، وما بعدها بتصرف
والمأخوذ من المعنى اللغوي أنَّ المُؤَوِّل يتجاوز المعنى الظاهر، وينفذ إلى عمق النص، فخرق اللغة، أي: اختراق معانيها المستقرة، وإنشاء حالة تتخلخلُ فيها المعاني هو ما يُراد من القارئ الواعي بله الناقد حتى يصل إلى أقرب معنى أراده الشاعر من نصه، وهذا هو المقصود بالتأويل في هذه الدراسة0
"ولقد نشأ التأويل hermeneutecs مرتبطاً بالدراسات الدينية للكتاب المقدس؛ وذلك رغبة في فهم الدين المسيحي، وقد انتقل المفهوم بعد ذلك إلى العلوم الإنسانية على يد مارتن لوثر"
محمد المتقن: 2004م، ص 7
ومن وظائف التأويل "إخراج المعنى العميق الذي تنطوي عليه الأعمال الأدبية، والكشف عن الدلالات الأصيلة المتوارية في المكتوب المراد معالجته، والقراءة التاويلية ليست تلقياً ساذجاً يقف عند حدود النظر المباشر، بل تساهم بوعي في إنتاج وجهة النظر التي يحملها أو يتحملها الخطاب"
محمد المتقن: 2004م، ص 7
"وليس التأويل عَرَضاً يجب إقصاؤه والتخلص منه، وإنما هو أداة للبحث والأصل والجذر والأساس، لا يخفى على كل باحث في التراث الإنساني، ما لمصطلح التأويل من قيمة وحمولة دلالية عالية"
عمر بيشو، التأويل، مقاربة أصولية، مجلة (فكر ونقد)، العدد 30،
http://www.fikrwanakd.aljabriabed.net/n30_12bichou.htm
كما أن النظرة التأويلية للنص تساهم في إيجاد قراءة موضوعية – إلى حد كبير – للنص تبتعد عن الاجترارية وتسهم في تفعيل علاقة القارئ بالنص؛ لأن "النظريات الأدبية المعاصرة تقوم على فرضيتين: الأولى: تقوم على التشديد على عنصر التعدّد أو تعدد المعاني في النص الفني، والثانية: تقوم على دور القارئ في تأويل العمل والاستجابة كعنصرين في عملية تفاعل القارئ والنص"
محمد الأسعد، في حقول التأويل، موقع "دروب" الفكري http://www.doroob.com/?p=714
ومن هنا تكتسب النظرة التأويلية للنص الشعري الحديث أهمية كبيرة؛ فهي "القادرة على استحضار كل إمكانيات أي عمل أو نص ندرسه"
بسام قطوس: مرجع سابق ص 204
وإذا كان شعر الحداثة لا يكرر وعياً، ولا ينقل معنى، بل يخلخل الوعي، وينقل المعنى من خلال رؤيته الخاصة، "فأصلح شيء لهذا الشعر هي القراءة التأويلية؛ لأن هذا الشعر متاهة، ولأنه تساؤل، ولأنه لا يحمل دلالة نهائية محددة، بل هي احتمالية ومؤجلة، والقراءة التأويلية هي القادرة على انتظار المؤجل، وفهم الملتبس، وقبول المحتمل"
عبد الرحمن القعود: مرجع سابق، ص 297
الشاعر محمد أحمد العزب:
وُلد الأستاذ الدكتور محمد أحمد العزب في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية في الثاني عشر من شهر مارس عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين للميلاد، وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حتى حاز درجة الليسانس من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالمنصورة عام ألف وتسعمائة وأربعة وستين، وتدرج في وظائف التدريس الجامعي حتى نال درجة الأستاذية عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين، ولا يزال الشاعر الناقد - على الرغم من مرضه الشديد - يواصل إبداعه الشعري والنقدي أمد الله في عمره0* *
* من مقابلة أجراها الباحث مع الدكتور العزب في بيته بالمنصورة يوم الخميس 22/12/2005م
ويُراجع عن سيرته – أيضاً -:
أ – محمود عباس عبد الواحد: 2001م
ب – صبري رجب مطر: 2004م
ج - موقع جائزة عبد العزيز سعود البابطين على شبكة المعلومات الدولية:
http://www.albabtainpoeticprize.org/....aspx?ptId=424
فإذا ما نظرنا إلى النتاج الشعري لمحمد أحمد العزب – كماً وكيفاً – لتملكنا العجب؛ كيف لشاعر بهذه القامة لا يحتل المكانة اللائقة به بين أقرانه؟! يقول محمد إبراهيم أبو سنة عن العزب: "إن هذا الشاعر العظيم لم يأخذ حقه بعد، وهو شاعر عملاق لا شك في ذلك"
(2) محمد دياب: 2005م، ص 8
ويصفه أبو سنة في أكثر من موضع بـ "الشاعر المبدع"
محمد إبراهيم أبو سنة: 2004م، ص 121
وقد أصدر الشاعر العزب - منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين، وحتى الآن – ثمانية دواوين شعرية، وهي:
1 – أبعاد غائمة0
2 – مسافر في التاريخ0
3 – أسألكم عن معنى الأشياء0
4 – عن التعامد والانحناء في فصول الزمن الميت0
5 – فوق سلاسلي 00 أَكتبُني0
6 – تجليات شتى لامرأة ملأى بالفراشات0 (وقد صدرت المجموعات الشعرية السابقة في مجلد واحد بعنوان: الأعمال الشعرية الكاملة عام 1995م)0
7 – الخروج على سُلطة السائد (تنويعات غنادرامية) 2000م0
8 – أتمادى تحت سقف الكناية 2003م0
وله مجموعتان مخطوطتان (الغناء في شجر الجسد – لا أدعي حكمة الموافقة)
وأما عن دراسات الدكتور العزب النقدية فقد تجاوزت العشرين، ولعل أهمها:
** أصول الأنواع الأدبية0
** في النص وقراءة النص0
** طبيعة الشعر وتخطيط لنظرية في الشعر العربي0
** الفكر الإسلامي من الوجهة الأدبية0
** الشعرية العربية 00 موسيقى التشكيل، وتشكيل الموسيقى0
قراءة تأويلية لنص شعري:
حواريات الوطن00
وانتحال الرواة السيئين !!
-: أنا شاهد00
سمعَ الرواةَ 00
يلفقون الشمس 00
والأشجار00
والخطب المثيرة !!
-: ويروجون 00 لورطة شفوية 00
ويُخيِّمون على ضفاف الرمل 00
والمدن الكبيرة !!
-: (حمَّادُ) 00
كان مغامراً خلْفَ الروايةِ في المجاز 00
-: وقد تتبعه الرواةُ 00
-: أليس فينا الآن (حمَّادون) 00
يجترحون تزييف (العواصم) 00
ثُمَّ يتكئون في خطأ الروايات الأجيرةْ؟
-: هم ينحلون حوائط الأشياء 00 ليس الشعر 00
حتى صارت الأشياءُ 00 غيماً 00
في سباقٍ يُضمرُ التفكيكَ 00
والإرباكَ 00
والأُطُر َالمراوغة الغريرةْ !!
-: هل يستطيع البحرُ 00 أن يغتال وعدَ الحبر 00
في جملٍ خبيرةْ؟
الآن 00
كلُّ قبيلة 00 تستدرج القمر الأثيل 00
وتزعم الشعر الدخيل 00
وتستردُ رطانة الصحراء 00
حتى تسرق التاريخ00
-: كان أبي يسافر 00
ربما للجاهلية00
(ليس للتوقيع) 00
-: صارت أمهات المؤمنين 00
جوارياً في أورشليم 00
-: وصار طقسُ المحوِ أسئلة 00
-: وصرنا نحن قهوتنا المريرة !!
-: من أين تبتدئ الرواية؟
-: كل روايةٍ 00
يعيد شروحه للخطبة المليون 00
-: نصف متونهم:
(قال المؤلف) 00
-: والمؤلف هاربٌ في ضجة الكاميرا 00
وفي الغرف الفضيحة 00
-: والرواةُ مرابطون 00
فكلُّ راويةٍ يُقيم على ضفيرة !!
-: طَهَ حُسَين كان أشجعنا 00
-: تصدى للرواةِ 00
-: وحرَّضَ الطلابَ 00
-: واستدعى (المُفضَّل) 00
-: واستتابَ (الأصمعي) 00
-: وجرَّح الواشينَ 00
والماشينَ 00
تحت مُعلقات الجبْس والتابو 00
-: وصادرَ نصف حاشية المرابين الذين 00
تعلقوا بالشعر 00 أقماراً غفيرةْ !!
-: طه حُسين كان أشجعنا 00 فشكَّ 00
-: ونحن هوَّمْنا 00
-: ونمنا في الدواوين المموهة الحوائط 00
-: هل يقودُ جيوشَنا (عمرو بن كلثومٍ)؟
-: وهل ما زال عنترةُ المغامرُ 00
واقفاً ما زال في عصر احتجاج الشعر؟
حتى حين يعتقلون (عبلة) في مطار اللد؟
-: هل تتكرر البلوى 00
فَنَنْبُغُ نحن بعد الأربعين هزيمةً؟
-: مَنْ شاء أنْ يتورط الإيقاعُ في الشبقِ المعاصرِ 00
فلينَمْ في حانةٍ مع (طرفة بن العبد) 00
-: أو فليسترح عند الغدير 00
مع (امرئ القيس) الرجيم 00
-: ستطلع الأقمارُ مِنْ وَلَهِ الرخام المستحمِّ 00
وصبوةِ التين الوثيرةْ !!
-:ومتى 00 نواطنُ 00 في الكتابة؟
-: نحن أُميونَ 00
شرَّدَنا الرواةُ 00
قصائداً 00 منحولةً 00
للآخرِ العادي 00
-: كيف 00 إذن 00
نواطن في كتابتنا؟
ونسكن خيمة التدوين؟
كيفَ نموتُ 00
موتتنا الجديرة ؟؟؟
من ديوان: (تنويعات غنادرامية)، ص 27
لا بد للمؤول – ابتداءً – أن يتعرض لمقصدية الشاعر "لاستكشاف بواعث الكلام وآلياته النفسية والجسدية"
محمد مفتاح: 1985م، ص 163
ومعنى المقصدية "أي مراد الكاتب من النص، وهذا يضاد ما تتطلبه بعض النظريات من موت المؤلف"
محمد المتقن: 2004م، ص121
فالشاعر صاحب رؤية يمزج تراثه بحداثته، وهو يصدر عن موقف معارض يدين الصوت المرتفع الذي يخفي وراءه تزييف التاريخ، ويستدعي شخصية (حماد الراوية) الذي وصفه ابن سلام الجمحي بأنه: "ينحل شعرَ الرجل غيره، وينحله غير شعره، ويزيد في الأشعار"، فهناك (حمادون) كثيرون زيفوا تاريخنا وأدخلوا عليه ما ليس منه0
ويستعرض الشاعر بعض مظاهر ضعف الأمة التي زُيِّفَ تاريخها، فقد صارت أمهات المؤمنين جوارياً عند العدو الصهيوني، ونحن مشغولون بالخُطَب والشروح أي بالتفاهات0
ثم يستدعي الشاعر شخصية (طه حسين) ويصفه بالشجاعة لأنه تصدى للمزيفين، وشكك في مناهجهم، وطالبَ بأن نتحرك وأن نتفاعل حتى ننال موتاً مشرفاً0
فإذا ما نظرنا إلى عنوان القصيدة وهو أول ما يلفت نظر المؤول - (حواريات الوطن وانتحال الرواة السيئين !!) وجدناه طريقاً جمالياً لولوج النص والتفاعل معه0 فالعنوان (عتبة) تشي بمعانٍ تساعد في فك رموز النص، وقد لجأ الشاعر إلى الغموض عندما استعمل (انتحال) وهو يشير من خلالها إلى قضية (الانتحال) ويسقطها الشاعر على تاريخنا الذي تاجر به كثيرون، كما زيَّفَ كثير من الرواة الشعر القديم0 ومن هنا جاء العنوان ممهداً ودالاً على مضمون النص، وكانت هذه عادة الشاعر في قصائده نلحظ ذلك من قراءة العنوانات التلية (بلاغ إلى النائب العام ضد كتاب الأغاني)، (من أحزان أنتيجونا)، (من سيرة المتنبي مشاهد غنادرامية) وغيرها، "فالعنوان السياقي يكون وحدة مع العمل على المستوى السيميائي، ويملك وظيفة مرادفةللتأويل عامة"
سعيد علوش: 1984م، ص 89
تتمتع هذه القصيدة بقدر غير قليل من الحيوية ولعل أهم سبب لذلك هو إدارتها على شكل حوار، "وإنما يستغل الشاعر أسلوب الحوار لأنه يدرك بحاسته الدرامية أنَّ الانتقال من صوته التقريري إلى أصوات المشهد أنسب، وأنه يوفر للقصيدة حيوية أكثر"
عز الدين إسماعيل: 1967م، ص 299
والحوار يستلزم أطرافاً تتحاور، وعندما نطالع القصيدة لا نتعرف إلا على طرف واحد من أطراف الحوار ألا وهو الشاعر، لكنه يتحاور مع مَنْ؟ لا ندري0 وتلك إحدى عوامل الغموض في لغة الشعر الحديث 00 إحالات الضمائر 00، وعلينا أن نستنتج الطرف الآخر للحوار، فلعله صديق، ولعله التاريخ المُزَيَّف نفسه، ثم – ثالثاً – لماذا لا يكون الشاعر محاوراً ذاته، متحدثاً مع ضميره، وهو ما يرجحه الباحث0
وعندما ننظر إلى الجملة الشعرية في القصيدة السابقة نجدها تتراوح بين أمرين:
أولاً: الجملة الشعرية النظام:
أي التي ليس فيها خروج عن النظام البرجماتي للغة، والتي تسير وفق قوانين اللغة وقواعدها، وهي تتراوح بين الاسمية والفعلية، فالجملة الاسمية مثل: (أنا شاهد / حماد كان مغامراً / هم ينحلون / كل قبيلة تستدرج القمر الأثيل، وغيرها) تدل على الثبات والحدوث، فهو – أي الشاعر – (شاهد) على فساد رجال هذا العصر الذين أضاعوا هيبة الوطن وزيفوا تاريخه، وكذلك يستخدم الجملة الفعلية مثل: (أليس فينا الآن حمادون / يجترحون تزييف العواصم / صارت أمهات المؤمنين، وغيرها) التي تدل تتابع الأحداث وتجددها0
ثانياً: اللغة الشعرية الخروج:
أي التي تتعمد الخروج على المألوف، والانزياح عنه لخلْق الجمال الشعري، فمثلاً يستخدم الشاعر الجُمَل المعترضة مثل (ليس الشعر / ليس للتوقيع) لتؤدي دورها في البناء العضوي للقصيدة، ثم نجد استعمالات الضمائر، فالشعر استخدم ضمائر المتكلم (أنا / فينا / نحن / نواطن) التي تدل على انفعاله وتوتره، ثم يستخدم ضمائر الغائب (هم / كان) لإضفاء الموضوعية على أحكامه، ثم تأتي الإضافة (تزييف العواصم / وعد الحِبْر / طقس المحو / وَلَه الرُّخام / خيمة التدوين) تأتي في التشكيل اللغوي الحديث لتجمع بين أمرين لا جامع بينهما إلا في رؤية الشاعر، وهذا الانحراف، وهذا البعد عن اللغة المعيارية هو الذي يعطي اللغة الشعرية جمالها وخصوصيتها0
فإذا ما انتقلنا إلى مستوى المفردة/ اللفظة في قصيدة العزب السابقة نجده ملتزما بالكلمة العربية الفصيحة طالما أنها تمنحه الإيحاء والإشعاع المطلوب، ثم نجده يعدل عن اللفظة الفصيحة إلى لفظة شاع استعمالها على ألسنة العامة (ورطة)، أو حتى إلى اللفظة الأجنبية (الكاميرا camira – التابو taboo) لأنها تؤدي دورها أفضل من (آلة التصوير – الأمر المُحَرَّم)0
ونلحظ خصيصة أخرى هي: ذكر أسماء الأعلام، واستدعاء شخصيات تراثية وحديثة على حد سواء، وهي لا تُذكر مصادفةً، وإنما يستدعيها الشاعر حيث يتحول الاسم إلى رمز، بل إن القصيدة تتمحور حول تأويل دلالات ذكر هذه الشخصيات، فهناك (حماد) الذي يرمز به الشاعر إلى المزيفين، وقد أصبح بيننا (حمادون) كثيرون، وهناك (طه حسين) الذي يتخذه الشاعر رمزاً للشجاعة لأنه رفض الزيف، وحاكم كبار اللغويين والرواة (المفضل – الأصمعي)، وكذلك أشار الشاعر إلى (عمرو بن كلثوم / عنترة / عبلة / طرفة بن العبد / امرئ القيس / أورشليم)
وكذلك نوَّع الشاعر في أساليبه بين الخبر والإنشاء، فالبنية الخبرية لتقرير وتوكيد فكرة الشاعر (كل راويةٍ يعيد شروحه للخُطبة المليون / والمؤلف هارب في ضجة الكاميرا، وغيرها)، وهناك بنية الأساليب الإنشائية (أليس فينا الآن حمادون؟ / هل يستطيع البحر 00؟ / من أين تبتدئ الرواية؟، وغيرها) وهي في جملتها أساليب استفهام تشي بتوتر الشاعر وانفعاله، ولمَ لا وهو يشهد تزييف تاريخه؟
وتنبئ الصور الشعرية عن رؤية الشاعر للعالم ومدى نضج هذه الرؤية، فالصورة تظل "كمبدأ للحياة في القصيدة، وكمقياس رئيس لمجد الشاعر"
سي دي لويس: 1982، ص 20
فهناك الاستعارة (يلفقون الشمس / ينحلون حوائط / يستطيع البحر أن يغتال / تسرق التاريخ 000)، وهناك الكناية (تزعم الشعر الدخيل / يعيد شروحه للخطبة المليون / نمنا في الدواوين المموهة الحوائط 000)، وهناك التشبيه (وصارت أمهات المؤمنين جوارياً / وصرنا نحن قهوتنا 000) ولأن الشاعر – كما ألمحنا - يصدر عن إحساس معارض، فتجيء صوره نابعة من هذا الوجدان، ومعبرة عنه، فهو يُعَرِّض بِمَنْ يزيفون تاريخ أوطانهم، ويدعم موقف مَنْ يقف في وجه هذا التزييف0
ومما سبق نجد أن موقف الشاعر في هذا النص قد صيغ نبعاً من ثلاثة سياقات:
أ – السياق المكاني:
ويظهر ذلك في: (ضفاف الرمل / المدن الكبيرة / البحر / الصحراء / أورشليم 000)
ب – السياق الزماني:
وظهر في (تسرق التاريخ / عصر الجاهلية / استدعاء القدماء / الشبق المعاصر 000)
ج- السياق الإنساني:
وظهر في (حمَّاد / أمهات المؤمنين / المفضل والأصمعي / امرئ القيس / عنترة 000)
قائمة المراجع:
القعود، عبد الرحمن محمد: الإبهام في شعر الحداثة، العوامل والمظاهر وآليات التأويل، عالم المعرفة، الكويت العدد 279، 2002م
إسماعيل، عز الدين: الشعر العربي المعاصر، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م
قطوس، بسام: دليل النظرية النقدية المعاصرة، دار العروبة، الكويت، 2004م
المتقن، محمد، في مفهومي القراءة والتأويل، مجلة عالم الفكر، الكويت، العدد2، المجلد 33، أكتوبر، 2004م
لويس، سي دى: الصورة الشعرية، ترجمة أحمد نصيف الجنابي وآخرين، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد 1982م
مفتاح، محمد: تحليل الخطاب الشعري(استراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار البيضاء، 1985م
علوش، سعيد: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سوشيرسن للنشر، الدار البيضاء، 1985م
مطر، صبري رجب: الصورة والأسلوب في شعر الدكتور محمد العزب، رسالة ماجستير بكلية الألسن جامعة عين شمس، 2004م
عبد الواحد، محمود عباس: منطلقات التجديد وآفاقه في إبداعات الدكتور العزب، القاهرة، 2001م
دياب، محمد: نبوءات الشعر، دراسة نقدية في شعر الدكتور محمد أحمد العزب، القاهرة، 2005م
الأسعد، محمد، في حقول التأويل، موقع "دروب" الفكري http://www.doroob.com/?p=714
بيشو، عمر، التأويل مقاربة أصولية، مجلة (فكر ونقد)، العدد 30،
http://www.fikrwanakd.aljabriabed.net/n30_12bichou.htm