خطب - رضي الله عنه - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه، فأريدوا الله بأعمالكم واعلموا أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها، وحـظ ظفرتم به، وضرائب أديتموها، وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية، لحـين فقركـم وحاجتكم.
اعتبروا عباد الله ممن مات منكم، وتفكـروا فيمن كـان قبلكـم، أين كانوا أمس؟ وأين هـم اليوم؟ أين الجبارون الذين كـان لهـم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب؟ قد تضعضـع بهـم الدهر وصاروا رميمًا، قد تركت عليهم القالات الخبيثات وإنما الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثـات. وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟ قد بعدوا ونسي ذكرهـم، وصاروا كلا شيء.
ألا وإن الله - عز وجل - قـد أبقى عليهم التبعات، وقطع عنهم الشهوات، ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم، وبقينا خلقـًا بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا، وإن اغتررنا كنا مثلهم.
أين الوضاءُ الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ صاروا ترابًا، وصار ما فرطوا فيـه حسرة عليهم. أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا !".
أين من تعرفون من آبائكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه، وأقاموا للشقوة أو للسعادة بعد الموت.
ألا إن الله لا شريك له، ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرًا، ويصرف به عنه سوءًا إلا بطاعته واتباع أمره. واعلموا أنكـم عبيد مدينون، وإن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته، أما آن لأحدكـم أن تحسر عنه النار ولا تبعد عنه الجنة؟