الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ذكر العلامة الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، فائدة جليلة
عند قوله تعالى:
(يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)
(البقرة:47) .
حيث ذكر أسباب ذل المسلمين، وتسلط الأعداء على المسلمين، وذكر متى
سيتنصر المسلمين، وأترككم إخواني في الله مع كلام فضيلة الشيخ العثيمين
رحمه الله:
(( بني إسرائيل أفضل العالم في زمانهم؛ لقوله تعالى:
{ وأني فضلتكم على العالمين }؛ لأنهم في ذلك الوقت هم أهل الإيمان؛ ولذلك
كُتب لهم النصر على أعدائهم العمالقة، فقيل لهم: {ادخلوا الأرض المقدسة
التي كتب الله لكم} [المائدة: 21] ؛ و "الأرض المقدسة" هي فلسطين؛ وإنما
كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى؛ لأنهم هم عباد الله
الصالحون؛ والله سبحانه وتعالى يقول: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن
الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105] ، وقال موسى لقومه: {إن
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} [الأعراف: 128] ، ثم قال: {والعاقبة
للمتقين} [الأعراف: 128] ؛ إذاً المتقون هم الوارثون للأرض؛ لكن بني
إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة؛ لأنهم ليسوا من عباد الله
الصالحين؛ أما في وقت موسى فكانوا أولى بها من أهلها؛ وكانت مكتوبة لهم،
وكانوا أحق بها؛ لكن لما جاء الإسلام الذي بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم
صار أحق الناس بهذه الأرض المسلمون . لا العرب .؛ ففلسطين ليس العرب
بوصفهم عرباً هم أهلها؛ بل إن أهلها المسلمون بوصفهم مسلمين . لا غير
وبوصفهم عباداً لله عزّ وجلّ صالحين؛
ولذلك لن ينجح العرب فيما أعتقد . والعلم عند الله . في استرداد أرض فلسطين
باسم العروبة أبداً؛ ولا يمكن أن يستردوها إلا باسم الإسلام على ما كان عليه
النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، كما قال تعالى: {إن الأرض لله يورثها
من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [الأعراف: 128] ؛ ومهما حاول
العرب، ومهما ملؤوا الدنيا من الأقوال والاحتجاجات، فإنهم لن يفلحوا أبداً حتى
ينادوا بإخراج اليهود منها باسم دين الإسلام .
بعد أن يطبقوه في أنفسهم .؛ فإن هم فعلوا ذلك فسوف يتحقق لهم ما أخبر به
النبي صلى الله عليه وسلم "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ،
فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ، وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ
الْحَجَرُ، أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ" ؛
فالشجر، والحجر يدل المسلمين على اليهود يقول: "يا عبد الله" .
باسم العبودية لله .، ويقول: "يا مسلم" . باسم الإسلام .؛ والرسول صلى الله
عليه وسلم يقول: "يقاتل المسلمون اليهود" ، ولم يقل: "العرب". ولهذا
أقول: إننا لن نقضي على اليهود باسم العروبة أبداً؛ لن نقضي عليهم إلا باسم
الإسلام؛ ومن شاء فليقرأ قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن
الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105] : فجعل الميراث لعباده
الصالحين؛ وما عُلِّق بوصف فإنه يوجد بوجوده، وينتفي بانتفائه؛ فإذا كنا عبادَ
الله الصالحين ورثناها بكل يسر وسهولة، وبدون هذه المشقات، والمتاعب،
والمصاعب، والكلامِ الطويل العريض الذي لا ينتهي أبداً!! نستحلها بنصر الله
عزّ وجلّ، وبكتابة الله لنا ذلك . وما أيسره على الله .!
ونحن نعلم أن المسلمين ما ملكوا فلسطين في عهد الإسلام الزاهر إلا
بإسلامهم؛ ولا استولوا على المدائن عاصمة الفرس، ولا على عاصمة الروم،
ولا على عاصمة القبط إلا بالإسلام؛ ولذلك ليت شبابنا يعون وعياً صحيحاً بأنه
لا يمكن الانتصار المطلق إلا بالإسلام الحقيقي . لا إسلام الهوية بالبطاقة
الشخصية .!
ولعل بعضنا سمع قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حينما كسرت الفُرس
الجسور على نهر دجلة، وأغرقت السفن لئلا يعبر المسلمون إليهم؛ فسخَّر الله
لهم البحر؛ فصاروا يمشون على ظهر الماء بخيلهم، ورجلهم، وإبلهم؛ يمشون
على الماء كما يمشون على الأرض لا يغطي الماء خفاف الإبل؛ وإذا تعب
فرس أحدهم قيض الله له صخرة تربو حتى يستريح عليها؛ وهذا من آيات الله .
ولا شك .؛ والله تعالى على كل شيء قدير؛ فالذي فلق البحر لموسى . عليه
الصلاة والسلام . ولقومه، وصار يبساً في لحظة، ومشوا عليه آمنين؛ قادر
على ما هو أعظم من ذلك.
فالحاصل أن بني إسرائيل لا شك أفضل العالمين حينما كانوا عباد الله
الصالحين؛ أما حين ضربت عليهم الذلة، واللعنة، والصَّغار فإنهم ليسوا أفضل
العالمين؛ بل منهم القردة، والخنازير؛ وهم أذل عباد الله لقوله تعالى: {ضربت
عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من
الله} [آل عمران: 112] ، وقوله تعالى: {لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى
محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك
بأنهم قوم لا يعقلون} [الحشر: 14] .
ويدل لذلك . أي أن المراد بقوله تعالى .: { فضلتكم على العالمين } أي في
وقتكم، أو فيمن سبقكم: قوله تعالى في هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه
وسلم: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم} [آل عمران: 110] ؛
فقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} صريح في تفضيلهم على الناس؛
ولهذا قال تعالى: { ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم }؛ وقد ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أننا نوفي سبعين أمة نحن أكرمها، وأفضلها عند الله عزّ
وجلّ .