مازال البعض (يفلق) رؤوسنا بحديثه عن هذه المخلوقات (الآخرية) البريئة ، والتى صادرنا نحن المسلمون حقها فى البقاء ، ورفضنا قبولها كفكر مغاير ، بل تعدى الأمر حد (فلق) الرؤوس ليصل بنا إلى تغييرها أحيانا أو حتى قطعها إن لزم الأمر ، حفاظا على علاقتنا مع أصدقائنا الآخرين.
سؤالنا بسيط واضح.. ما هو المطلوب منا قبوله (كأمة) أو حتى (كأفراد) فى هؤلاء الآخرين ، هل المطلوب أن نقبل ثقافتهم و طحالبهم الفكرية!.. ثم إذا نحن قبلناها ، فكيف يكون شكل هذا القبول؟ هل بأن نقر لهم و(نذعن) بأن منهجهم و فكرهم هو–الضرورة-
وجه آخر من أوجه الحقيقة ، حتى و إن كان هذا المنهج يصادم و يناطح الفطرة السوية فضلا عن صحيح العقيدة؟.. أم أن المطلوب هو أن نقبل هذه الأفكار إلى الدرجة التى نقوم فيها –طواعية- بهدم ثقافتنا و حضارتنا الفكرية الهائلة ، ليحل محلها هذا الفكر(الآخروى) الجديد؟!.. أم ربما كان هذا الصراخ و الضجيج يلفت أنظارنا ، نحن (المجرمون) ،إلى ضرورة نبذ هذا التصنيف الربانى للخلق ، بأن سمّى من لم يؤمن بدينه (كافرا) ومن آمن و إتبع هدى رسوله (مؤمنا)؟..
ولابد لنا هنا من توضيح وبيان.. لمن لا يريد أن يفهم ، أن هذا (الآخر) الذى لم يتبع الإسلام و إختار لنفسه دينا أو فكرا (آخر) ، له علينا حقوق معروفة مفصلة ، عرفها العالم أجمع فى تاريخنا ، وكانت فى تراثنا واقعا ملموسا –وليست مجرد شعارات- يشهد لهذه الأمة بعدلها و قسطها فى تعاملها مع من يخالفونها المنهج والرأى ، وهذا ما أمرنا به ديننا ، ولم نحتج فى ذلك إلى ديموقراطية الأمريكيين ولا حتى إنسانية (شارون) لنعطى كل ذى حق حقه.. ولكن –وهنا سؤال مهم- هل هذا العدل و(التعايش السلمى) الذى وجده غير المسلمين فى بلادنا على مر الأزمان كان على أساس (المساواة) فى العقائد ، وجعل من يعبد البقر و الحجر مساويا لمن يعبد رب البشر؟!.. وهذا هو الذى يُروج له الآن ، بأن كافة الناس يعبدون إلها واحدا خالقا وإن إختلفت مسمياته بينهم ، فهذا(الإله) الذى يأكل (الروث) وينام فى الجحور ، هو نفسه ذاك الإله الذى له خوار ، ثم بعدذلك يريدوننا أن نجعل هذه الآلهة (الهباب) مساوية لمعبود المسلمين و إلههم –تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وتبعا لهذا التعميم الخطير ، سيصبح ولاءنا للإسلام وأهله ،وبراءتنا من الكفر و أهله مجرد نظرية أصبحت –الآن- غير قابلة للتطبيق ، فضلا عن أنهاأصبحت (مصدرا للمشاكل).. فهذا –بإختصار- هو لب الدعوة الجديدة التى تحقن بها عقولنا ليل نهار ، الدعوة إلى (تسامح الحضارات) و (نبذ) المعتقدات التى تفرق بين البشر على أساس معتقداتهم و أفكارهم ، وهذا يدفعنا دفعا إلى الخلاصة النهائية لهذا الفكر العفن ، وهى أنه ليس هناك صواب مطلق ولا خطأ محض ، وأنه لا يحق لأى (فكر) –والمقصود هنا الإسلام- أن يدّعىَ أنه الحق والصواب وأن غيره باطل ، وهذا المفهوم هو المقدمة اللازمة لما يعرف بدين (الإنسانية) ، والذى يعد من أهم ركائز العولمة و جعل المجتمع (الأرضى) متجانسامتوافقا ، يستوى فيه الشواذ جنسيا مع علماء الفقه ، ويستوى فيه من يعبد (فرجا) مع من يعبد الله عز و جل ، ولا فرق بين المجرمين والمسلمين.. (ما لكم كيف تحكمون!) ، وهكذا ،يعيش الجميع فى سعادة و سرور ، يأكلون و يتمتعون كما تعيش البهائم ، حتى تتحلل جيفهم.
النتيجة الخطيرة التى بدأت تبرز الآن مصاحبة لتلك التنظيرات الماجنة ، هى أن كل من لم يقبل بهذا الهدف (الإنسانى) المنشود فهو إرهابى ضال ، لا يقبل (الآخر) ولا يريد أن يتعايش معه!
نحن غير معنيين هنا بالحديث عن هؤلاء المسالمين الذين لا يسعون فى ديارنا بالخراب و التقتيل بحجة (الإصلاح) ، ولا بهؤلاء الذين يعارضون حكوماتهم الظالمة فى عدوانهم علينا ، برفع اللافتات أو بشئ من (الصياح) ، فهؤلاء مشكور لهم صنيعهم ، حتى وإن كان بعضهم لا يعارض مثل هذه الحروب لمنع الظلم عن المسلمين أو لحقن دمائهم ، وإنماحرصا على بنى جلدتهم من أن ينالهم أذى.. فنقول للجميع شكرا لهذا المجهود ، ولكن عفوا.. مازالت حكوماتكم (المسعورة) ، والتى تمثلكم و ترعى (مصالحكم) ، تقتلنا و تغتصب أراضينا و تريد أن تجفف منابع ثقافتنا وتهدم ديننا ، ولا نستطيع تحت وطأة هذه الحرب التى نعيشها ، أن نقبل من جاهل هالك ، يطلب منا أن نرحب بالغزاة ، ونرسم صوَرَهم على وجوهنا وصدورنا تعبيرا عن فرحتنا بهم و إعتزازنا (بصداقتهم). فنحن لا يسعنا إلا أن نؤكد على أننا لسنا المعنيين بهذا الحديث عن (قبول الآخر) ، فلا شك أن هناك خطأ فى (العنوان) ، فنحن الذين إستباحت بيضتنا كلاب الأرض ، وصرنا فى حال من الضعف و الهوان يصعب على أى عاقل أو حتى مجنون ، أن يتصور أننا فى حال يسمح لنا بأن (نرفض) أو (نحاصر) أو حتى نفكر فى ذلك..ولكن يحق لنا بكل تأكيد أن تأبى عقولنا الإنسياق وراء هذه الدعوات المشبوهة ، وأن نحذر كل من كان له قلب أو عقل من هذه المخططات المريبة.. حتى إباء (العقول) أزعجهم و قضّ مضاجعهم!
وأخيرا نقول.. لماذا لا تصالح؟!..فنجيب بأن التصالح بهذا المفهوم (العدوانى) لا يراد منه أى تصالح ، وإنما –ببساطة- إستئصال لهويتنا وتميزنا كأصحاب دين سماوى ، لم تناله عقول البشر ولا أيديهم بتحريف على مر الأزمان ، يكرهه الكثير من (أصدقائنا) ليس لشئ إلا لعلمهم أنه مصدر قوتنا و عزتنا ، و ليس لديهم أمنية أغلى من أن يفيقوا يوما بعد سهرة (خمر) فى (الويك-إند) وقد ذهب الإسلام و أهله من هذه الدنيا. نريد من كل من ينعق بما لا يفهم.. أن يفهم! ، ومن كل من يردد تلك الشعارات البراقة.. أن يعرف فحواها وينظر بعين متفحصة إلى قعرها المنتن ، ليكون على بينة من أمره.. وقانا الله وإياكم شر الزيغ بعد الهدى.