كسوة الكعبة
كسوة الكعبة يقصد به اللباس الذي يكسو الكعبة، وكسوة الكعبة أمر معروف من زمن الجاهليين، لأنهم كانوا يكسونها، ويعتبرون ذلك من أعمال البر، ولما بعث الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام سنها وأقر عليها، وكانوا يتحرون إكسائها يوم عاشوراء.
وروى الأزرقي عن ابن جريح قال: كانت الكعبة فيما مضى إنما تكسى يوم عاشوراء، إذا ذهب آخر الحجاج، حتى كانت بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القُمص يوم التروية من الديباج، لأن يرى الناس ذلك عليها بهاءً وجمالاً، فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار.
وأول من كسى الكعبة بعد إسماعيل عليه السلام، هو ملك حمير تبع أبو كرب اسعد، وذلك قبل الهجرة بـ 220 عام، وتمت أول كسوة في عهد النبي بعد فتح مكة، لأنها كانت قد تعرضت للحريق في جزء منها أثناء قيام إمرأة بتبخيرها، وروي بإسناد صحيح عن وهب بن منبه أنه قال: زعموا أن النبي نهى عن سب أسعد، وهو تبع الحميري لأنه أول من كسى الكعبة.
ولم يكن للكعبة في كسوتها ترتيب خاص في الأزمنه أيام الخلفاء الراشدين، ولا لون محدد للكسوة، فالجاهليون كانوا يكسونها يوم عاشوراء، وفي خلافة المأمون كسيت الكعبة 3 مرات، يوم عاشوراء ويوم هلال رجب ويوم التروية، ثم تغير الأمر بعد ذلك، فصارت تستبدل ثوبها مرة واحدة كل عام، فيما يتم غسلها مرتين سنوياً: الأولى في شهر شعبان والثانية في شهر ذي الحجة، ويُستخدم في غسلها ماء زمزم، ودهن العود، وماء الورد، ويتم غسل الأرضية والجدران من الداخل بارتفاع متر ونصف، ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين.
واختصت مصر بعد ذلك بكسوة الكعبة الخارجية والداخلية كلها إلى عام 1118هـ، حيث أمر السلطان أحمد بن السلطان محمد الرابع بحياكة كسوة الكعبة الداخلية في إستنبول، فصنعت فيها وأرسلت في العام التالي، ومن ذلك الوقت اختصت استنبول بحياكة الكسوة الداخلية، إلى أن جاء عهد السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود الثاني حيث انقطعت الدولة العثمانية في استنبول من إرسال الكسوة الداخلية، ولما دخل الإمام سعود الكبير الحجاز انقطعت مصر أيضا عن إرسال الكسوة الخارجية، ثم عادت في إرسالها عندما استعادت الدولة العثمانية الحجاز.
ولما جاء عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمر بإنشاء مصنع للكسوة في مكة المكرمة في شهر محرم عام 1346هـ، فأنشئ المصنع في حارة أجياد أمام دار وزارة المالية، ثم نقل المصنع بعد ذلك إلى حارة جرول في عام 1382هـ، ثم نقل بعد ذلك عام 1397هـ في مساحة أكبر في أم الجود طريق جدة القديم.
ويصنع ثوب الكعبة من الحرير الأبيض الصافي الذي يستهلك 670 كلغ، وتتم صباغته باللون الأسود، وينقش عليه عبارات"لا إله إلا الله محمد رسول الله، جل جلاله، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، وأما الحزام وباب الكعبة، فيكتب عليها آيات قرآنية مختلفة مغطاة بسلك فضي مطلي بالذهب.
د. أبو شامة المغربي