ثقافة اليوم - محمد المرزوقي:
القراءة (الورقية) لدى القارئ العربي تأتي في المرتبة (17) في عصر الفضاء التقني المفتوح إلا أن الكتاب المسموع (Audio Books).
يأتي اليوم ضمن هذه المنظومة التقنية ولا يزال ينمو مع ازدياد انتشار دور النشر المتخصصة في الكتاب المسموع وتقديمها لأعداد هائلة ومتنوعة من الكتب المسموعة مما جعل المعرض الأخير في فرانكفورت للكتاب المسموع يشترك فيه (700) دار نشر قدمت فيه (2000) عنوان مما يلغي عالميا فكرة قصر الكتاب المسموع على المكفوفين والعاجزين وكبار السن.
لابد وأن تجمعنا مع الكتب المسموعة ذات يوم قصة، كقصة الأستاذ طارق أبو عبيد الذي يقول: قصتي في الاستماع إلى أكثر من 300كتاب مسموع ابتدأت منذ عشر سنوات، عندما أهداني صديق كتاباً مسموعاً بالإنجليزية. أثناء الدراسة في أمريكا حصلت على الكتب المسموعة من المكتبات التي تخصص قسماً خاصاً لها على أشرطة كاسيت أو أقراص وكانت بعض الكتب تصدر بالطبعة الورقية و المسموعة. كذلك كان بإمكاني الدخول عن طريق الانترنت إلى قاعدة بيانات موحدة للعشرات من المكتبات العامة في لوس أنجلس والبحث عن الكتب المسموعة. تشمل الكتب التي استمعت إليها الروايات و الدين والسياسة و إدارة الأعمال. ومؤخراً اشتركت بموقع www.audible.com ، حيث أصبح بإمكاني الاختيار من (40000) عنوان ثم تحميلها رقمياً والاستماع إليها عن طريق الحاسب أو جهاز آيبود مقابل أقل من عشرة دولارات للكتاب الواحد للمشترك.
تشير نتائج إحدى الدراسات الألمانية عن الكتاب المسموع بأن وضع القارئ الألماني تغير كثيرا مع نهاية عام 2007م فقد أصبح الكتاب المسموع في حياة القراء يحتل المركز الأول في ترتيب الوسائل التعليمية والأخرى التثقيفية حتى أن ( 82%) من الأطفال احترفوا سماع الكتب فأقلهم أتقن سماع (20) كتابا خلال عام واحد واعتبرت الدراسة أن النجاح المطرد منذ عام 2003م في صناعة الكتاب المسموع رفع حجم استثمارات دور النشر الألمانية في هذا المجال خلال العام الجاري إلى 300مليون يورو، ومن المنتظر الوصول بهذه الاستثمارات إلى 500مليون يورو خلال السنوات الخمس القادمة. كما أن أرباح دور نشر الكتاب المسموع الألمانية زادت هذا العام بنسبة ( 181%) وارتفعت من (2.1) مليون يورو في العام الماضي إلى (5.9) ملايين يورو في العام الجاري، وفي مجال هذه الصناعة ذكرت الدراسة أن عدد دور النشر المتخصصة في بيع وتوزيع الكتاب المسموع في ألمانيا وصل إلى (500) دار نشر تعرض اليوم أكثر من (20000) عنوان منها نحو (2000) عنوان لإصدارات مسموعة جديدة.
أما على المستوى العربي فالمجمع الثقافي في أبو ظبي كان له إسهامات في مضمار الكتاب المسموع التي يتحدث عنها أبو عبيد قائلا: تجربتي مع الكتاب المسموع عربياً معظمها عن طريق المجمع الثقافي في أبو ظبي الذي أصدر بعض الكتب الحديثة و مختارات من أمهات الكتب أو أمسيات شعرية لنزار قباني وعبد الله البردوني وغيرهما. على حد علمي توقفت إصدارات المجمع من الكتاب المسموع ولم تحظ بالتوزيع الجيد حتى عند بدايتها حيث كان الحصول عليها صعباً خارج معارض الكتاب. ما آسفني أن تلك الإصدارات كانت متاحة على موقع المجمع للاستماع لكنها حذفت من الموقع وأقترح على المجمع أن يعيدها ويتيح تحميلها من قبل زوار الموقع خدمةً للثقافة والمثقفين. لم تعد المسألة التقليدية (الخوف على الكتاب الورقي) تشغل ذهن القارئ اليوم بقدر ما يشغله تقنيات القراءة العصرية وتنوعها يقول الأستاذ محمد عبد الله القرني: فيما مضى كنا نخشى على الكتاب الورقي من الكتاب الالكتروني، ومع ذلك لا يزال الكتاب الورقي محتفظا بمكانته إلى اليوم كما أن الكتاب المسموع هو كتاب الكتروني - أيضا - بقالب آخر، إلا أن الورقي سيحافظ - أيضا - على مكانته من خلال قرائه ولكن أجيال الانترنت والثورة الرقمية القادمة لن نستطيع أن نتنبأ معها بأحوال الأوراق بشكل دقيق، إلا أن الكتاب الالكتروني سيكون حاضرا في قراءاتهم بشكل بديهي وتلقائي، فالكتاب المسموع اختزال للوقت والجهد مقارنة بالالكتروني والآخر الورقي الذي سيظل محتفظا بنسبة أعلى في رسوخ المعلومة لقلة مشتتات الانتباه التي تقل بصحبة الأوراق التي عادة ما يخصص القارئ لها وقتها ومع هذا فالكتاب المسموع يستطيع أن يثري حصيلة القارئ بشكل أكبر وبطريقة أسهل وبسعر أزهد. لم يحقق الكتاب المسموع في عالمنا العربي حتى اليوم الرواج الذي يكفل له الحد الأدنى من النجاح، وعن أبرز الأسباب التي تحد من نجاحه يقول طارق: عدم نجاح الكتاب المسموع في عالمنا العربي في رأيي إلى قلة المعروض منها وإلى أن المعرفة عموماً ليست قضية مؤرقة للفرد العربي وهذا مشاهد حتى في مبيعات الكتب الورقية المتدنية رغم تنوع العناوين والمجالات، ومشاهد أيضاً في نسبة السياح العرب المنخفضة من الذين يفضلون زيارات المتاحف والمعارض أثناء إجازاتهم وتفضيلهم للجلوس على المقاهي لقتل الوقت والكلام والاستعراض! كذلك ينقسم الأشخاص في طريقة تفضيلهم إلى تلقي المعلومة إلى سمعيين و بصريين. فلا عجب إن رأينا اختلاف تفضيل التعامل مع الكتاب بطريقة مقروءة أو مسموعة والكفة عالمياً ترجح دائما في صف الكتاب الورقي. أما بالنسبة لي، لقناعتي أن لدي الكثير لأقرأه من صحف وتقارير خاصة بالعمل في هذا الزمن المليء بالضغوط فسأستمر في التركيز على سماع الكتب وأنا أقود السيارة، وأنا أمارس الرياضة، وربما وأنا نائم!
المصدر