بغداد : من روائع حضارتنا !!!
كانت بغداد قبل أن يبنيها "المنصور" الخليفة العباسي الشهير , ضيعة صغيرة يجتمع فيها على رأس كل سنة التجار من الاماكن القريبة منها ..فلما عزم المنصور على بنائها , أحضر المهندسين واهل المعرفة بالبناء والعلم بالذرع والمساحة وقسمة بالأرضين ..ثم وضع بيده أول آجرة في بنائها وقال : " بسم الله الرحمن الرحيم , والحمد لله , والرض يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .ثم قال : ابنوا على بركة الله " .
بلغ مجموع ما انفق على بنائها أربعة ملايين و800 ألف درهم .وبلغ عدد العمال المشتغلين فيها 100 ألف عامل .
وكان لها ثلاثة اسوار يلي الواحد منها الآخر .. بلغ تعداد سكانها مليوني نسمة ..
وبلغت عدد دروبها وسككها ستة آلاف بالجانب الشرقي وأربعة آلاف بالجانب الغربي .
وكان فيها عدا دجلة والفرات 11 نهرا فرعيا تدخل مياهها إلى جميع بيوت بغداد وقصورها ..وكان في نهر دجلة وحده من المعديات - أي المعبرانيات - ثلاثين ألفا .
اما حماماتها فقد بلغت 60 ألف حمام ..وفي أواخر عهد العباسيين بها تناقص هذا العدد إلى بضعة عشر ألف حمام ..
أما مساجدها فقد بلغت 300 ألف مسجد ..
اما سكانها وكثرة العلماء والدباء والفلاسفة فيها فذلك ما لا يحيط به حصر ..ولننقل هنا ما قاله أبو بكر الخطيب في وصفها : " هذا إلى تركنا ذكر أشياء كثيرة من مناقبها التي أفردها الله بها دون سائر الدنيا شرقا وغربا , وبين ذلك من الخلاق الكريمة والسجايا المرضية , والمياه العذبة الغدقة والفواكه الكثيرة الدمثة والحوال الجميلة , والحذق في كل صنعة والجمع لكل حاجة , والأمن من ظهور البدع .....والإغتباط بكثرة العلماء والمتعلمين , والفقهاء والمتفقهين , ورؤساء المتكلمين , وسادة الحساب والنحوية ومجيدي الشعراء ورواة الأنساب والأخبار , وفنون الالآداب وحضور كل طرفة , واجتماع ثمار الأزمنة في زمن واحد ...لا يوجد ذلك في بلد من مدن الدنيا إلا بها , سيما زمن الخريف .
ثم إن ضاق مسكن بساكن وجد خيرا منه , وإن لاح له مكان احب إليه من مكانه لم يتعذر عليه النقلة إليه من أي جانب من جانبيه أراده ومن أي طرف من أطرافه خف عليه ....... ومتى هرب أحد من خصمه وجد من يستره في قرب او بعد , وإن آثر ان يستبدل دارا بدار او سكة بسكة أو شارعا بشارع أو زقاق بزقاق او غير ذلك من التبديل اتسع له الإمكان في ذلك حسب الحالة والوقت ....ثم عيون التجار المجهزين , والسلاطين المعظمين , وأهل البيوتات المبجلين , في ناحية ناحية , تنبعث الخيرات بهم إلى الذين هم في الحال دونهم غير منقطع ذلك ولا مفقود , فهي من خزائن الله العظام التي لا يقف على حقيقتها إلا هو وحده "
وقال أيضا :" لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة امرها , وكثرة أعلامها وعلمائها وتميز خواصها وعوامها , وعظم أقطارها وسعة أطرارها { أطرار : جمع طـُـر , وهو شفير النهر والوادي وطرف كل شيء وحرفه ل} ..وكثرة دورها ومنازلها ودربها وشعوبها , ومحالّها وأسولقها ومساجدها وحماماتها " رمز النظافة والنقاء " , وطرزها وخاناتها ... وطيب هوائها وعذوبة مائها , وبرد ظلالها وأفيائها , واعتدال صيفها وشتائها , وصحة ربيعها وخريفها وزيادة ما حصر من عدة سكانها .....
وأكثر ما كانت عمارة واهلا في أيام الرشيد , إذ الدنيا قارّة المضاجع , دارة المراضع , خصيبة المراتع مورودة المشارع
ثم حدثت بها الفتن وتتابعت على اهلها المحن , فخرب عمرانها وانتقل قطانها ,إلا انها كانت قبل وقتنا والسابق لعصرنا على ما بها من اختلال وتناقض في جميع الحوال , مباينة لجميع الأمصار, ومخالفة لسائر الديار " .