بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك أخى الكريم
قولك (
فالتحريم كان لعلة لشرك لذا حرم الله على المسلم الزواج من مشركة بينما الكتابية ليست مشركة لذا لم يحرم الله الزواج منها )
هذا الكلام فيه نظر وذلك لأن العلماء قالوا أن حكم نكاح الكتابية (اليهودية والنصرانية) مر بثلاث مراحل
المرحلة الأولى: منذ بداية الدعوة إلى صلح الحديبية في سنة ست من الهجرة، ففي هذه المرحلة أقر المسلمون على أنكحتهم، فكان من المسلمين من لم تؤمن زوجته، وكان من المسلمات من لم يؤمن زوجها، فأقروا على ذلك، والحكمة من هذا الإقرار أنها كانت مرحلة ابتداء الدعوة في قومٍ لم تكن لهم معرفة سابقة بها، ومنها: أن السلطان في مكة كان بيد أئمة الكفر، وأما سلطان المسلمين في المدينة فيما قبل الحديبية فكان في بدايته، وبحاجة إلى زيادة تثبيت، ومنها: أن تفاصيل علاقة المسلم بالكافر لم تكن قد تمت بعد.
صحيح أن ولاية القلب بين المؤمن والكافر قد قطعت، منذ أوائل مراحل الدعوة الإسلامية في مكة، إلا أن قطع مظاهر الولاية والأسباب المؤدية إليها، إنما يكون على التدريج، وبحسب ما يمكن الله عز وجل.
المرحلة الثانية: ابتدأت في السنة السادسة للهجرة، وهي سنة صلح الحديبية، وامتدت إلى نزول بعض آيات سورة المائدة في حجة الوداع في سنة عشر للهجرة، وفي هذه المرحلة حرم نكاح كل كافرة أو مشركة، لا فرق بين كتابية أو وثنية.
قال تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) [الممتحنة:10].
وقال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) [البقرة:221].
والحكمة من تحريم نكاح كل كافرة بما فيها الكتابية: أن تلك المرحلة كانت مرحلة بناء سلطان الإسلام في المدينة، وهذا يقتضي تربية الصحابة رضوان الله عليهم على معرفة جميع أوجه الولاية وأسبابها وقطعها جميعاً بينهم وبين ملل الكفر، فكان يخشى أن يكون نكاح الكتابية ذريعة إلى موالاة الكفار، لأن مظاهر الولاية وأسبابها، لم تكن قد قطعت كلها في ذلك الوقت، وهذا يناسب منع نكاح الكتابية، لأن نكاحها قد يكون مانعاً من التوغل في قطع أوجه الولاية، وأيضاً عقد الجزية، وشروط عقد الذمة لم تكن قد شرعت بعد، وهذه الشروط تسد الذرائع إلى الموالاة في حالة نكاح الكتابية، فلما لم يكن يعمل بها في تلك المرحلة، كان المناسب تحريم نكاح الكتابية لأجل التوغل في قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين.
المرحلة الثالثة: وفيها أحل نكاح المحصنات من أهل الكتاب، وبقي سائر الكوافر على التحريم، وابتدأت هذه المرحلة من سنة حجة الوداع، وهي سنة عشر من الهجرة.
قال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:5].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: قالت طائفة حرم الله نكاح المشركات في سورة البقرة، ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب، فأحلهن في سورة المائدة، وروي هذا القول عن ابن عباس، وبه قال مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن عمر، والأوزاعي. اهـ من القرطبي في تفسير آية البقرة
ومن هذا سيدى الكريم يتبين لنا أن التحريم كان لعلة الشرك كما ذكرتم
ولكن هل انتفى الشرك عن الكتابيه
والجواب لا فالكتابيه مشركه كما ذكر الإمام القرطبى رحمه الله فى قوله ( حرم الله نكاح المشركات في سورة البقرة، ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب)
وأذكرلك كلام إبن عادل فى تفسير اللباب
فصل في هل يتناول المشرك أهل الكتاب؟
لفظ « المشرك » ؛ هل يتناول أهل الكتاب؟
فالأكثرون على أن الكتابة تشمل لفظ المشرك ، ويدل عليه وجوه
أحدها : قوله تعالى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } [ التوبة : 30 ] ، ثم قال بعد ذلك : { سبحانه عما يشركون } [ التوبة : 31 ] وهذا تصريح بأن اليهودي ، والنصراني مشرك .
وثانيها : قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء } [ النساء : 48 ] ، فدلت هذه الآية على أن ما سوى الشرك فقد يغفره الله تعالى في الجملة ، فلو كان كفر اليهودي والنصراني ليس بشرك ، لوجب أن يغفره الله تعالى في الجملة ، وذلك باطل ، فعلمنا أن كفرهما شرك .
أما عن سؤالك سيدى الكريم (فكيف يلعن الرسول اهل الكتاب اليهود والنصارى ويجيز الله الزواج من كتابية ملعونة بلعنة رسوله صلى الله عليه وسلم لها ولقومها كما في الحديث السابق)
أقول لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب لما جاء فى الحديث أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
فاللعنه ثابته لهم
وأما عن الحكمه فى إباحة الزواج من الكتابيه مع أنها مشركه ثبتت لها اللعنه
فأنقل لك كلام علمائنا الذين لم يتركوا أمر إلا وتكلموا فيه وبينوه رضى عنهم جميعا
قالوا
أولا
وإنما أبيح نكاح الكتابيات في آخر الأمر، لأن المسلمين قد وصلوا إلى الغاية في قطع أوجه الولاية بينهم وبين الكافرين، فلا ضرر على المسلم في نكاح الكتابية، وهو لا يحل أن يسكن معهم، ولا أن يبدأهم بالسلام، ولا أن يتشبه بهم، ولا أن يتخذهم بطانة ووليجة وأولياء! فمثل هذا النكاح لا يضر المسلم في الغالب، فجانب الضرر على عقيدة المسلم مأمون، مع ما فيه من مصلحة للطرف الآخر، وذلك أن يبعد الكتابيات عن ملة الكفر، ويمنعهن من إظهار الكفر في بيوت أزواجهن، ويفرض عليهن إسلام الأبناء والبنات من الأزواج المسلمين، مع ما أوجبه الله على الأزواج المسلمين من إحسان عشرتهن ومعاملتهن بالمعروف، فيكون هذا وسيلة لاستدراجهن وأقربائهن إلى الإسلام. ومن الحكم أيضاً في تخصيص حلَّ نكاح نساء أهل الكتاب دون غيرهم من الكفار إيجاد أرضية مشتركة ببيننا وبينهم من الإيمان بالله وبرسله وكتبه على وجه الإجمال، فكان هذا عاملاً محفزاً لدعوتهم، ليبين لهم الهدى فيما ضلوا فيه.
وقالوا أيضا
أجاز التزوج من المحصنات من أهل الكتاب وذلك لأن الكتابية – وقد آمنت -في الجملة- بالله وبعض كتبه واليوم الآخر - وبعض الرسل – قد تميل إلى الإسلام إذا عرفت حقيقته، فرجاء إسلامها أقرب من رجاء إسلام الوثنية، كما قال الكاساني: ( إلا أنه يجوز نكاح الكتابية لرجاء إسلامها، لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل، بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته. فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت، وتأتي بالإيمان على التفصيل، على حسب ما كانت أتت به في الجملة، وهذا هو الظاهر من حال التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطبع، والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة، فإنها في اختيارها الشرك، ما ثبت أمرها على الحجة، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك …) [بدائع الصنائع (3/1414)] . وقال في حاشية المنهاج للنووي: ( وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها، إذ الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات، ولهذا حرمت المسلمة على المشرك ) [المنهاج مع الحاشية
(3/187)].