التطور التاريخي للماسونية في الشرق الأوسط
كانت تركيا .. المحطة الأولى في المنطقة لإعلان هذا النشاط، ثم جاء الأردن ثانية، ولا ندري أين ستكون المحطة الثالثة؟ الماسونية كما هو ثابت نتاج الفكر اليهودي، وتركيا ترتبط مع الكيان الصهيوني بحلف استراتيجي، فهل هناك علاقة تجمع بين أطراف هذا الثالوث؟ وما قصة الماسونية في تركيا؟.. وماذا فعلت فيها؟ ولنبدأ من البداية:
اسطنبول:
تأسس أول محفل ماسوني في الدولة العثمانية عام 1861م تحت اسم "الشورى العثمانية العالية" ولكنه لم يستمر طويلاًً، فالظاهر أنه قوبل برد فعل غاضب مما أدى إلى إغلاقه بعد فترة قصيرة من تأسيسه. ومن المعروف أن أول سلطان عثماني ماسوني كان السلطان مراد الخامس الشقيق الأكبر للسلطان عبد الحميد الثاني والذي لم يدم حكمه سوى ثلاثة اشهر تقريباً عندما أقصي عن العرش لإصابته بالجنون. وقد انتسب إلى الماسونية عندما كان ولياً للعهد وارتبط بالمحفل الإسكتلندي، كما كان صديقاً حميماً لولي العهد الإنجليزي الأمير إدوارد "ملك إنجلترا فيما بعد" الذي كان ماسونياً مثله، حتى ظنّ بعض المؤرخين أن ولي عهد إنجلترا هو الذي أدخله في الماسونية، ولكن هذا غير صحيح لأنه كان ماسونياً قبل تعرفه إلى الأمير "إدوارد" .
وكان من النتائج الخطيرة لتواجد المحافل الماسونية الأجنبية داخل حدود الدولة العثمانية احتضان هذه المحافل حركة "الاتحاد والترقي" وهي في مرحلة المعارضة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأصبحت المحافل الماسونية محل عقد اجتماعات أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بعيداً عن أعين شرطة الدولة وعيونها لكونها تحت رعاية الدول الأجنبية ولا يمكن تفتيشها. ويعترف أحد المحافل الماسونية التركية الحالية وهو محفل "الماسونيون الأحرار والمقبولون" في صفحة "الإنترنت" التي فتحوها تحت رموز: بأنه : "من المعلوم وجود علاقات حميمة بين أعضاء جمعية الاتحاد والترقي وبين أعضاء المحافل الماسونية في تراقيا الغربية، بدليل أن الذين أجبروا السلطان عبد الحميد الثاني على قبول إعلان المشروطية كان معظمهم من الماسونيين".
يقول المؤرخ الأمريكي الدكتور "أرنست أ. رامزور" في كتابه "تركيا الفتاة وثورة 1908م" وهو يشرح سرعة انتشار حركة جمعية الاتحاد والترقي في مدينة سلانيك:
"لم يمض وقت طويل على المتآمرين في سلانيك وهي مركز النشاط حتى اكتشفوا فائدة منظمة أخرى وهي الماسونية، ولما كان يصعب على عبد الحميد أن يعمل هنا بنفس الحرية التي كان يتمتع بها في الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية فإن المحافل الماسونية القديمة في تلك المدينة استمرت تعمل دون انقطاع ـ بطريقة سرية طبعاً ـ وضمت إلى عضويتها عدداً ممن كانوا يرحبون بخلع عبد الحميد."
ثم يقول "ويؤكد لنا دارس آخر أنه في حوالي سنة 1900 قرر "المشرق الأعظم" الفرنسي (أي المحفل الماسوني الفرنسي) إزاحة السلطان عبد الحميد وبدأ يجتذب لهذا الغرض حركة تركيا الفتاة منذ بداية تكوينها. ثم إن محللاً آخر يلاحظ: يمكن القول بكل تأكيد إن الثورة التركية (أي حركة جمعية الاتحاد والترقي) كلها تقريباً من عمل مؤامرة يهودية ماسونية".
ويقول "سيتون واطسون" في كتابه "نشأة القومية في بلاد البلقان": "إن أعضاء تركيا الفتاة ـ الذين كان غرب أوروبا على اتصال دائم معهم ـ كانوا رجالاً منقطعين وبعيدين عن الحياة التركية وطراز تفكيرها لكونهم قضوا ردحاً طويلاً من الزمن في المنفى، وكانوا متأثرين وبشكل سطحي بالحضارة الغربية وبالنظريات غير المتوازنة للثورة الفرنسية. كان كثير منهم أشخاصاً مشبوهين، ولكنهم كانوا دون أي استثناء رجال مؤامرات لا رجال دولة، ومدفوعين بدافع الكراهية والحقد الشخصي لا بدافع الوطنية. والثورة التي أنجزوها كانت نتاج عمل مدينة واحدة وهي مدينة سلانيك إذ نمت وترعرعت فيها وتحت حماية المحافل الماسونية "جمعية الاتحاد والترقي" وهي المنظمة السرية التي بدلت نظام حكم عبد الحميد.
وكما كان عهد الاتحاديين هو العهد الذهبي بالنسبة لليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين كذلك كان العهد الذهبي في فتح المحافل الماسونية في طول البلاد وعرضها في الدولة العثمانية. يقول فخر البارودي في مذكراته واصفاً وضع دمشق بعد وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم : "وقد ساعد الاتحاديين على نشر دعايتهم اللوج ـ أي المحفل ـ الماسوني الذي كان مغلقاً قبل الدستور" ثم يقول: "وبعد الانقلاب فتح المحفل أبوابه، وجمع الأعضاء شملهم وأسسوا محفلاً جديداً أسموه محفل "نور دمشق" وربطوه بالمحفل الإسكتلندي"
ولكي نعرف مكانة المحافل الماسونية لدى أعضاء جمعية الاتحاد والترقي نسوق هنا اعتراف أحد أعضائهم: "كان هناك نوعان من الأعضاء في الجمعية: أحدهما مرتبط بالمحفل الماسوني وهذا كنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب والأم، وآخر غير مرتبط بالمحفل الماسوني، فكنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب فقط". وفي كتاب نشره الماسونيون في تركيا تحت عنوان "الماسونية في تركيا وفي العالم" يتحدث عن دور المحافل الماسونية في إنجاح حركة الاتحاديين: "وقد انتشرت الماسونية بشكل خاص في سلانيك وحواليها. ومع أن عبدالحميد حاول أن يحد ويشل الحركة الماسونية هناك، إلا أنه لم يوفق في مسعاه" ، "وقد قامت هذه المحافل، لاسيما محفل "ريزورتا" ومحفل "فاريتاس" بدور كبير في تأسيس وتوسيع حركة جمعية الاتحاد والترقي، كما كان للماسونيين دورهم في "إعلان الحرية" سنة 1908م.