* حسن ونعيمة *
......................
لا أذكر أين ولا متى التقيت بعبد الرحمن الخميسى للمرة الأولى . ربما اتصلت به فى التليفون ، أسأله رأيه فى بعض القضايا الثقافية ، وربما التقيت به فى مبنى الجمهورية . ولعلى تعرفت إليه فى مسرح الكورسال ، حيث كان يجرى بروفات مسرحية " حسن ونعيمة " ..
كنت قد قرأت للخميسى قصائد وقصصاً قصيرة فى المصرى والنداء ، وصياغته لألف ليلة وليلة . وشاهدت فيلم " حسن ونعيمة " الذى قامت ببطولته أشد فنانات جيلنا مصرية : سعاد حسنى ..
ما أذكره أنه اجتذبنى إليه فى لقائنا الأول ، ذلك الذى لا أذكر أين ولا متى حدث . اختلاط الطيبة والبساطة والثقافة والشخصية الآسرة . ما يسمى بالكارزماتية . لا يشخط ، ولا ينطر .. لكن الجميع ينفذون أوامره ، فلا أسئلة ولا استفسارات ..
تكررت الموضوعات التى أخذت فيها رأيه . وطلب كمال الجويلى ، الناقد التشكيلى ، ورئيسى فى العمل ـ ذات مساء ـ حواراً سريعاً مع شخصية معروفة ، فاتصلت بالخميسى . لم أجده . تجرأت ، فأجريت الحوار بينى وبين نفسى ، وقدمته إلى الجويلى ..
قال الخميسى ، بعد أن قرأ الحوار :
ـ متى أجريت معى هذا الحوار ؟
ـ كتبت ما أعرف أنها آراؤك ..
قال فى بساطته الطيبة :
ـ لم أكن أتصور أنك تجيد التعبير عن رأيى إلى هذا الحد ..
ترددت على مسرح الكورسال . تابعت بروفات " حسن ونعيمة " . الخلفية الموسيقية ترديد لمقدمة البرنامج الإذاعى ، وإن ميزت سعاد حسنى وسلوى محمود من بين زواره فى المسرح ..
طالت البروفات ـ ليلة ـ فقرر الخميسى أن يستكمل قراءة النص فى شقة بأول شارع شبرا ..
انتهت بروفة القراءة ، وبدأ الممثلون فى العودة إلى بيوتهم . دس الخميسى فى أيدى البعض ما لم أتبينه . فوجئت ـ وهو يصافحنى ـ أنه وضع فى يدى عملة ورقية . فردت يدى على الخمسين قرشاً ..
ـ ما هذا ؟
ـ مواصلاتك ..
غلبنى التأثر فبكيت . طفرت الدموع من عينى ، فلم أستطع إسكاتها . سقطت الورقة وإن ظلت يدى مفرودة كجزء من تمثال ..
بعد غيبة منى ، جاءنى صوته الضاحك ، العميق ، على التليفون :
ـ مخاصمنى ؟!.. فمن سيكتب حواراً معى دون أن أعرف ؟!
* أمل حياتى *
قال الطبيب : لا أمل ..
داخلنى عاملان : توقى لأن أصبح أباً ، وإشفاقى الدائم من تحمل مسئولية الآخرين . ولأن ظروفى المادية لم تكن تتيح لى الأبوة التى أريدها ، ولا لأبنائى المحتملين ما يجب أن أوفره لهم من رعاية ، فقد أعددت نفسى لتقبل الحياة بلا أبناء ، وتصورت أن هذا هو ما أعدت زوجتى نفسها لتقبّله ..
فى زيارة إلى الطبيب للسؤال عن ظواهر مرضية شكت منها زوجتى ، قال الطبيب فى بساطة : مبروك .. المدام حامل ..
ارتبك المستقر ، واختلطت التوقعات . وحين ولدت ابنتى ، لم أكن أعددت نفسى لاختيار اسمها . أهملت الأمر حتى نبهتنى الحكيمة فى مستشفى الدكتور فؤاد رخا ، المطلة على ميدان روكسى :
ـ المفروض أن تبلغ المستشفى مكتب الصحة باسم المولودة ..
بدا الاختيار صعباً فى ارتباكات اللحظة . تناهى ـ من النافذة ـ صوت أم كلثوم . أمل حياتى ، أشهر الأغنيات فى ذلك العام ..
قال الممرض :
ـ أمل .. لماذا لا يكون هذا هو الاسم ؟
تبادلنا ـ زوجتى وأنا ـ النظرات ..
وابتسمنا .