* ليه يا بنفسج *
.............
كان أبى يحب الغناء القديم ، ويحب الأصوات التى تحرص على التطريب : أم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد وهدى سلطان وشهرزاد وعباس البليدى ومحمد فوزى وغيرهم ..
كانت أحب الأغنيات إلى نفسه أغنية صالح عبد الحى : " ليه يا بنفسج بتبهج .. وانت زهر حزين " . يحدثنا عن دلالة الكلمات ، وجمال اللحن ، وعذوبة الأداء ، والتطريب . التطريب ـ فى رأيه ـ هو ما يميز الأغنية العربية ..
ظل أبى ينام على كرسى أعواماً طويلة . يجلس عليه ، ويسند ذراعيه على كرسى آخر . المرة الوحيدة التى تصور فيها أنه يمكن أن ينام على السرير لحقته أزمة الربو ، وأيقنت أمى أنه مات .
مثلما كانت طريقة نوم أبى غير عادية ، فقد كان نومه كذلك غير عادى . لحظات إغفاء متقطعة ، يصحو منها على ألم فى الكوعين ، أو الساعدين . يحركهما فى الهواء ، ويضع فنجان القهوة على السبرتاية وهو يدندن بأغنيات يحبها ، أذكر منها أغنية صالح عبد الحى ..
كان النوم يفاجئ أبى وهو فى طريقه إلى المطبخ ، أو إلى دورة المياه . يسقط من طوله . نصحو على صوت ارتطام جسده بالأرض . نفزّ من أسرّتنا ، ونجرى ناحية الطرقة . يلوح بيده وهو فى موضعه بما يعنى طمأنتنا . تمتد أيدينا ، تعينه على القيام . تكرر الأمر كالنسخ الكربونية . نصحو على صوت الارتطام . نجرى ـ يسبقنا التوقع ـ ناحية الطرقة ..
صرنا نفزّ من أسرّتنا لأقل صوت . نحدس أن النوم فاجأ أبى فى سيره . تعذّر ـ لظروفنا المادية السيئة ـ تنفيذ ما اقترحته أختى بأن نفرش أكلمة أسيوطى فى المسافة ما بين حجرة أبى والمطبخ ، آخر الطرقة ..
عرضت أختى أن تنام فى حجرة أبى . نومها خفيف ، فهى تصحو على حركة أبى بين حجرته والطرقة المفضية إلى المطبخ ودورة المياه ..
صحونا ـ ليلة ـ على ترنم أختى بأغنية صالح عبد الحى ، وصوت أبى يعلو بالثناء :
ـ لو مش عيب .. كنتى بقيتى مطربة قد الدنيا !