يجلس السي ابراهيم في ركن منعزل بغرفته المظلمة, ركبتاه الهزيلتان ملتسقتان ببطنه من شدة الضعف,ربطوا مبوله بأنبوب موصول بكيس بلاستيكي, لون البول أحمر قاتم, وجهه شاحب شديد الاصفرار ،سلمت عليه لم يرد السلام , مشغول بألمه , سألته كيف الحال قال لي :حالتي زبالة لابد لي من الذهاب إلى المستشفى إن الخليجي صاحب القناة الفضائية لم تنفعني أعشابه، يغتني من ضرر المرضى.
عندما يتكلم السي ابراهيم تحس بأنه مثقف ،خبير في كل الأمور ،لأنه من المعارضين السابقين لا زالت تؤثر فيه الأفكار التقدمية، فهو يعارض في كل شئ، دعوته للصلاة عارضني، دعوته لأداء فريضة الحج عارضني، الشئ الذي لا يمكن المعارضة فيه هو حكم الله تعالى، فتراه عاجزا عن فعل أي شئ ينقده من هذه الافة ، افة السرطان الذي ينهش أحشاءه يوما عن يوم .
جمع قواه وأنزل رجليه المتثاقلتين من أعلى السرير،رغبته في الحياة شديدة قال لي ابنه :إنه لا يريد الرحيل يحب الدنيا أكثر من الاخرة ، تحس به عندما يتكلم وكأنه في صحة جيدة، لا يعاني من أي شئ ، نظر إلي وكأنه يأمرني، خذني إلى عيادة المسالك البولية ، قلت له: إنك قمت بعملية جراحية ولم تفدك شيئا ، قال لي: سأذهب لأسبهم فقط فأبناء الكلب شقوا بطني وأغرقوني ديونا ولم يفعلوا لي أي شئ ، يجب عليهم إعادة الفحوصات الطبية وفعل أي شئ لإنقاذي .
نهظ من مكانه متمايلا وضع عليه جلبابا أبيض اللون لا تميز بينه وبين لون بشرته أحضرت له نعلا باليا أدخل فيه رجليه بمشقة حاول المشي بصعوبة و كأنه طفل صعير يخطوا الخطوات الأولى ، متمايلا يمينا وشمالا كاد أن يقع على الأرض لولا أن أمسك به ابنه وحمله كالرضيع بين يديه،جلس على الكرسي الأمامي توجهنا إلى العيادة المتعددة الاختصاصات وجدنا الطبيب نظر إليه نظرة تمعن ، ابتسم في وجهه وحدق فينا بنظرة يائسة، أخذني جانبا وقال لي : أرجعوه إلى بيته ليموت هناك فالسرطان انتشر في جسمه كاملا ، إنكم هنا تريدون ضياع المال .
رجعنا للتو إلى البيت وكان الليل حالكا و الجو باردا من حين لاخر تتقساقط بعض قطرات المطر ، عندما وجهت السيارة صوب البيت قال لي: ماذا تفعل خذني إلى عيادة أخرى قلت له :حاضر يصبح ويفتح ، ساخذك غدا أينما تريد، ستكون بصحة جيدة.
عدت إلى بيتي تمددت على السرير لأسترجع أنفاسي بعد تعب يوم طويل، أخذتني غفوة أراحت أعصابي لكن تفكيري كله كان مع حالة السي ابراهيم، وأنا في غرق النوم سمعت صوت الهاتف يرن ، اطلعت على الرقم فكان غير غريب عني، أصبت برعشة يشوبها خوف شديد، ضغطت على الزر وقال لي ابنه: إن أبي يحتظر لبست جلبابي وانتعلت بلغتي، خرجت مسرعا ماذا عساني أن أفعل، تثاقلت وبدأت أفكر، المسافة بيني وبين بيت السي ابراهيم قصيرة لكنها طالت استرجعت فيها تاريخا طويلا بكل تفاصيله، استأذنت ودخلت البيت صعدت السلم ،أعرف الطريق جيدا ، انحرفت يمينا ودخلت الى غرفته ، وجدته ملقى على ظهره عيناه تحدقان إلى السماء غلب البياض على السواد ، فمه مفتوح مشرع، تعصره سكرات الموت ، دنوت منه خاشعا لأن ملك الموت حاضر بيننا، وضعت يدي على رأسه وكأنه قطعة ثلج، تأملت فيه جليا إنسان يموت، لم أتعرض سابقا لمثل هذا الموقف المهيب الجليل ، قرأت عليه شيئا من القران، ماذا ينفع القران حين يحين الأوان، كان ملحفا بغطاء حتى صدره شعرت بحركة فيها انفعال، يد قوية تجر اللحاف، غطى وجهه ، أصبت برعب شديد، ثقل اللسان توقفت كلمات القران، نسيت اية الكرسي ، ماذا أصابني كيف أنساها وأنا أتلوها كل يوم عندما أنام ، تذكرت الشهادة قلت له لو تسمعني قل : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أصدر صوتا مغمغما والتفت جانبا، ازددت رعبا وخوفا رجعت إلى الخلف وخرجت مسرعا ، خرجت إلى باب المنزل وجدت الأولاد الثلاثة يتعاركون مابكم أذهبوا و اجلسوا مع أبيكم قال لي الصغير: إن أخانا الكبيرسرق بطاقة السحب الاليكتروني من جيب أبينا وبحث عن الرقم السري ووجدناه يسحب الأموال من البنك دون علمنا ، ازددت ألما وكابة عندما رأيت هذا العراك و الناس تراقب هذه المشاهد من خلف شقوق النوافذ، هدأت من روعهم وطلبت منهم الحرص لى تأجيل كل الخلافات حتى يدفن الاب .
دخلنا باب المقبرة تذكرت يوم ماتت زوجة السي ابراهيم ، ونحن نحمل نعشها التسقت يد النقالة بقميصه دفع النعش جانبا وقال اتركيني، ارتحت منك اليوم وتريدين جري معك إلى القبر، ما أتفه هذه الدنيا تمر بسرعة البرق ، بين دفن الزوجة ودفن السي ابراهيم وقت طويل لكنني أشعر به الان وكأنه قبل حين.
محمد يوب
8|12|2009