علماء بلاد الشام
ينعون للعالم الإسلامي وفاة العلامة المربي الفقيه الأديب
الشيخ محمد أديب الكلاس رحمه الله تعالى
عن عمر ناهز (88) عاما ً أفناها في العلم والتعليم.
والذي توفاه الله تعالى صباح يوم الأربعاء 21/10/2009م
نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
الصلاة عليه في جامع بني أمية الكبير بعد صلاة العصر اليوم (الأربعاء)
ويدفن في مقبرة باب الصغير
التعزية في جامع أبي أيوب الأنصاري – الزاهرة
إنا لله وإنا إليه راجعون
ترجمة العلامة المربي الزاهد الفقيه الشيخ
محمد أديب الكلاس حفظه الله تعالى
العلامة المربي الزاهد الفقيه الشيخ محمد أديب الكلاس بن أحمد بن الحاج ديب الدمشقي أصلاً و الكلاس شهرةً و عملاً.
ولادته ونشأته :
ولد في دمشق الشام في حي القميرية عام 1921 وسمي محمد ديب الكلاس والده أحمد الكلاس كان مجاهداً ضد المستعمر الفرنسي ، وكان ذا حجة بينة مستحضراً لكتاب الله عز وجل ، وكانت له شهرة بإتقانه لعمله . ووالدته هي السيدة درية الكلاس وقد عرفت بسعة الصدر والأخلاق الحسنة والحلم والأدب وقد توفيت والشيخ محمد أديب الكلاس غلام فقامت ببعض شؤونه أخته بشيرة وخالته امرأة أبيه وقد ُُُعرف منذ صغره بنشاطه وذكائه واعترافه بالحق لغيره .
شيوخه في تحصيل العلوم :
أودعه والده في كتاتيب المشايخ لتلقي العلوم النافعة وهذه مدارس أهلية تأخذ أقساطاً مقابل تعليم الطلاب رغبةً منه بنشأته بعيداً عن المدارس الحكومية أيام الاحتلال الفرنسي ، فدرس في المدرسة الكاملية ، ثم المدرسة الجوهرية السفرجلانية حيث أدرك الشيخ الجليل محمد عيد السفرجلاني وهو يومئذٍ شيخ الشام على الإطلاق ، ثم انتقل إلى المدرسة الأمينية وكان فيها من الأساتذة الشيخ كامل البغال . ودرسه أيضاً الشيخ محمد خير الجلاد ، ثم انتقل بعد ذلك إلى الكتّاب وجامع الشيخ عبد الله المنجلاني ، ثم إلى مدرسة الإرشاد و التعليم .
ولما بلغ عشر سنوات عام 1931 قرأ على الشيخ محمد صالح الفرفور الأربعين النووية و مبادئ الفقه بنور الإيضاح ثم وضعه والده بمهنة الخياطة وكان يعمل حتى منتصف الليل ، فلم يستطع متابعة الشيخ محمد صالح الفرفورفي هذه الآونة .
عمل بعد ذلك مع والده بحرفة الكلاسة ، وصار يتردد إلى حلقتين حلقة مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ سهيل الخطيب وحلقة الشيخ هاشم الخطيب يقرأ ون فيها القرآن الكريم .
ثم كان سبب عودته لتلقي العلوم على الشيخ محمد صالح الفرفور أن الشيخ أديب الكلاس كان يحل معضلات الحساب لأخيه الأصغر في صفوف دراسته المتقدمة، فيتعجب أخوه منه ويقول له لو درست معي لحصّلت أعلى الدرجات وكان الأخ الأصغر رمزي وهو أخ لأب لا يستطيع شرح الدروس كما تلقاها من أساتذته . فيقول للشيخ محمد أديب الكلاس لو تذهب معي إلى المسجد ستجد جوابا ًلأسئلتك ا لمركزة ، فقال له : أعلم ذلك وعاد لتلقي العلم بشغف وشوق .
فلما رآه العلامة الشيخ محمد صالح الفرفور ثانية رحب به وقال له : وجهك أم ضوء القمر . لما عرف منه من نباهته وفطنته وحفظه . وجعله في حلقة الأستاذ عبد الحليم فارس ، فقرأ عليه كتب الدروس النحوية الجزء الثاني ، وحاز المرتبة الأولى بالامتحان به ، وكانت جائزته هدية من المربي العلامة الشيخ محمد صالح الفرفور كتاباً الرسالة القشيرية ، وما يزال الكتاب عند الشيخ يعتز به ثم قرأ الكتاب الثالث والرابع و ابن عقيل و البلاغة الواضحة ، وقرأ أيضاً عند الشيخ عبد الرزاق الحلبي بعض متون الفقه ، ثم قرأ علم التوحيد من أمهات الكتب المعتمدة على الشيخ العلامة محمد صالح الفرفور، وتعلم منه جل أبواب العلوم والفنون والمنطق والفرائض والتفسير والحديث والفقه والعروض ومصطلح الحديث والتصوف والتجويد وبعضاً من خلاصة الحساب للإمام العاملي .
كان الفجر عند الشيخ وقتاً للعبادة ثم وقتاً للدرس في حاشية ابن عابدين ومساءً بعد المغرب متابعة للدروس أما نهار الشيخ أديب فكان عملأً مع والده .
ولقد حفظ الشيخ ألفية ابن مالك وكتب خلاصة دروسه وكررها للحفظ أثناء عمله في النهار .
نبغ الشيخ نبوغاً كبيراً وكأنه حوى في صدره كل ما قرأه ووعاه حتى غدا جبلاً من جبال العلم يمشي على الأرض و مع ذلك لم يترك مساعدة والده في عمله ، وكان يحرص على نيل رضاه يعمل معه نهاراً و يتابع تحصيله العلمي ليلاً .
أراد الله له أن يتفرغ لأمور الدعوة إلى الله تعالى ، فكان إماماً وخطيباً في العديد من مساجد دمشق ، ومدرساً للعلوم التي تلقاها من مشايخه ، ثم كلل الشيخ علومه بالقراءة على العلامة الطبيب الشيخ محمد أبو اليسر عابدين مفتي سوريا الذي كان يقول له : " ليتني عرفتك من قبل " لما أعجبه من علمه ، وإطلاعه ، وتدقيقه لمسائل العلوم ، والحجة البالغة والتواضع والزهد .
قرأ على الشيخ العلامة محمود فايز الديرعطاني بعضاً من سور القرآن الكريم ، وطالما سر العلامة الديرعطاني منه لنباهته وفطنته وكان يسأل في بعض المسائل فيعجبه جواب الشيخ أديب الكلاس .
كذلك قرأ على الشيخ فوزي المنّير، وعلى الشيخ أحمد عبد المجيد الدوماني وهو من تلاميذ الشيخ محمد سليم الحلواني شيخ القراء في عصره ، كما قرأ أيضاً القرآن على الشيخ أبي الحسن الخبازو كان معروفاً بإتقانهلكتاب الله عز وجل.
شيوخه في الإجازة :
أجازه العلامة الشيخ محمد صالح الفرفور إجازة عامة بالعلوم الشرعية والعربية وغيرها، كما أجازه الشيخ الطبيب أبو اليسر عابدين مفتي الجمهورية العربية السورية سابقاً .
أيضاً نال إجازة من الشيخ المربي محمد سعيد البرهاني بالطريقة الشاذلية ، وقد أكرمه الله بإجازة من الشيخ أحمد وهاج الصديقي الباكستاني مولداً والمكي إقامة بالطريقة النقشبندية ، والتشتية، والقادرية ، والسهرودية ، والقلندرية .
وتبادل الإجازة مع الشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ محمد بن علوي المالكي .
والشيخ وفي أسفاره إلى الحجاز كان يلتقي مع كبار العلماء و المحدثين ويتبادل الإجازات معهم فإذا حضر بعض طلاب الشيخ أو أولاده ذلك عُرف ذلك وإلا فالشيخ لا يذكر ذلك بلسانه تواصفاً وخشيةً من الله أن يدخله العجب بنفسه ويقول أنا كلاس ما عندي شيء والفضل لله وحده .
عنايته بالعلم والتعليم والإرشاد :
برع الشيخ بالمناظرة وإبطال الشبهات ، والرد على أهل الأهواء والملحدين والمبتدعين ، كما أن له شغفاً بالتوحيد وعلم الكلام لذلك فهو صاحب حجة وبرهان وإقناع مع رحابة صدر شديدة وتواضع جم وزهد كبير .
له حظ كبير في علوم الفرائض والفقه و علوم الآلة ، ولعل أحب علم لديه هو الفقه والتوحيد ولقد وصفه الشيخ أبو اليسر عابدين بأنه يشبه الفاروق ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه لما يتمتع به من طبع يقارع الباطل ولا يخشى في الله لومة لائم .
وكان ُيدرس في معهد الفتح الإسلامي منذ تأسيسه ، والمدرسة الأمينية ، وبعض الثانويات كدار الثقافة وثانوية الشرق .
وكان يتواضع لطالب العلم ، ولا يرد طالباً ، وكان إذا طلب منه قراءة متن في مبادئ العلوم أو الفقه لا يصرف الطالب أبداً ويقول له هذه أوقات فراغي إن وجدت ما يناسبك فضع الوقت الذي تريده فنقرأ فيه معك وكان يسأل عن تلامذته وطلابه فيقول : هؤلاء أساتذتي فالعلم يزكو بالإنفاق ، والفضل بيد الله ، وكان لا يصدر عن فتوى إلا بالقول الراجح المعتمد، وإذا ضاق الأمر على السائل ذهب معه إلى أصحاب المذاهب الأخرى المعتمدة إن علم أن له جواباً عندهم .
فتح الشيخ داره لكل سائل يرجو بذلك ثواب الله وحده ، وما دعي إلى خير و إصلاح ذات البين إلا أجاب ، وما دعي إلى معروف إلا وسعى فيه ليتمه .
تلاميذ الشيخ :
تلاميذه هم الذين قرأوا عليه أو حضروا دروسه وهم لا يحصون كثرةً من بلاد العالم الإسلامي كله ، و من الذين تخرجوا من معهد الفتح الإسلامي وقد أجاز الشيخ طلابه الذين تخرجوا من معهد الفتح الإسلامي ، أو واظبوا على درسه ورأى فيهم نباهة طلاب العلم ، فأجازهم جميعاً بإجازاته عن شيوخه بالمعقول والمنقول وأوصاهم التزام المذاهب الأربعة الحنفي والشافعي والمالكي والثابت عن الإمام أحمد بن حنبل ، مع مواصلة العلم والتحصيل والدعاء له في ظهر الغيب .
من قرأ على الشيخ أحبه ومن سأله مرةً يصادقه ، ومن دخل داره يعلم تواضعه ، ومن سمع كلامه علم إنصافه ، ومن نظر إليه رأى نوره وهيبته .
وظائفه التي تقلدها :
شغل الشيخ منصب خطيب في مسجد " تحت القناطر " قرب مكتب عنبر وفي مسجد القطط قرب الجامع الأموي وكذلك مسجد السيدة رقية رضي الله عنها في محلة العمارة ، ثم في مسجد تنكز، وكذلك عمل خطيباً وإماما في جامع الخير في حي المهاجرين، ومدرسا فيه للفتوى ، وأخيراً ًشغل منصب خطيب جامع الحمد على رابية قاسيون المطلة على دمشق ، كما و يدرس في معهد الفتح الإسلامي وفي قسم التخصص بفرعيه للإناث والذكور ودرس في ثانويتين دار الثقافة ، وثانوية الشرق ،والمدرسة الأمينية التي كانت في باب الجابية .
ُطلب الشيخ إلى التوجيه والتعليم والدعوة في بلاد كثيرة عربية وغير عربية فلم ُيعر اهتماماً لذلك وبقي يقول عن شيوخه وطلابه ولا تنسوا الفضل بينكم.
بعض أخلاق الشيخ :
- كان الشيخ كريماً يجود بكل ما في يده .
- يتواضع لطالب العلم .
- يكره الظلم ويعين المظلوم .
- من استدان من الشيخ مالاً لا يطالبه بماله ولو لم يعطه .
- لا يحب أن يستأثر بالخير لنفسه ويؤثر غيره على نفسه .
- متأدباً مع شيوخه وأهل العلم .
- صاحب دعابة وتودد ولطف .
- يحب صلة الرحم كثيراً ويقوم بشؤونهم .
- يقدم الدرس وطالب العلم على راحته وأهله .
- لا يحب الظهور ويحب التواضع ويكره المتكبرين .
- يحب الرجوع إلى الصواب ويتمناه لعباد الله
- ينظر في الأشياء وما وراءها ولا يغريه منصب ولا مال .
- يذكر أهل المعروف بالخير دائماً ويشجعهم ويدعو لهم بالخير .
- يحب قضاء حوائج الناس ويحب أن يشفع لهم .
- يحسن إلى صديقه ويقدمه على نفسه .
- فطن لكل كلمة تقال ، وصاحب جواب سريع بالحق .
- إذا سأله فقير أعطاه ما في يده ، أو قال أعطيك بعض متاعي فانظر هل يعجبك شيء فخذه .
- يحب الصراحة والبلاغة ، فيها ويكره الغمز على الناس والتعالي عليهم
- يحب المداومة على الحج والعمرة ويحب أن يبقى شهراً كاملاً فترة الحج يتعبد الله ويتقرب إليه .
- يحب قراءة التاريخ ويذكر عبره لطلابه.
- يحب الخلفاء الأربعة بعد رسول الله ويقول عقيدة المسلم فيهم وأمرهم في الفضل كالخلافة ، ويحب آل البيت ويكرمهم وُيجلهم ويدافع عن الصحابة ولا يذكرهم إلا بخير. ويقول : هكذا المسلم العدل كآل البيت يحبون الصحابة جميعاً ولا ينالون من أحد شيئاً.
- يحب الربانيين من عباد الله الصالحين والأولياء الذين لم يعهد عنهم إلا الاستقامة والعمل الصالح .
- يثق بما عند الله وحده ولا يلتفت إلى شيء سواه
وكتبه ولده أحمد الكلاس خطيب جامع الحمد وعضو مجلس إدارة معهد الفتح الإسلامي وقرأه عليه فقال الشيخ عافاه الله : اللهم يا تواب .
عن موقع نسيم الشام