حين مشيت في غابات روحي

حالة من اليأس والحزن والتشتت والضياع , حالات من البعد والقهر والنكوص انتابتني ... مشيت إلى الغابات نظرت من الخارج ... غابات ضخمة باسقة الأشجار متعانقة الأطراف ... متداخلة الأوراق .
دخلتها متوجاً ... نظرت داخل الغابة ... ظلام مخيف موحش عشش في أرجاء المكان ... برودة لسعت أطرافي قدماي تغوصان في طين لزج ... روائح كريهة تعم الأرجاء وما أراني إلا خارجا
هارباً منها ... في ركن قصي منها شاهدت أزهاراً لكنها كانت
ذابلة هزيلة يائسة كيأسي ... صممت على الخروج ... حانت مني التفاتة
إلى الأعلى وبالكاد رأيت بصيص نور يلتمع مخترقاً ظلمات هذه الغابات وسقطت ورقة صفراء فرحت بسقوطها .. وأخذت أنظر فوقي ... فامتد بصري بعيداً بعيداً إلى طبقات كثيفة من الأغصان تمتد وتحجب النور عن أرجاء الغابة ... فيعم الظلام ... وانتابني فيض من يأس عارم وشعرت بخوف ما شعرت مثيله وكأني أبصرت كل شياطين الأرض ... تستوطن الغابة وتزيد من يأسي ... لكن بصيص النور عاد وامتلكتني لحظتها قوة عارمة ... فهززت الأشجار بكل قوتي ... فأخذت الأوراق الصفر تتساقط ... وتتساقط تملك الأجواء وتملك الأرجاء ... وملأت الأرض ... آلاف الأوراق من ارتفاعات بعيدة تتمايل وتتهادى وتعبر طريق الفناء , خشخشة الأشجار تصم أذناي ... رجيع الصوت وصداه يعبد المدى
دوامة من التفكير تبتلعني ... وشريط الماضي يعرض أمامي ... كيف نبتت هذه الأوراق الصفر حاجبة النور والضياء عن الغابة ...كيف لم انتبه إليها ... كانت كل ورقة تتهادى تقترب مني وتكاد تصطدم بعيني ثم تنحرف جانباً ... أرى واحدة كتب عليها خيال فاسد , وواحدة كتب عليها أمنية ضالة وواحدة كتب عليها فكرة سوداء ... وواحدة كتب عليها حقد ماض وواحدة كتب عليها أهواء عاتبة تحاصرني ... وكأن الغابة المظلمة كانت مستودعات لظلمات وعفن وسقم ... ألح علي الأمل فهززت أكثر وأقوى ... سقطت الأوراق حتى وصل ارتفاعها إلى ركبتي ... وهززت أكثر حتى وصلت إلى صدري ... أوراق صفراء تهر وتهر ... حتى غطت رأسي وما عدت أملك القوة وكأن جبالا من الذنوب تكومت فوقي وفقدت قوتي فاستسلمت لنوم أو ما شابه ... وحين أحسست بيقظة أو ما شابه كانت أشعة الشمس الدافئة تداعبني ... استيقظت نظرت ... دهشت ... بحثت عن نفسي بين الأوراق ما وجدت نفسي نظرت ما عرفت وإذ بي ربيع تفتح براعمك على الأشجار وزهراً متلألئا فائح الرائحة على المروج ففرحت وضحكت وأخذت انتظر الزهر والثمر.
حلب 20/1/2003

أخي الكريم
صادفتني في البداية مشكلة التجنيس فتساءلت إن كان ما قرأته قصة أم نتفا من السيرة الذاتية أم خاطرة أم رسالة؟ وقررت أخيرا -واعذرني- أنها رسالة..رسالة أولا إلى الروح تشكو منها إليها على اعتبار أنه لامفر ولا ملجأ منها إلا عندها خصوصا عندما تقبع الذات الإنسانية وقد اشتدت عليها الأهوال وتقاذفتها أمواج الحياة وأصيبت بدوار وسط أعاصير الشرور التي تنهال عليها من قريب وبعيد لتصاب طوعا أو كرها بفيروسات الحياة وشوائبها فتقبع وحيدة منكسرة تائهة تحت غمامة حالكة السواد وتكاد لاتتبين شعاع نور.. هنا تتدخل النفس -حسب نوعها- إما لمسح الضباب ومقاومة الفيروسات والتعجيل بخريف الأفكاروالأحاسيس السوداوية واسترجاع التوازن والسلام مع الذات كما حدث للكاتب أو تختار طريقا كله أشواك لا تحصد فيه إلا الشروالمزيد من الهلاك..
والنص رسالة ثانيا إلى كل نفس تائهة وسط أدغال مخيفة من الأفكار والمشاعر باحثة عن بصيص نور ينير دربها نور موجود بداخل كل واحد منا ما علينا للفوز بالطمأنينة إلا الاقتداء بالكاتب وتحمل مشاق المغامرة في غابات أرواحنا متسلحين بالأمل والإيمان لتحرير ذواتنا من كل ما علق بها من شوائب على مر الزمان فتغدو بذورا خيرة لأشجار وافرة الخيرات وارفة المسرات..
تحياتي وتقديري