بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله واله وصحبة وسلم وبعد
نكمل باذن الله
فصل : وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة
1 - تقسيم وتعريف :
يقول الشيخ : عبد الرحمن السحيم
إن أقسام الحديث من حيث وصوله إلينا وكثرة طرقه ورواته انقسمت الي قسمين :-
متواتر
و آحاد
فالمتواتر : ما رواه عدد كثير تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب .
وعُرّف بأنه : ما رواه جمع كثير من أول الإسناد إلى آخره .
واشترطوا فيه : أن يكون مستندهم الحس كـ ( سمعنا – رأينا ... ) .
وينقسم المتواتر إلى قسمين :
متواتر لفظاً ؛ كحديث : من كذب عليّ مُتعمّداً فليتبوأ مقعده من النار .
متواتر معنى ؛ كأحاديث رفع اليدين في الدعاء ، وأحاديث المسح على الخفين ، وأحاديث نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، وظهور المهدي ، وغيرها .
وهذا النوع من الأحاديث يُفيد العلم الضروري ، أي القطعي اليقيني .
والآحــــاد :
هو ما لم يجمع شروط المتواتر .
وهو أنواع بحسب عدد طرقه :
أ – مشهور ، ويدخل تحته : المستفيض .
ب – عزيز
جـ - غريب
وهذه تحتاج إلى تعريفات وتفريعات وتفصيلات .
وحديث الآحاد فهو عند أهل السنة حجة بنفسه في العقائد والأحكام .
والحقيقة التي سمعتها كثير من بعض منكري الاخذ باحديث الاحاد في امور الاعتقاد هو تفريقهم ( الباطل ) بين الاحكام وبين امور العقيدة فنجدهم ياخذون باحديث الاحاد في الاحكام بينما لا ياخذون بة في امور الاعتقاد
ولنا استفهام مغلف بالحيرة وهو من اين اتي لهم هذا الفيهم ومن اين توصلوا الي هذا التقسيم الذي لا سند لة من واقع او شرع
يقول الشيخ الالباني ( إن القائلين بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية ثبتت بحديث الآحاد وهم بهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام فهل تجد هذا التفريق في النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كلا وألف كلا بل هي بعمومها وإطلاقاتها تشمل العقائد أيضا وتوجب اتباعه صلى الله عليه وسلم فيها لأنها بلا شك مما يشمله قوله ( أمرا ) في آية { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وهكذا أمره تعالى بإطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم والنهي عن عصيانه والتحذير من مخالفته وثناوه على المؤمنين الذين يقولون عندما يدعون للتحاكم إلى الله ورسوله : سمعنا وأطعنا كل ذاك يدل على وجوب طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم في العقائد والأحكام . وقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه } فإنه ( ما ) من ألفاظ العموم والشمول كما هو معلوم . وأنت لو سألت هؤلاء القائلين بوجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام عن الدليل عليه لاحتجوا بهذه الآيات السابقة وغيرها مما لم نذكره اختصارا )
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية :
وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة ، وهو أحد قسمي المتواتر ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع ، كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما الأعمال بالنيات . وخبر ابن عمر رضي الله عنهما : نهى عن بيع الولاء وهبته . وخبر أبي هريرة : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، وكقوله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وأمثال ذلك ، وهو نظير خبر الذي أتى مسجد قباء وأخبر أن القبلة تحولت إلى الكعبة فاستداروا إليها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل رسله آحادا ، ويرسل كتبه مع الآحاد ، ولم يكن المرسل إليهم يقولون لا نقبله لأنه خبر واحد . انتهى .
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يكتفون بخبر الواحد ، ويعملون بموجبه ، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال : إني لقائم أسقيها - أي الخمر - أبا طلحةَ وأبا أيوبَ ورجالاً من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا ، إذ جاء رجلٌ ، فقال : هل بلغكم الخبر . قلنا : لا . قال : فإن الخمر قد حُرِّمَتْ . فقال : يا أنس ! أرِقْ هذه القِلال ، قال : فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبرِ الرجل .
فهذا رجل واحد ، ولم يُسمّ في الرواية ، ولم يُذكر أنه مُرسل من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك قبلوا خبره ، بل وعملوا بمقتضاه .
قال ابن عبد البر – رحمه الله – : وأما أصول العلم فالكتاب والسنة ، وتنقسم السنة إلى قسمين : أحدهما إجماع تنقله الكافة عن الكافة ، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يُوجد هناك خلاف ، ومَنْ ردّ إجماعهم فقد ردّ نصّـاً من نصوص الله يجب استتابته عليه وإراقة دمـه إن لم يتب ؛ لخروجه عما أجمع عليه المسلمون ، وسلوكه غير سبيلهم جميعاً .
والضرب الثاني من السنة : خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة ، ومنهم من يقول : يوجب العلم والعمل جميعاً . انتهى .
وقال ابن حزم – رحمه الله – : فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضا فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجزي على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية ، حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ ، فخالفوا الإجماع في ذلك .
وقال أيضا : خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوجب العلم والعمل معا . انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بعد أن ذكر تقسيم الأخبار ، وذكر المتواتر فقال :
ومن الحديث الصحيح ما تلقاه المسلمون بالقبول فعلموا به ، كما عملوا بحديث الغرة في الجنين ، وكما عملوا بأحاديث الشفعة ، وأحاديث سجود السهو ، ونحو ذلك ؛ فهذا يفيد العلم ، ويُجزم بأنه صدق ؛ لأن الأمة تلقّـته بالقبول تصديقا ، وعملا بموجبه ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، فلو كان في نفس الأمر كذبا لكانت الأمة قد اتفقت على تصديق الكذب والعمل به ، وهذا لا يجوز عليها . انتهى .
وقال ابن حجر – رحمه الله – : الخبر المحتفّ بالقرائن يُفيد العلم خلافاً لمن أبى ذلك .
بل جاء في صحيح الامام البخاري
باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام وقول الله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية وقوله تعالى : { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } وكيف بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه واحدا بعد واحد فإن سها أحد منهم رد إلى السنة
ثم ساق الإمام البخاري أحاديث مستدلا بها على ما ذكر من إجازة خبر الواحد والمراد بها جواز العمل والقول بأنه حجة فأسوق بعضا منها :
الأول : عن مالك بن الحويرث قال :
أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده نحوا من عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال : ( ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي )
فقد أمر صلى الله عليه وسلم كل واحد من هؤلاء الشببة أن يعلم كل واحد منهم أهله والتعليم يعم العقيدة بل هي أول ما يدخل في العموم فلو لم يكن خبر الآحاد تقوم به الحجة لم يكن لهذا الأمر معنى
الثاني : عن أنس بن مالك : أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام . قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال : ( هذا أمين هذه الأمة ) أخرجه مسلم ( 7 / 29 ) ورواه البخاري مختصرا
وعلق الشيخ الالباني هنا بقولة : قلت : فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لم يبعث إليهم أبا عبيدة وحده وكذلك يقال في بعثه صلى الله عليه وسلم إليهم في نوبات مختلفة أو إلى بلاد منها متفرقة غيره من الصحابة رضي الله عنهم كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وأحاديثهم في " الصحيحين " وغيرهما ومما لا ريب فيه أن هؤلاء كانوا يعلمون الذين أرسلوا إليهم العقائد في جملة ما يعلمونهم فلو لم تكن الحجة قائمة بهم عليهم لم يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أفردا لأنه عبث يتنزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في " الرسالة " ( ص 412 ) :
وهو صلى الله عليه وسلم لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا فبعث واحدا يعرفونه بالصدق
الامام الشافعي وموقفة من احاديث الاحاد :
أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عقد فصلا هاما في " الرسالة " تحت عنوان " الحجة في تثبيت خبر الواحد " وساق تحته أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ( ص 401 - 453 ) وهي أدلة مطلقة أو عامة تشمل بإطلاقها وعمومها أن خبر الواحد حجة في العقيدة أيضا وكذلك كلامه عليها عام أيضا وختم هذا البحث بقوله :
وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل . وكذلك حكي لنا عمن حكى لنا عنه أن أهل العلم بالبلدان وهذا عام أيضا .
وكذلك قوله " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد "
ابن القيم رحمه الله تعالى
وللامام ابن القيم كلام في الامر نفيس يكتب بماء الذهب نذكر طرفا منه إن شاء الله تعالي
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ( 3 / 412 ) :
وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرقين بين البابين ؟ نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ويحيلون على آراء المتكلمين وقواعد المتكلفين فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين . . . وادعوا الإجماع على هذا التفريق ولا يحفظ ما جعلوه إجماعا عن إمام من أئمة المسلمين ولا عن أحد من الصحابة والتابعين . . . فنطالبهم بفرق صحيح بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين وما لا يجوز ولا يجدون إلى الفرق سبيلا إلا بدعاوى باطلة . . . كقول بعضهم : الأصوليات هي المسائل العلميات والفروعيات هي المسائل العملية ( وهذا تفريق باطل أيضا فإن المطلوب من العمليات ) أمران : العلم والعمل والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضا وهو حب القلب وبغضه وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته وبغضه للباطل الذي يخالفها فليس العمل مقصورا على عمل الجوارح بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح وأعمال الجوارح تبع فكل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه بل هو أصل العمل وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال
وهذا من أقبح الغلط وأعظمه فإن كثيرا من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم غير شاكين فيه غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حب ما جاء به والرضا به وإرادته والموالاة والمعاداة عليه فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جدا به تعرف حقيقة الإيمان
فالمسائل العلمية عملية والمسائل العملية علمية فإن الشارع لم يكتف من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل "
فتحرر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى أن التفريق المذكور مع كونه باطلا بالإجماع لمخالفته ما جرى عليه السلف وتظاهر الأدلة المتقدمة على مخالفته فهو باطل أيضا من جهة تصور المفرقين عدم وجوب اقتران العلم بالعمل والعمل بالعلم وهذه نقطة هامة جدا تساعد المؤمن على تفهم الموضوع جيدا والإيمان ببطلان التفريق المذكور يقينا
وحتي هنا ادركني وقت الصلاة وباذن الله نتابع ونكمل
ولكن لعل فيما سبق بيان لحال اجماع اهل العلم من السلف والخلف علي وجوب الاخذ بحديث الاحاد في امور الاعتقاد والاحكام علي السؤا وهو فعل التابعين رضي الله عنهم اجمعين
ويتابع ان شاء الله
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل