النباهة
إذا وصفنا - في الدارجة - رجلا بالنباهة أو الفطانة قلنا أنه ( نبيه ) أو صاحب ( نباهة ) .. بمعني أنه فطن أو ذكي ، وكذلك الأمر عندما نصف صبيا أو طفلا .. وما أكثر ما نفعل ذلك .
لكن بعض اللغويين ينكرون استخدام الكلمة بهذا المعني ، ويرون أنها إنما جاءت في الفصيحة بمعني الشهرة .. وكذلك ينكرون صيغة ( انتبه ) بمعي فطن ، ويعدونها خطأ .. ويرون أن الصواب هو صيغة ( تنبه ) .
وإذا رجعنا إلي المعاجم الكبري ومنها ( لسان العرب ) وجدنا أن ما نقول في الدارجة فصيح .
صحيح أن النباهة تعني الشهرة ، وضدها الخمول .. حيث يقال : ( نبه فلان ينبه نباهة ونبها ؛ فهو نابه ونبيه ( أي مشهور أو شهير ) و ( نبهته ) أي ( شهرته - رفعته من الخمول إلي الشهرة ) .. وعلي هذا قول الشاعر الحكيم :
( متي أرت الدنيا نباهة خامل / / فلا تنتظر إلا خمول نبيه )
وفي الفصيحة أيضا : ( نبهته وأنبهته من النوم فتنبه وانتبه ) وكذلك : ( انتبه من نومه ) بمعني الإفاقة أو اليقظة منه .
وفيها أيضا علي سبيل التشبيه : ( نبه للأمر ، ينبه ) مثل ( فطن ، يفطن ) وزنا ومعني .. و ( نبهته من غفلته فتنبه وانتبه ) بمعني الفطنة أيضا .
وفيها : ( نبهته علي الأمر ) أي : أشعرته به .
وفيها : ( أمر نابه ) أي عظيم جليل .
ولو نظرنا إلي الأمر نظرة أوسع ، لعلمنا أن فقهاء اللغات يقررون أن الكلمات استعملت أولا للدلالة علي المحسوسات ، ثم تستعمل مجازا في المعنويات .. وعلي هذا قيل إن الجذر ( ن ب هـ ) يدل في أصل معناه العام علي اليقظة أو الإفاقة من النوم ، وهذا أمر حسي .. ثم صار يطلق مجازا علي الفطنة من جهل أو سهو .. لأن كليهما شبيه بالنوم ، والفطنة شبيهة بالإفاقة منه ، ولذلك نعكس الأمر أحيانا علي سبيل المجاز أيضا فنصف الغافل كما نصف الجاهل بأنه نائم ، لأن كلا منهما لا يدري .
ومن الفصيح أيضا صيغة ( انتبه ) ، بكل هذه المعاني ، ولعل ما يؤيد ذلك قول الراجز ( متي أنبّه للغداء انتبه ) وكذلك ( نبّه علي الأمر ) أي أشعر سواه .