خمسون زهرةً
.. من حقل النصح ..
.
.
(( أخـي المسلم .. أختي المسلمة ))
الإنسان في هذه الحياة يغتر بقوته العارضة وماله الزائل ، فينتفش ويشعر أنه أقوى الناس سلطاناً وأجرؤهم لساناً ، وأمضاهم يداً ، وأوضحهم حجة ، وأكثرهم ناصراً وأقلهم احتياجاً ، وما إن تهب رياح الزمان فتصيبه مصيبة - ربما كانت لسهولتها في آخر قاموس المصائب - حتى يزول السلطان ويذهب الجاه ويبدو كطفل صغير يبحث عن أبيه يلتمس مساعدة الناس ، ويبالغ في عرض مأساته طلباً لرحمتهم .
إن الإنسان بدون الركون إلى الله والتعلق به والالتجاء إليه يصبح حيواناً يتبع غرائزه ، ويعشق ذاته ، ويدور حول منفعته ، بعكس المسلم الصادق الذي ينطلق من تعاليم دينه فيحب للناس الخير ويكره لهم الشر ، ويشمر عن ساعديه في مساعدة بائسهم ويكشف عن ساقيه للإسراع في قضاء حاجات ملهوفهم ..
من أهم ما يتميز به الإنسان المسلم الذي تعلق قلبه بالله وطبق في حياته شرعه وامتثل أمره ؛ تلك الراحة النفسية والاطمئنان القلبي فلا تراه إلا مبتسماً حتى في أحلك الظروف وأقسى الحالات ، فهو يدرك تماماً أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فلا يتحسر لفوت محبوب ولا يتجهم لحلول مكروه ، فربما كان وراء المحبوب مكروهاً ووراء المكروه محبوباً ..
يقول تعالى :
(( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) سورة البقرة ، آية ( 216 ) ..
لا تغره زخارف الدنيا وإن كان لا يترك نصيبه
(( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا )) سورة القصص ، آية ( 77 ) ..
لمعرفته أن الدنيا بقصر مليء بالغصص والنكد لا تستحق أن يغضب الإنسان من أجلها ، ولا أن يتحسر لفوات شيء منها ، فهي لا تساوي شيئاً مع الآخرة دار القرار ، حيث النعيم الأبدي فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على بال قلب بشر ، للمؤمنين الصادقين ..
لو صَفَتْ الدنيا من الأكدار ، وخلت من المصائب - وذاك محال - فإن مجرد تذكر الموت يجعل حلوها مراً ، وكثيرها قليلاً ، وطويلها قصيراً ، وصفوها كدراً ، هذا لو ضمن الإنسان لنفسه عمراً طويلاً ، فكيف وهو إذا أصبح خشي ألا يمسي وإذا أمسى خشي ألا يصبح ، وإذا انقشعت سحابة مصيبة أقبلت أخرى ، يروعه فقد الأقربين وموت الأصدقاء ، وعندما يحس بألم عارض في عضو من أعضائه أو يخيل إليه زيادة في خفقان قلبه ، أو يحس بقلة شهية للطعام يرتسم شبح الموت أمام ناظريه ، فإذا هو يفزع ويخاف فيزداد مرضاً وتخيم عليه الوحشة ، وكأن ذلك الخوف مانع من نزول الموت أو مبعد له .
يا لضعف الإنسان ، ما أحقره وأقل شأنه تراه شاباً مكتمل الحيوية والنضارة والنشاط ، ممتلئ الجسم فلا يلبث العمر أن يطوح به إلى خريفه فإذا هو محدودب الظهر متغصن الوجه ، يتعبه أدنى جهد ، ويهده أقل عمل ..
وتراه غنياً يسكن القصر الشامخ ويركب السيارة الفارهة ويجلس على الفراش الوثير ، ثم تنقلب به الأيام فإذا هو يسكن ما كان يأنف من سكناه ويركب ما كان يزدري ركوبه ، ويلبس ما كان يستخشن لبسه ، ويأكل ما كان يعاف أكله ..
إن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها ؛ لا تكون إلا في طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئاً سوى الاستقامة على أمر الله وسلوك طريقه ليسير الإنسان في الحياة مطمئن الضمير ، هادئ النفس ، دائم البشر ، مرتاح البال ، طلق المُحَيّا ، يعفو عمن ظلمه ، ويغفر زلّة من أساء إليه ، يرحم الصغير ويوقر الكبير .
يحب قضاء حاجات الناس ويكون في خدمتهم ويتحمل أذاهم ، ثم هو لا يفرط في صغير ولا كبير من أمر الله بل يحرص على كل عمل يقربه إليه ويدنيه منه ، فإذا نزلت به المصائب تلقاها بصبر ورضى ، وإذا جاء الموت رأى فيها خلاصاً من نكد الدنيا ، ورحلة إلى دار الخلود ..
في هذه الصفحات ثلّةٌ من التوجيهات عندما نطبقها في واقع حياتنا ونحرص على التشبت بها ونندم على فواتها ؛ ستنقلب حياتنا من شقاء إلى راحة ، ومن تعاسة إلى سعادة ، بل سنتحسس للحياة طعماً آخر وننظر لها نظرةً أخرى ..
فإلى تلك الأزاهير وفقكم الله ...