غزوة بدر الكبري وواقع الأمة المرير
بقلــم/
أحمد محمود عدوان
تستعيدنا هذه الأيام المباركة في شهر الخير والجود والكرم شهر رمضان المبارك بذكري لها وقع كبير في قلب كل مسلم حافظ لدينة ولتاريخ الأمة المشرف .ويبدو أن هذا الشهر الكريم جاء محملا ببشارات ومنح للأمة الإسلامية شهر رمضان جاء محملاً بالذكريات والتحديات ،جاء هذا الشهر وهو يحمل ما يحمل من ذكريات حافلة بالأنتصارات ،جاء مذكراً للأمة الإسلامية برمتها بتلك السلسلة المتواصلة من الجهاد والكفاحـ والتي كانت محفوفة بالأنتصارات ،جاء رمضان هذا الشهر وهو محملأ بالهدايا والأفراح بالرغم من الأحزان التي تعترينا والمصائب التي تتملكنا فلربما يخفف عنا قليلا مما ألم بنا ،ولعله يكون ناقوسا يدق في آذان النائمين الغافلين عن طريق الجهاد .
فغذا تهل علينا ذكري غزوة بدر الكبري التي غفل جل المسلمين عن الأغتنام العبر ،والعظات التي يمكن استنتاجها من تلك الغزوة المشرفة ً ويكفينا أن هذة الغزوة المباركة تعتبر يوماً عظيماًً من أيام التاريخ الإسلامي ، فلقد أيد الله فيها المؤمنين ونصر النبي صلي الله علية وسلم علي الباطل ورفع الله فيها المسلمين حيث كانت البداية الحقيقيّة لظهور المسلمين وعلوّهم ، ومن هنا فأن كل أنتصار للمسلمين تلى ذلك اليوم سيظل مديناً لهذه المعركة التي كانت شرارة البدء للفتوح الإسلامية ،تلك المعركة التي لو تمعنا في المعاني والرسائل التي اهداها لنا النبي صلوات الله وسلامة علية للأمة الاسلامية وكيف تجلب النصر بالاستعانة بالله والإيمان بنصر الله وانه لاناصر الا الله فما كان هذا هو واقع الأمة من تشرذم، وتخلف وتراجع في القيم وتخلي ،عن طريق الجهاد .
وهناك من المشاهد والمحطات التي يمكن للمرء العاقل العارف بدينة الناظر الي مصلحة امتة أن يستخلص من بدر الخير الكثير ومن تلك المشاهد التي تجلب العز والنصر هو الألتفاف خلف القائد والمعلم وحقا يد الله مع الجماعة فما حدث في معركة بدر من مواقف الألتفاف حول النبي صلي الله علية وسلم وتوحيد الصف والكلمة كان سبباً في النصر ولطالما كانت الكلمة موحدة والراية واحدة.لما لا يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم ((سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)).
إن الحديث عن غزوة بدر يعيد الي النفوس الأحساس بالعز والفخر ولما لا فتلك الغزوة تحمل من المعاني والدلالات ما يمكن به ان يحقق النصر لأمتنا ويعيد اليها عزها ومجدها ولكن هل من مجيب ؟؟
أعتقد أن تاريخنا يؤهلنا الي أن نكون كما كنا فتلك أول خطوة نحتاجها في هذا الشهر الفضيل هي تعزيز صور التعاون وحفظ توازن المجتمع وتجسيد روح المشاركة في الفكر والرأي فهي أول خطوات النصر وحافز لتأكيد مبدا الشوري ولنعمل سويا علي توصيح معالم التعاون والخير نعم نحتاج الي خطوات فاعلة لترسيخ مبدا الشوري فيما بيننا هذا ليس علي صعيد الفصائل الفلسطينية التي كل فكر فيهما هذا في واد وذاك في واد.
بل نطالب بوحدة عربية إسلامية فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو المؤيّد بالوحي - استشار أصاحبه في تلك الغزوة أربع مرّات ، فاستشارهم حين الخروج لملاحقة العير ، واستشارهم عندما علم بخروج قريشٍ للدفاع عن أموالها ، واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر ، واستشارهم في موضوع الأسرى ، وكلّ ذلك ليعلّم الأمة أن تداول أي فكرة وطرحها للنقاش يسهم في إثرائها وتوسيع أفقها ، ويساعد كذلك على إعطاء حلول جديدة للنوازل الواقعة يبدو أننا بحق نجهل الكنز التاريخي الإسلامي لنا وتلك هي إحدي أسباب التشرذم المحقق الذي أصابنا وأصاب أمتنا بأكملها .
إن ما تحملة تلك الشهور لنا من عظات وتلك الأيام المباركة بتذكيرنا بسلفنا الصالح وبمواقفهم المشرفة وتاريخنا الزاهر بالإنتصارات والتضحيات ليؤكد علي ان النصر لايأتي هبأ منثورا وأن الله سبحانه لايعطي النصر لأمة نائمة عائمة في الملذات والشهوات فكيف بنا ونحن نطلب النصر ممن لايملكون ونتسول العز ممن يجهلون ، أن النصر والتمكين والعزة بيد الله جميعا فما بالنا اصبحنا نقدم القرابين للغرب ننتظر منهم الرضا وخسر من أنتظر العون من لئام ويذكرني هذا المقام بقول للشيخ حسن البنا فقال "أيها المسلمون: عبثا تحاولون أن يكون الخصم هو الحكم ، وأن تجدوا النصفة من أعدائكم ، عبثا تنتظرون الرحمة من قلوب هؤلاء ، فقد جمدت حتى صارت كالحجارة أو أشد قسوة ، وأظلمت حتى أصبحت أحلك من سواد الليل ، وانطمست حتى لا ترى بصيصا من نور الحق ، عبثا تريدون أن تسمعوا كلمة عطف من فريق منهم ، فقد اجتمع الجميع عليكم ، واتفقت كلمتهم في وسائل إرهابكم، قال تعالى : { وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم } ( الأنفال : 10 ) .
حقيقة الأمر كله أننا بحاجة الي تغيير جذري لما في أنفسنا وليس تغييرا سطحياً عاديا لأن النصر لا يتم إلا باستتمام أسبابه كلها ، فليست القوة وحدها هي مفتاح النصر ، ولو كانت كذلك لكان النصر من نصيب المشركين الذين فاقوا الصحابة عددا وعُدّة ، وبذلك نرى أن المسلمين عندما استكملوا أسباب النصر وأتمّوا شروطه تحقّق لهم النصر في هذه المعركة ولن يتحقق لنا نصرا ولا عزا الا ان نصلح من شأن أنفسنا ونغير الطالح بالصالح والشرور بالخير لعل الله تعالي يرحمنا فيبدلنا من حال الي أحسن حال ومن مراحل التشرذم والتناحر والاختلاف الي مراحل العز والوئام والسلام ، ومن مرحلة الاستضعاف والإذلال ، إلي مرحلة المواجهة والتمكين.
مشاهد كثيرة يمكن تجسيدها أمامنا وتلخيصها من أسباب النصر ولكن النصر يحتاج الي ممد إلهي ومساندة ربانية لنا ولاأعتقد أن الله سيمنح نصرة لجماعات أختلفت وتمزقت وهذا هو واقعنا العربي المرير أن الواجب علينا جميعا كجماعات وأفراد كحكومات ومنظمات كعرب ومسلمين العودة الي طريق الله والإستجابة الي الأوامر التي أمرنا الله بها وأكثر من ذلك هو التسليم بالضرورة الحتمية عن البعد والبعد التام عن الشحناء والتناحر والأختلاف فحاجتنا للوئام وتوحيد الكلمة في تلك الأوقات أكثر من قبل فبترك التشاحن والتناحر هو الطريق الأول للتغير ويلحقا توحيد الصف والكلمة بالرغم أنه لا يتحقق هذا إلا أن يتقدمة توحيد الصف وتوحيد الكلمة والراية وقوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس }
( الأنفال : 45-47 ) .
وفي سياق الغزوة العديد من المشاهد التي تظهر عقيدة الولاء والبراء ، وتبيّن أن رابطة الدين فوق رابطة الأخوّة والنسب ، ويتجلّى ذلك في موقف أبي بكر الصديق رضي الله الذي أظهر استعداده لقتل ولده المشرك في ساحة المعركة ، وموقف مصعب بن عمير رضي الله عنه عندما قال لآسر أخيه " شدّ يديك به ؛ فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك " ، فقال أخوه : " يا أخي هذه وصاتك بي ؟ " ، فردّ عليه : " إنه – أي الذي أسرك - أخي دونك " رواه ابن إسحاق وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضيّة الأسرى : " ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريباً لعمر - فأضرب عنقه ، وتمكن علياً رضي الله عنه من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان – أخيه -
فيضرب عنقه ؛ حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين
فأين نحن الأن من هذاا !!
إن غزوة بدر هي بمثابة غذاء روحي لكل مؤمن أيضا فكل مشهد من مشاهد التضحية والفداء من اجل الدين والعرض والوطن ليجعل من العبد المؤمن طاقة لا يعلمها الا الله فكيف ونبينا صلي الله علية وسلم يبشرنا أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار وكأنه درس لكل شاب مسلم أن لا ركوع ولا إستسلام ولا تخاذل في أمر لها علاقة بشرف الأمة والدين ويكفينا يا معشر الشباب بشارة النبي لأم حارثة رضي الله عنها عندما سألته عن منزلة أبنها في الجنة فال لها (( ويحك ، أو جنةٌ واحدة هي ؟ ، إنها جنان كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس)) أو ليس هذا العز كله يا من تخليتم عن طريق الجهاد ويكفينا أن نري أحلام الماكرين والطامعين فينا تتبخر .
أسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد، وأن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا وجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح وأتباع سنه الحبيب ، وأن يردنا الي دينة ردا جميلا ،وأن يغير حال الأمة الي اصلح الاحوال ،وأن ينصرنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
أذكركم بقول الله تعالي ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين))
mahmoud200646@hhotmail.com