كانت تلك الكلمات آخر ما عانق آذاننا من شفتي أبي حسن ، لفظها واستدار تاركاً أعضاء جلستنا القروية في إعصار من الضحك .
أبو حسن رجل ثمانيني، ولدت على يديه أجيال وماتت أجيال وما فتأ يعتمر كوفيته التي يعتزبها ، ويعدها رمزا لكينونته .
كان على شيء من الثقافة بيد أنه لم يحمل قلما وقرطاسا طيلة عمره ! ؛ إذْ صَقلَت ذاكرته أحاديث ُجلساء الثقافة في تلك التجمعات الليلية ، وهي أشبه بالصالونات الثقافية يتطارح فيها الرجال موضوعات شتى في الحياة .
إنَّ وجود أبي حسن في أي تجمع كفيلٌ أن يقلب التكشيرة َ ابتسامة ً، إنه كوميديا تمشي على قدمين .
كانت هاتيك الجلسة يظللها نقاش ٌ قتالي حول امريكا ، بين مُعظِّم لها وبين شانيء ، فهذا يرفعها فوق السحاب ، وذاك يضعها في مرتبة الشيطان الرجيم ، وهناك من يضعها بين البينين . ثم تجيء ضحكة أبي حسن لتقطع الموجات الصوتية للحديث كاشفة ًعن لثة عارية من أي سن .
يقهقه عاليا : هههههههه ، امريكا !
هل أمريكا سوى دجاجة متعفنة تقتات على علف الشعوب ؟
ثم عن أي عِلم امريكي تتحدثون ؟
إن كل علماء أمريكا إما فارين أو لصوص !
قذف احدهم إليه بسؤال : هل من تفسير ٍ عماه ُ ؟
استدار أبو حسن في حركة بهلوانية، وتسابقت انامله لتعدل كوفيته ثم أشعل غليونه ، وهذه طقوسه إذا اراد أن يستفيض بحديث ما .
"اعلم يا ولدي - حرستك العناية الالهية - إن معظم علماء أمريكا هاربون من بلادهم لقضايا سياسية او اقتصادية ، خذ مثلا البرت اينشتاين -ذلك العالم الفحل الذي أناخ له العلم ركابه ، ألم يك ُهاربا من براثن هتلر إبان الحرب الكونية الثانية .
إن ثلاثة أرباع علماء أمريكا إما أروبيون أو عرب ناهيك عن اجناس من ملل اخرى . بعد هذا أما آن لقناع الدجل الأمريكي أن يسقط امام هذه الحقيقة .
ولاني أحب - يكمل أبو حسن - التلقائية والبساطة والوضوح مضافا إليها المباشرة ؛ فإنه بوسعي أن أقول لكم : طز بأمريكا .السلام عليكم . !!" .
صمت الكلام ليعزف الضحك على أوتار الحناجر .
خرجت ُ من تلك الجلسة وإني لاسمع صهيل هذا السؤال في صدري :
ترى كم أبا حسن يسكن ضمائرنا؟