(5)
*التجـــربـة*
...................

ما أحلى الأيام الأولى لمجيء "سعيد". خفَّف عني عبء مساعدة والدي في الحقل، فأصبحت الأيام تمر بنا مثل مرور الطيف. أسحب الجاموسة إلى الحقل أحياناً، وأساعده في تحميل نقلة سباخ فينهرني أبي:
ـ ذاكر دروسك أحسن، إنه هو الذي يعمل لا أنت.
ـ سعيد طيب كالأطفال، ووديع كحمل، ذو صوتٍ حانٍ واهن كصوت أمي!
قال لي قبيل المغرب:
ـ أحضر الفأس من كوخي.
طرقت، لم يُجب أحد. دفعت الباب، قالت لي عروسه:
ـ ادخل!
كانت الزنبقة قد ألقت أحمالها، وتفتحت خمائلها، وانتشر عبيرها. غمغمت لحظة، بوغتُّ، هممتُ بالخروج، فقالت:
ـ تعال …!
وربتت علي كتفي، فشعرت بحرارة غريبة تغزو مفاصلي! كدت أقع على الأرض وأنا شغوف باستداراتها وملاستها…
أأحمل أقدامي.. أجرجرها للخارج؟ أم أعود أدراجي لها باكياً على اللبن المسكوب؟
رذاذ الماء يرش وجهي النحيل، فأتوقف وأفكر في رائحة الغرف المغلقة!

المساء 20/12/1997م.