النص الكامل لمجموعة «إيقــــاعات» للقاص الكبير محمد جبريل
--------------------------------------------------------------------------------
النص الكامل لمجموعة «إيقــــاعات» للقاص الكبير محمد جبريل
***
الإهـــداء
إلى صديقي الشاعر حسين على محمد
**********
*غوايــــــة *
.....................
حين صعد الشبان الخمسة إلى عربة المترو ، كان يقرأ جريدة وهو واقف فى الزاوية بين ظهر المقعد والباب المغلق من الناحية المقابلة . كانت المقاعد ممتلئة ، وتناثر الوقوف فى المساحات الخالية . استأنف الشبان كلامهم فى وقفتهم بالقرب منه . تشاغل بقراءة الجريدة ، وإن عكست تعبيرات وجهه ما يبين أنه يتابع نقاشهم ..
التقط ملاحظة الشاب المنمش البشرة عن انتصاف النهار دون أن يتناولوا طعاماً . أخرج من جيب الجاكت قطعة شيكولاتة . همس بلهجة مشفقة :
ـ تصبيرة !
تنبه الشبان إليه ..
أطالوا التحديق في ملامحه وهيئته . في حوالى الخامسة والأربعين . يرتدى بدلة رمادية ، ورباط عنق من اللون نفسه . عيناه قلقتان لا تستقران بين أجفانه الضيقة ، فهو يطبق جفنيه ، ويفتحهما ، فى حركة عفوية ، سريعة ، ويكثر من رفع إصبعه ليعيد النظارة المنزلقة على الأنف إلى موضعها ، ويمسك فى يده منديلاً لتنشيف العرق المتصبب في وجهه ..
قال الشاب الطويل القامة :
ـ وأنا .. أليس لى قطعة شيكولاتة ؟
رسم على وجهه ابتسامة واسعة ، وأشار إلى الشاب المنمش البشرة :
ـ أعطيته قطعة كنت أحتفظ بها لنفسى ..
التقط الشاب ارتجافة فى عينيه ، فقال :
ـ لا شأن لى .. أريد شيكولاتة ..
غلبه ارتباك . بدا منطوياً على نفسه ، ومتخاذلاً . رفع الجريدة بيده كمن يحاول الدفاع عن نفسه . تشجع الشاب الطويل فاختطف الجريدة . علت ضحكات الشبان . امتدت يد الشاب المنمش البشرة إلى الجيب العلوى . أخذ القلم ، وقذف به فى الهواء . التقطه . أعاد ما فعله مرات ، ثم قذف به من النافذة ..
صرخ :
ـ القلم !
انعكست نظراتهم ارتجافة فى عينيه . وشى تلفته أنه يريد الابتعاد . تقدموا نحوه فى نصف دائرة . عاد بظهره إلى الوراء حتى التصق بالجدار . ظلوا يرمقونه بنظرات قاسية ، ويكورون قبضاتهم ، ويقتربون ، ويقتربون ..
كان الشاب الممتلئ الجسد أقربهم إليه . صفعه بظهر كفه . تبعه الشاب الطويل ذو النظارة الطبية بلكمة . شجعهم تكوره على نفسه ، وملامحه الخائفة ، على معاودة ضربه . انهالت قبضاتهم وركلاتهم على جسده ، لا تتخير الموضع الذى تصيبه ..