العربيـّـة ُ.. في خطـرْ...!!
أرّقني فصل في كتاب " المهارات اللغوية و عروبة اللسان "للدكتور" فخر الدين قباوة " ضمن مجموعة بحوثاته و دراساته في علوم اللغة و الأدب..تحت عنوان" اللغة العربية الفصحى /أسبابانحدارها و عوامل النهوض بها " ما جرى من استقصاء نفسي و اجتماعي لهذه الظاهرة المؤرقة، التي يعاني منها أبناء العرب في المشرق و المغرب، تستدعي التعاون – على حد قوله- لمعالجتها ، حتى نتخلص من ذيول التخلف المرير..المتماهي في تكويننا الحضاري و الإنساني.
و أوقف لذلك العوامل التالية المتحكمة في هذا التخلف ..وهي مبحث هذا الفصل الخطير الهام :
01/ العامية و الثقافة:إذ صرح الدكتور بأنه رغم التحسّن الداخل على اللهجات بعد جلاء الاحتلال و الاستعمار ظهر بعض الارتقاء للهجات من العجمة المغرقة إلى مستوى يتصل ببعض مظاهر الفصحى وأساليبها لسببين أوعز أحدهما إلى انحسار اللغات الأعجمية التي كانت مستبدة بالثقافة و التعليم و التوجيه..والآخر إلى تقلص رقعة الأمية في المجتمع العربي.و لكنها خطر موبق.
02/ إنحدار الفصحى : و أرجع ذلك إلى ارتفاع مستوى الأمية الذي واكب انحدار لغة العلم و الأدب .. وتدني أساليبها و مفرداتها كتابة ً و قراءة ً و أداءً، رغم أن اللهجات تعارض الفصحى و تستسقي منها، و يدخل في هذا المثقفون و الدارسون الذين استمدوا منها في نتاجهم الأدبي و العلمي.. مبرّرا ذلك بقوله :" فانتقلت من مسألة اجتماعية لغوية إلى داء ٍ نفسيّ ٍ، عقليّ ٍ و علمي".
03/ ثنائية لغوية : يعني به التداخل العجيب بين الفصحى و اللهجات الدارجة..أي الصراع بين الارتقاء باللغة العربية إلى أصالتها و صفائها عند المتعلم و بين ما يجابهه من سيطرة العامية على ثقافته و قدراته في جميع شؤون حياته تفكيرا و تعبيرا.
04/ لغة هجينة :و يعني به النتاج الفكري والأدبي الذي أصدره العرب و المستعربون في هذا العصر..المصبوغ بألوان ٍ هجينة ٍ مهلهلة ٍ ركيكة ٍ، ترسّخ الرّطانة َ و تدمّر فحولة اللغة و بالتالي من لمْ يَخْلُ إلى الرّكاكة و الهجنة ، لم يكنْ في مستوى لغوي رائق..وبعدها يوصف بالجامد و المعقّد. و هذه الهجنة ناتجة – حسب الدكتور – من تشويه منبثق عن ثلاث عوامل هي
- انتشار الموالي و المولّدين .
- استلطاف لكنة الأعاجم و الأطفال .
- الإعراض عن فصاحة و فحولة الكلام.
05/ المناهج القـلقة : أي اضطراب التعليم في الوطن العربي بما يسود المناهج الدراسية و السياسة التعليمية و أساليب التربية و التعليم و شخصيات المعلمين من فوضى..و قلق..و اضمحلال..و يزيد على ذلك قوله :" المسؤولون يتعاورون هذه المناهج ، ويتصرفون فيها كل حسب ما تمليه عليه أوهامه و نظراته المرتجلة ، و بالتالي تقلقل و تغيرات مستمرة ليس لها ضابط هادف أو روح عامة موحدة ".
06/ العلوم الإنسانية : و تعرض الدكتور هنا إلى التنكر للعلوم الإنسانية و تشجيع العلوم الطبيعية من قبل السياسة التعليمية للوطن العربي، مما أدى إلى تضعضع مكانة الفصحى و ما يدور في فلكها من علم و فن ن و لهذا ترى جمهور الطلاب و المتفوقين منهم بخاصة ، ينصرفون بجهودهم إلى دراسة الطب و الهندسة و العلوم التطبيقية ن و يعرضون عن تجنيد أنفسهم و كِفاياتهم لخدمة العربية .
07/ التعليم بالعامية : تطرق الدكتور إلى أساليب التعليم عندنا التي تجيز للمعلمين أن ينقلوا العلوم و الفنون باللهجات العامية المحلية الدارجة، بل إنها لَتفرضُ عليهم أحيانا أن يدرسوا بعضها باللغات الأعجمية ، و بالتالي تُنقل اللغة العربية الفصحى إلى الطلاب بأساليبَ عامية ٍ..أو شبه عامية ٍ..فتدخل عقولهم و تـُرَسخ في ألسنتهم هجينة ً.. شوهاءْ
فتُحدث الخلل بين العلم و الثقافة و الخبرة المأخوذة باللهجة من جهة..و بين اللغة الفصحى من جهة أخرى.
08/ إختبار الذاكرة : المشكل في الوطن العربي هو الغفلة أو الاستغفال عن أداء اللغة العربية الفصحى - حين إجراء الامتحانات- و تقبلها تعبيرا كتابيا بأخطائها الشائعة و تراكيبها الشنعاء فيما يقابلها من معلومات صحيحة وسليمة علميا..وما إلى ذلك من تسهيلات.. بل مساعدات لإنقاذ الراسبين و دفعهم إلى الصفوف التالية أو الجامعة أو الشارع ، حين يكون في تقدير الممتحن اجتياز مقاييس اختبار الذاكرة و الذكاء و الأداء شفاهيا بما لا أهمية له.
09/ قدوة هزيلة : يختم الدكتور بحثه بالتعريج على مدرس اللغة العربية بالنظر إلى نظرة طلابه له، التي تكتنفها – حسب نظرهم – صورة الجمود و الجفاف و التعصب ، لأنه لم يحظَ بالثقافة الواعية و اللغة الرشيقة و النظرة السليمة إلى دور اللغة في التعليم .مع التأكيد على وطأة الظروف الاجتماعية المتقلبة بين البؤس ومرارة الحاجة و الحرمان..حتى أنهم لا يجدون فرصةً للنهوض بأنفسهم و طلابهم ..إضافة ً إلى وصول بعض رجال التربية و التعليم إلى منصب ٍ يتسلم فيه التوجيه و القيادة بشهادة شكلية من معهد او جامعة أو حزب ٍ حاكم ، و ليس له من الكفايات و الإمكانات ما يرشحه لهذا العمل الخطير.
-------------------------------------------------------
وقال في الأخير :" مهمة المعلم تربوية قبل ان تكون تعليمية ، وإنه لا يستطيع أن يقوم بها بنجاح إلا حين يسيطر على قلوب طلابه و عقولهم، و ينال ثقتهم و تقديرهم لشخصيته و كفاياته ، و يجعلهم ينظرون إليه نظرة الإعجاب و التقليد".