في ركن من قلعته الحصينة ، حاصره الأبطال ، فسلم نفسه ، بعد أن طلب أن يحمل إلى ملكهم ، كبروا المسلمون ، وصلوا صلاة الشكر لله ، لنصرهم على ملك الأهواز تبع كسرى ، أخذوا الهرمزان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الخليفة الفاروق العادل ، إلى المدينة المنورة ، وهو يلبس من الديباج والذهب المكلل بالياقوت واللآلئ ، ما تنوء بحمله البعران ، ثم دخلوا المدينة ، والناس في عجب من منظره ودهشة ، وساروا به ، حتى وصلوا المسجد ، وكان فيه أمير المؤمنين نائم ، متوسداً برنسه ، بعد أن كان قد قابل وفود أهل الكوفة ، التي أقبلت عليه ، واجتمعت به للتداول في شؤون الحكم للمسلمين؟فنظر الهرمزان نظرة حيرة ، أين ملككم أين ؟ أين عمركم ؟فأشاروا إلى عمر ، وهو نائم ، متوسد برنسه ، وقالوا : هذا ، زادت حيرته ودهشته ، فقال : وأين حجابه؟ وأين حرسه ؟فقالوا له ليس له حجاب ، ولا حراس ، ولا كاتب ، ولا ديوان ،استيقظ عمر ، فاستوى جالسا ، ثم نظر إلى الهرمزان ، فقال : الهرمزان ؟ قال : نعم ، فتأمله ، وتأمل ما عليه ، ثم قال : أعوذ بالله من النار ، وأستعين بالله ، ثم قال : الحمد لله ، الذي أذل بالإسلام هذاوأشياعه ، يا معشر المسلمين ؛ تمسكوا بهذا الدين واهتدوا بهدي نبيكم
ولا تبطرانكم الدنيا فإنها غدارة ، فقال له الرجال : يا أمير المؤمنين : هذا ملك الأهواز ، تبع كسرى ، فكلمه ، فقال : لا ، حتى لا يبقى عليه من حليته شيئ ؟
ففعلوا ذلك ، وألبسوه ثوبا صيفياً ، فقال عمر : يا هرمزان ؛ كيف رأيت وبال الغدر ، وعاقبة أمر الله في غدركم ، فقال هرمزان يا عمر أنا وإياكم في الجاهلية ، كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم ، إذ لم يكن معنا ، ولا معكم ، فلما كان معكم غلبتمونا ، فقال عمر : إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم ، وتفرقنا ، فقال له عمر: من أي أرض أنت ؟فقال : مهرجاني ، قال : تكلم بحجتك
فقال الهرمزان : أكلام حي ؟ أم ميت ؟قال عمر : بل كلام حي ، فقال الهرمزان : قد أمنتني على حياتي؟فقال عمر : خدعتني ، ولا أقبل إلى أن تسلم فاسلم ، وكان لا يفارق عمر ، حتى قتله أبي لؤلؤة ، هو وجفنيه ، وكان الهرمزان متواطئ معهم ، بتسهيل أمرهم ، بمعرفة خطوات عمر ، وتبليغها إليهم ، فقتله المسلمون لِتَواطئِهِ ، ومملاة أبي لؤلؤة الغادر ، لعنة الله عليه أبد الدهر ، وعلى من يزور قبره ، ويتبارك فيه .