تتكاثر دواعي البحث في مسألة القومية عند الشعوب الغير عربية التي تعيش في وطننا العربي الكبير لأسباب موضوعية وذاتيـة، وأهمها من منظور انثروبولوجي.
ولم يكن السؤال عن الهوية القومية وبروزه على سطح الجدل والوعي العربي الإسلامي، إلا مع حمأة جدل النهضة والتخلف ذاته، وتواتر الحديث عن الرابطة والجامعة السياسية منذ أخريات القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، هل هي رابطة وطنية أم شرقية أم عربية ام إسلامية.
و ب صعود ما يسمى بعصر القومية دوليا وعربيا، وتصورات الأمة -الدولة كطريق للوحدة خاصة التصور اللغوي والثقافي لها الذي كان حلا لمسألة التنوع الديني بالخصوص وإن فجر التنوع العرقي بشكل آخر.و هنا ارتأيت ان اناقش المسالة الكردية كقضية لاقلية ينظر اليها آخرون كخنجر في خاصرة هاته الامة بينما ينظر اليها اصحابها كحقهم الطبيعي في الوجود و في الاعتراف بقوميتهم وخصوصيتهم و حريتهم في عدم انتمائهم العربي.
الأكراد 20او 40 مليون يتوزعون جنوب غرب تركيا و شمال غرب سورية و شمال شرق ايران و شمال العراق وفي هذه الاخيرة يوجد 6حوالي ملايين كردي لعبو دورا كبيرا في تاريخ العراق الحديث من اجل تحقيق حلم الاستقلال .
إيران تسحق دولتهم و العراق يتهم بابادتهم و سوريا تتحسس خطرهم و تركيا تقف بالمرصاد لآمالهم .اما الاستعمار الانجلوأمريكي فكان على الدوام الوحيد المستفيد منهم.فما عرف انه اول حكم كردي مستقل في التاريخ يتناقله اجيال الكرد بمرارة كان أعقاب الحرب العلمية الاولى .حيث اعتقد *الشيخ محمود الحفيد*الذي كان يتغنى على سراب مبادئ *ولسون* بالإعلان عن قيام كردستان مستقلة في محافظة السليمانية ان الوعد الامريكي سيظلله الى الابد حتى استفاق الاكراد على وقع قصف الطائرات البريطانية لتئد هذا الاستقلال الوليد بقنابل كيمياوية حسب بعض المصادر*و كانت اول مرة تستعمل ضدهم قبل ان يستعملها نظام صدام ضدهم بعقود * و يختبر الاكراد الخداع الامريكي لاول مرة بفعل مصالح استعمارية لا بصعود تركيا اتاتورك.ثم بعد الحرب العالمية الثانية حين اعلن عن قيام جمهورية* مها اباد*بايران بدعم من العشيرة البرزانية التي كانت لها علاقة وثيقةمع موسكو و تولى الملا*مصطفى البرزاني* مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني قيادة جيشها لكن سرعان ما قضت عليها قوات الشاه بعد 11 شهرا فقط من ولادتها و رغم لجوء الملا الى حليفته موسكو الا انها رفضت مساعدته بل اوقفت امدادات النفط عن هذا الكيان الوليد .
و بعد صعود حزب البعث وتوقيعه معاهدة صداقة مع موسكو سنة 1972 تطلع الاكراد الى مستقبل و علاقات جيدة مع واشنطن و اصبح لديهم هامش مناورة.فبسعي حزب البعث الى تصفية المعارضين من بينهم الاكراد و تعثر وعد الحكم الذاتي بكردستان العراق طلب مسعود البرزاني من شاه ايران التوسط لدى واشنطن و اثمر الاتصال عن تسلم اول شحنة اسلحة سفياتية الصنع كانت قد غنمتها القوات الامريكية في فيتنام و اتصل كسنجر بالقيادة الكردية حاثا اياها على التصعيد لكن سرعان ما رعت امريكا اتفاق الجزائر في مارس 1975 و بعث كسنجر برسالة الى الاكراد مفادها لا تلوموني على ما حدث فالاتفاق لمصلحة امريكا .
و كان التحول الابرز في العلاقات الكردأمريكية في حرب الخليج الاولى بتحفظ امريكي حتى لا ينزعج الحليف التركي و كان مسار الخداع الامريكي واضح للعيان منها اعطائهم اشارات علنية بالانقضاض على حكم الرئيس صدام و التخلي عنهم .و ابقاء منا طق كردية مهمة مثل كركوك خارج خط حضر الطيران .ارسال مبعوث/* مستر بوب*1995 لتحريض القيادة الكردية على عمليات منسقة لاحتلال مناطق واسعة في العراق تنتهي باسقاط النظام العراقي و التخلي عنهم في اوج القتال و اعلان الخارجية الامريكية ان لا علاقة لها بما حدث .ثم احداث الاقتتال الكردي بين عشيرتي الطالباني و البرزاني عام 1996 الى رفض كولن باول قبل غزو العراق حماية كردستان بصواريخ باتريوت على غرار اسرائيل .اما كركوك و نفطها و هي اهم المطالب الكردية فقد اعطت امريكا ضمانات لتركيا تكفل عدم قيام أي كيان كردي مستقل ووفت بوعدها وصدت هجوم الاكراد على كركوك و الموصل غقب الغزو و غدرت مرة اخرى بدستور الفدرالية العراقية الذي اقره البرلمان الكردي بطمأنة امريكية حيث وعدت الاخيرة بان تكون كركوك عاصمة لكردستان العراق .الى الانتخابات الاخيرة التي اسفرت عن اول رئيس كردي للعراق الحر كما يحلو لامريكا ام تسميه في خارطتها السياسية الجديدة لهذا البلد التي لم تتضح معالمها بعد في مفارقة رئيس لبلد لا يؤمن بأنتماء البلد القومي .
و سط كل هاته الحسابات المعقدة لاكراد العراق والمستعمر الامريكي يظهر جليا غياب أي ثقل عربي في ميزان هاته العلاقات او مستقبل العراق فحتى الحوار الغير الرسمي العربي الكردي ظل يؤجل منذ انعقاد دورته الاولى بالقاهرة سنه 1998 .
ان اعتراف عديد مثقفين عرب بخطأ تجاهل خصوصية القومية الكردية و الظلم الذي حاق بهم و الصمت الذي لف معاناتهم.كما ان اعتراف مثقفين اكراد بخطأ التفريط في روابط الاخوة التي تربطهم بالعرب ووحدة العراق وشعبه و استرخاص اللجوء الى السلاح في ازمنة كانت تفتح نوافذ امل للحوارو انخداعهم في لعبة المناورات الاستعمارية فما لا قوه من ظلم لا يقارن بهول مأساتهم مع القوميين في الدولة التركية لان الرهان على السياسات الاستعمارية ينتهي دوما بكوارث منذ مبادئ ولسون وخدعة كسنجر الى شرك بوش الاب و الابن الذي حولهم الى خنجر مسموم يطعن ظهر هاته الامة التي هم قبل كل شيء جزء منها.
و كتحليل اود اقتباس مقطع من كتاب الدكتور سمير امين* الفصل الثامن من كتاب ’’ في مواجهة أزمة عصرنا‘‘. اذ يقول
لا شك أن القومية واقع له وجود حقيقي وفعّال وتعبيرات صارخة تتجّلى في جميع مستويات الحياة الإجتماعية واليومية للشعوب. فمعظم الناس يعترفون دون تردد بإنتمائهم إلى قومية ما، ويقصدون من وراء هذا الإعلان أنهم يرون أن ثمة قاسماً مشتركاً يجمعهم مع غيرهم من ((مواطنيهم)) في وحدة القومية، وذلك على الرغم من التميزات التي قد تفرّق بينهم وتقسّمهم الى مجموعات إجتماعية متميّزة، مثل الطبقة أو العقيدة أو الثقافة. وليس الحكم بصحّة أو وهمية القاسم المشترك ؛ فمجرد الإقتناع بوجوده، أكان بشكل بشكل مطلق أم نسبي- أي في صورة تعترف بحدود هذه السمات المشتركة-، إنما يثبت حقيقة واقع القومية كظاهرة إجتماعية. هذا بديهي، ولكنه لا يعني على الإطلاق أن التوقف للتساؤل حول طبيعة الظاهرة القومية وحدودها وتناقضاتها غير ضروري، بل على العكس من ذلك، لا بد من نقد الميثولوجيات التي يقوم ((الوعي القومي)) عليها. لأن هذا الوعي قائم فعلاً على ميثولوجيات عنيدة تصعب إزالة النقاب عنها: منها ميثولوجيات تزعم أن القومية ((ظاهرة طبيعية))؛ بمعنى أنها تنتمي الى الطبيعة البيولوجية للإنسان، الأمر الذي يقود فوراً الى عنصرية وعرقية. هذا بينما التاريخ يثبت أن القوميات القائمة فعلاً في الساحة هي ظواهر إجتماعية تاريخية الطابع، تكونت ونمت في ظروف ملموسة معينة. وبما أن المسيرات التاريخية التي مرّت بها مختلف الشعوب متباينة، فلا بد من العودة الى تاريخ هذه المسيرات، إذ أن تباينها يفسر إختلاف مفاهيم القومية.
كما اضيف ان المنهج الانثروبولوجي يلزمنا أن نضع الخصوصية الوطنية موضع الاهتمام بحيث لا يتم تجاهلها خاصة إنَّ التجزئة التي تمتد إلى قرون طويلة ساهمت في توسيع خارطة التنوع الثقافي. غير أن هذه التنوع في التحليل الأخير يشكل حالة إيجابية في حال الأمة، لأن الشعب العربي استوعبه وجعله من المحددات الثقافية – الاجتماعية لشخصية الأمة، ورمزاً من رموزها فمفهوم الامة لا يلغي مفهوم القوميات و مفهوم الهوية الجامعة لا يلغي مفهوم الهويات فهل نعي ذلك مثلما وعاه الاسلام قبل 14 قرنا و هل تعي الاقليات الغير عربية ذلك لنعيد بناء مجدنا من جديد.
بعض مصادر المقالة.
جريدة السفير.
http://www.tirej.net/index.5044.shex-M.elhefid.htm
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/42EA3A1...A6A8DD8FD00.ht