تهنئة منهجية
رُزق مدير مدرسةٍ ما ، في بلد ما ، بمولود جديد ، فأقام وليمة دعا فيها زملاءه من المدرسين ، فلما طَعموا ، أحضر لهم الرضيع ليباركوه بدعواتهم الصالحة ، فتناوله مدرس التربية الإسلامية ، وقرأ عليه بعض آيات من الذكر الحكيم ، ثم رفع نظره إلى السماء وقال : اللهم فقهه في الدين ، واسلك به سبيل التوحيد ، وعلمه أسرار التفسير والتأويل ، واجعل حديثه متصلاً لا منقطعاً ، ومنهجه في الحياة معدّلاً لا مجروحاً ، واجعله متبعاً لا مبتدعاً ، وأنر بصيرته بنور القرآن وسنة النبي العدنان ، واحفظه من هَمَزات الشياطين يا رب العالمين .
ثم ناوله لمدرس اللغة العربية فدعا له قائلاً : اللهم اجعله ماضياً في طريق الصلاح ، مضارعاً آباءه الصيد ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، ينحو نحو مواطن الطاعة لوالديه ، فاعلاً بين أقرانه ، مبتدأً لكلِّ بر ، خبراً لكلِّ ما يسر ، مصدراً للحبور ، جمعاً لصفات الرجال ، مفرداً في محاكاة أحوال العظماء ، مجرداً من كلِّ نقيصة ، مزيداً بكلِّ فضيلة ، اللهم ارفع في هذه الدنيا مقامه ، وانصب في العالمين رايته ، وجُرَّ إليه قلوب الخلائق جرَّاً ، حتى يغدو بينهم علماً معرَّفاً ، لا نكرةً مُجْحَفاً ، يا رب العالمين .
وابتدره مدرس الرياضيات فقال : اللهم أحطه بدائرة لطفك ، واجعله مستقيماً في طاعتك ، ولا تجعله منحرفاً ولا شبه منحرف ، واجعل حبه للشهوات صفراً ، وانتماءه لمركز الدين فخراً ، ليصبح قاب قوسين من محيط الصالحين أو أدنى ، اجعل وتر قلبه يتجه في منحنى إليك ، لا تجعله بين زملائه مهملاً في زوايا النسيان ، بل متربعاً في قلوبهم بخلقه ، مستطيلا ً عليهم بأدبه ، ارزقه الحكمة في موازاة الأمور يا رب العالمين .
ولما وصل إلى مدرس الاجتماعيات قال : اللهم جنبه زلازل الفتن ، وبراكين المحن ، ووديان الشهوات ، وهضاب المغريات ، احفظه من رياح السموم الطائشة التي تهب من الشرق أو الغرب ، بصِّره بتاريخ الأجداد العظام ليقتفي أثرهم ، ولتكون سيرتهم عاصمة له من الخطل ، ومنقذة من الزلل ، وليعيش في سهول الاستقرار ، وينأى بنفسه عن تسلق جبال الأخطار ، اجعل حياته ربيعاً مفعماً بزخات الأمطار ، لا عواصف فيها ولا عوامل دمار ، لا يجتاحها هدم ولا إعصار ، يا عزيز يا غفار .
أما مدرس العلوم فقال : اللهم اجعله خلية نافعة من نسيج المجتمع لا تمزق فيها ولا انشطار ، إذا تحدث بين أصحابه تلقفوا مرامي حديثه ، وإذا غاب عنهم تحسسوا صدى صوته ، وإذا أدلى برأيه أمامهم تفاعلوا مع كلامه ، فكأنه توأم روحهم الحقيقي ، تنساب نبراته في أفئدتهم فتحدث اهتزازاً رتيباً ناغماً ، وتغرس في قلوبهم غراساً طيباً ناعماً ، يا أكرم مسؤول .
واختتم مدرس التربية الرياضية الجلسة بقوله : اللهم اجعله بالطاعات رشيقاً ، وبالتنافس خليقاً ، وبالهرولة في ساحات العلم أنيقاً ، وبالجري نحو هدفه السامي طليقاً ،واجعله يعمل مع أصحابه بروح الفريق الواحد دون أنانية ولا تفرُّد .