أوابد العرب - نهاية الأرب
ومعنى الأوابد ها هنا: الدواهي، وهي مما حمى الله تعالى هذه الملة الإسلامية منها، وحذر المؤمنين عنه. فقال تعالى " يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه " وقال تعالى " ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ " وقال تعالى " إنما النسيء زيادةٌ في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً " وكانت للعرب أوابد جعلوها بينهم أحكاما ونسكا وضلالة وعادة ومداواة ودليلا وتفاؤلا وطيرةً. فمنها: البحيرة: قالوا: كان أهل الوبر يعطون لآلهتهم من اللحم، وأهل المدر يعطون لها من الحرث، فكانت الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس ما لم يكن ذكرا فشقوا أذنها، فتلك: البخيرة، فربما اجتمع منها هجمةٌ من البحر فلا يجز لها وبر ولا يذكر عليها إن ركبت اسم الله، ولا إن حمل عليها شيء، فكانت ألبانها للرجال دون النساء.
الوصيلة: كانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع، فإن كان ذكرا ذبح، وإن كانت أنثى تركت في الشاء، فإن كان ذكرا وأنثى قيل: وصلت أخاها، فحرما جميعا، وكانت منافعها، ولبن الأنثى منها للرجال دون النساء.
السائبة: كان الرجل يسيب الشيء من ماله، إما بهيمةً أو إنسانا، فتكون حراما أبدا، منافعها للرجال دون النساء.
الحامي: كان الفحل إذا أدركت أولاده فصار ولده جداً قالوا: حمى ظهره، اتركوه فلا يحمل عليه، ولا يركب، ولا يمنع ماء، ولا مرعى، فإذا ماتت هذه التي جعلوها لآلهتم، اشترك في أكلها الرجال والنساء، وذلك قوله تعالى " وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصةً لذكورنا ومحرمٌ على أزواجنا وإن يكن ميتةً فهم فيه شركاء " قالوا: وكان أهل المدر والحرث إذا حرثوا حرثا، أو غرسوا غرسا، خطوا في وسطه خطا، فقسموه بين اثنين فقالوا: ما دون هذا الخط: لآلهتم، وما وراءه: لله، فإن سقط مما جعلوه لآلهتهم شيء فيما جعلوه لله ردوه، وإن سقط مما جعلوه لله فيما جعلوه لآلهتهم أقروه، وإذا أرسلوا الماء في الذي لآلهتم، فانفتح في الذي سموه لله سدوه، وإن انفتح من ذاك في هذا قالوا: اتركوه فإنه فقير إليه، فأنزل الله عز وجل " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون. " الأزلام:
قالوا: كانوا إذا كانت مداراة أو نكاح أو أمر يريدونه، ولا يدرون ما الأمر فيه ولم يصح لهم أخذوا قداحا لهم فيها: أفعل ولا أفعل لا يفعل، ثم لا خير، شرٌ بطيءٌ سريع، فأما المداراة فإن قداحا لهم فيها بيضا ليس فيها شيء فكانوا يجيلونها فمن خرج سهمه فالحق له، وللحضر والسفر سهمان، فيأتون السادن من سدنة الأوثان فيقول السادن: اللهم أيهما كان خيرا فأخرجه لفلان، فيرضى بما يخرج له، فإذا شكوا في نسب الرجل أجالوا له القداح وفيها: صريحٌ، وملصقٌ، فإن خرج الصريح ألحقوه بهم، وإن خرج الملصق نفوه، وإن كان صريحا فهذه قداح الاستقسام.
الميسر: قالوا في الميسر: إن القوم كانوا يجتمعون فيشترون الجزور بينهم، فيفصلونها على عشرة أجزاء، ثم يؤتي بالحرضة وهو رجل يتأله عندهم لم يأكل لحما قط بثمن، ويؤتى بالقداح وهو أحد عشر قدحا، سبعة منها لها حظ إن فازت، وعلى أهلها غرم إن خابت، بقدر مالها من الحظ إن فازت، وأربعة ينقل بها القداح، لاحظ لها إن فازت، ولا غرم عليها إن خابت.
فأما التي لها الحظ: فأولها الفذ في صدره حز واحد، فإن خرج أخذ نصيبا، وإن خاب غرم صاحبه ثمن نصيب، ثم التوأم، له نصيبان إن فاز، وعليه ثمن نصيبي إن خاب، ثم الضريب، وله ثلاثة أنصباء، ثم الحلس وله أربعة، ثم النافس، وله خمسة، ثم المسبل، وله ستة، ثم المعلى وله سبعة. قالوا: والمسبل يسمى: المصفح، والضريب يقال له: الرقيب.
وقد جمع الصاحب بن عباد هذه الأسماء ونظمها في أبيات فقال:
إن القداح أمرها عجيب ... الفذ والتوأم والرقيب
والحلس ثم النافس المصيب ... والمصفح المشتهر النجيب
ثم المعلى حظه الترغيب ... هاك فقد جاء بها الترتيب
وأما الأربعة التي ينقل بها القداح فهي: السفيح، والمنيح، والمضعف، والوغد.
قال ابن قتيبة: والمنيح له موضعان: أحدهما لاحظ له، والثاني له حظ، فكأنه الذي يمنح حظه، وعلى ذلك دل قول عمرو بن قبيصة:
بأيديهم مقرومةٌ ومغالقٌ ... يعود بأرزاق العيال منيحها
قالوا: فيؤتى بالقداح كلها وقد عرف لك ما اختار من السبعة ولا يكون الأيسار إلا سبعة، لا يكونون أكثر من ذلك، فإن نقصوا رجلا أو رجلين، فأحب الباقون أن يأخذوا ما فضل من القداح، فيأخذ الرجل القدح والقدحين فيأخذ فوزهما إن فازا، ويغرم عنهما إن خابا ويدعي ذلك: التميم قال النابغة:
إني أتمم أيساري وأمنحهم ... من الأيادي وأكسوا الجفنة الأدما
فيعمدوا إلى القداح، فتشد مجموعة في قطعة جلدٍ ثم يعمد إلى الحرضة فيلف على يده اليمنى ثوبا لئلا يجد مس قدحٍ له في صاحبه هوى، فيحابيه في إخراجه، ثم يؤتي بثوب أبيض يدعى. المجول، فيبسط بين يدي الحرضة، ثم يقوم على رأسه رجل يدعي: الرقيب، ويدفع ربابة القداح إلى الحرضة وهو محول الوجه عنها، والربابة: ما يجمع فيها القداح، فيأخذها ويدخل شماله من تحت الثوب، فينكر القداح بشماله، فإذا ********* منها قدح تناوله فدفعه إلى الرقيب. فإن كان مما لاحظ له رد إلى الربابة، فإن خرج بعده المسبل، أخذ الثلاثة الباقية، وغرم الذين خابوا ثلاثة أنصباء من جزور أخرى، وعلى هذه الحال يفعل بمن فاز ومن خاب، فربما نحروا عدة جزور ولا يغرم الذين فازوا من ثمنها شيئا، وإنما الغرم على الذين خابوا ولا يحل للخائبين أن يأكلوا من ذلك اللحم شيئا، فإن فاز قدح الرجل فأرادوا أن يعيدوا قدحه ثانية على خطار فعلوا ذلك به.
ومنها: نكاح المقت: كان الرجل إذا مات قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض إخوته بمهر جديد، فكانوا يرثون نكاح النساء كما يرثون المال، فأنزل الله تعالى " يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن " .
ومنها: رمى البعرة: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، دخلت حفشاً، والحفش: الخص، ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا، حتى تمر لها سنةٌ ثم تؤتي بدابةٍ: حمارٍ أو شاةٍ أو طيرٍ فتفتض به أي تمسح به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج على رأس الحول، فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع ما شاءت من طيب أو غيره ومعنى رميها بالبعرة: أنها ترى أن هذا الفعل هين عليها مثل البعرة المرمية، فنسخ الإسلام ذلك بقوله تعالى: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً " .
ومنها: ذبح العتائر: قالوا: كان الرجل منهم يأخذ الشاة، وتسمى العتير والمعتورة فيذبحها ويصب دمها على رأس الصنم، وذلك يفعلونه في رجب، والعتر قيل: هو مثل الذبح، وقيل: هو الصنم الذي يعتر له. قال الطرماح
فجر صريعاً مثل عاترة النسك
أراد بالعاترة: الشاة المعتورة.
عقد السلع والعشر: وقد تقدم ذكره عند ذكر أسماء نيران العرب.
ذبح الظبي: كان الرجل ينذر أنه إذا بلغت إبله أو غنمه مبلغا فأذبح عنها كذا، فإذا بلغت ضن بها، وعمد إلى الظباء فيصطادها ويذبحها وفاء بالنذر، قال الشاعر
عنتاً باطلاً وزوراً كما يع ... تر عن حجرة الربيض الظباء
ومنها: " حبس البلايا: كانوا إذا مات الرجل يشدون ناقته إلى قبره، ويعكسون رأسها إلى ذنبها، ويغطون رأسها بوليةٍ وهي البردعة، فإن أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعًى، ويزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك، ليركبها صاحبها في المعاد، ليحشر عليها، فلا يحتاج أن يمشي، قال أبو زبيد:
كالبلايا رءوسها في الولايا ... مانحات السموم حر الخدود
ومنها: خروج الهامة: زعموا أن الإنسان إذا قتل، ولم يطالب بثأره، خرج من رأسه طائرٌ يسمى: الهامة، وصاح على قبره: اسقوني! اسقوني! إلى أن يطلب بثأره، قال ذو الإصبع
يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة: اسقوني
ومنها: إغلاق الظهر: كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة، عمد إلى البعير الذي أمات به، فأغلق ظهره لئلا يركب، ويعلم أن صاحبه حمى ظهره، وإغلاق ظهره أن ينزع سناسن فقرته ويعقر سنامه.
ومنها: التعمية والتفقئة: وكان الرجل إذا بلغت إبله ألفا فقأ عين الفحل يقول: إن ذلك يدفع عنها العين والغارة، قال الشاعر:
وهبتها وأنت ذو امتنان ... تفقأ فيها أعين البعران
فإن زادت عن ألف فقأ العين الأخرى، فهو التعمية.
ومنها: بكاء المقتول: كان النساء لا يبكين المقتول إلا أن يدرك بثأره، وإذا أدرك بثأره بكينه، قال الشاعر:
من كان مسرورا بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يبدبنه ... يلطمن حر الوجه بالأسحار
ومنها: رمى السن في الشمس: يقولون: إن الغلام إذا ثغر، فرمى سنه في عين الشمس بسبابته وإبهامه وقال: أبدليني أحسن منها، أمن على أسنانه العوج، والفلج، والثعل، قال طرفة
بدلته الشمس من منبته ... بردا أبيض مصقول الأشر
ومنها: خضاب النحر: كانوا إذا أرسلوا الخيل على الصيد فسبق واحدٌ منها، خضبوا صدره بدم الصيد علامة له، قال الشاعر:
كأن دماء العاديات بنحره ... عصارة حناءٍ بشيبٍ مرجل
ومنها: التصفيق: كانوا إذا ضل الرجل منهم في الفلاة، قلب ثيابه، وحبس ناقته، وصاح في أذنها كأنه يوميء إلى إنسان، وصفق بيديه: الوحا الوحا، النجا النجا، هيكل، الساعة الساعة، إلي إلي، عجل، ثم يحرك الناقة فيهتدي، قال الشاعر:
وأذن بالتصفيق من ساء ظنه ... فلم يدر من أي اليدين جوابها
يعني: يسوء ظنه بنفسه إذا ضل.
ومنها: جز النواصي، كانوا إذا أسروا رجلا، ومنوا عليه فأطلقوه، جزوا ناصيته ووضعوها في الكنانة، قال الحطئية:
قدنا سلول فسلوا من كنانتهم ... مجدا تليدا ونبلا غير أنكاس
يعني بالنبل: الرجال، وقالت الخنساء
جززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنون أن لا تجزا
ومنها: كي السليم عن الجرب: زعموا أن الإبل إذا أصابها العر فأخذوا الصحيح وكووه زال العر عن السقيم، قال النابغة:
وكلفتني ذنب امريء وتركته ... كذي العر يكوي غيره وهو راتع