خال
حين سأله القاضي:" لم رضضت رجل جارك السلفيّ، و كسرت عموده الفقريّ، تنهّد المتهم شريف عمر عمارة ثم أجاب بصريح العبارة :
ـــ سيدي القاضي حضرات المستشارين... كنت مهموما مكروبا بسبب عجزي عن تسديد فواتير الكراء و الماء والكهرباء، و معلوم اشتراك ابنتي شيماء في الحافلة التي تقلها صبحا و مساء، حين طرق صهري مخلوف بابي، مضاعفا مصابي، ليعلمني أن جاره منير عبد التوّاب الذي التصق بفقره بالتراب، قد أصبح في رمشة عين من ذوي الملايين، بعد أن وردت عليه رسالة عاجلة من السفارة السويسريّة، تعلمه بكل رقّة و دبلوماسيّة، بأنه قد أصبح الوراث الوحيد لخاله الفقيد الذي حرم الزوج و الذرية .فانقلب صاحبنا من بعده فقره غنيّا، و سبحان من" كان أمره مقضيا".
سكت شريف عمر عمارة قليلا، مسح فمه بكمّ قميصه ثم استرسل يقول:
ـــ فيما كنت أكابد الحسرات و أستعجل مفرق الجماعات، بعد أن أسودت في ناظري الحياة و حبّب اليّ ورود الممات، اقتحم هذا الجار الغبيّ داري( ثم أشار الى شاب كث اللحية معصوب الرأس كان يقف عن يمينه) هاتكا أستاري، هكذا بلا أحم ولا دستور، عامدا الى الراديو ترنزيستور مسكتا اياه دون استئذان كل ذلك وهو يلعن الغناء و المغنيين، ومن اتبعهم بانصات الى يوم الدين، فقلت له ان الاغنية كانت لمحمد عبد الوهاب في مدح ست الأحباب. فقال لي" يا مرتاب، نحن لا نؤمن بغير محمد بن عبد الوهاب شيخ السلفية و باعث المملكة السعودية، و قد حرّم الغناء على الرجال و النساء" لكن مراعاتي حق الجوار حال بيني و بين لطم قفا هذا الجار، فتحلّيت بالصبر حتى انصرف الرقيع الى داره، و كفاني شجاره.
بعد أقل من نصف ساعة أطل عليّ ذو الرقاعة و قال لي" لقد جئتك مبشّرا بعد أن هدأ شيطانك و عاودك إتزانك بعد أن بلغني عن صهرك مخلوف ما أعتراك من كرب لسوء الظروف، خصوصا بعد سماعك خبر عبد التواب، و ما أنصبت عليه من ملايين بعدد الحصى و التراب. فابشر أنت الآخر بخير خال يبلّغك المقصود و يحقّق لك الآمال" قال ذلك ثم اقترب مني هامسا:" ألا يسرّك يا عبد الحميد أن خالك أبا يزيد؟!"
صحت من ضجري بعد أن أعملت فكري " أرحل عني حالا، فما علمت لي خالا بعد خالي جمال فرحات الذي قضى نحبه مفلسا منذ سنوات" حينئذ اقسم لي برافع السماوات ان لي خالا شهيرا تشرّفني معرفته و تسعدني نسبته، نظرا لما حظي به من ملك واسع في الدنيا و مكانة مضمونة في الآخرة. حينئذ خطر ببالي ان العناية الالهية قد أخفت لي خالا من طراز ما بشّرت به السفارة السويسرية. فقلت لجاري السلفي و الفرح قد برّح بي" أبشر بنصف ثروتي لو تحققت أمنيتي و كشف الغيب المستور، عن خال يملك الملايين مع الضياع و الدور" حينئذ نظر الي صاحب الوجار نظرة ازدراء و إحتقار ثم قال لي" بئس المسلم أنت و الجار، أتستبدل خالا كاتبا للوحي المعصوم بخال وهميّ عاشر أكلة لحم الخنزير و وطأ نساء الفرنجة و الروم؟" فصحت به من قرفي، وقد أدركت ما يخفي:" هل تعني بكاتب الوحي يا فشلان، معاوية بن أبي سفيان؟!" رد علي جاري المهين: " و من غيره يا مسكين؟" ثم أردف بعد حين: " ألا تعلم يا خسران، أن معاوية بن ابي سفيان، قد صار خالك باقتران نبي عدنان، بأمّ حبيبة بنت أبي سفيان؟!".. ثم وهو يرفع صوته " أعني أمّك يا لعين، هذا أن كنت ــ و أشك أنك ــ من المؤمنين " حينئذ صحت بجاري التعيس: "خيبك الله كما خيبتني يا خسيس "فصاح بي اللعين:" بئس ما يامرك به اذا ايمانك ان كنت من المؤمنين"، فقلت له" صه يا مهين، فرغم أنني من المؤمنين، فلست أرضى معاوية خالا و لو كسيت الذهب سربالا، لأنني أكون بذلك قد قايضت ديني بثروة قد ترديني، هذا بالإضافة الى تكريمي شخصا لعبت به مطامعه و قاد خطامه الوسواس حتى حمله على سفك دماء أصحاب المصطفى وهم خير أمة اخرجت للناس، و على زرع بذرة الديكتاتورية بتنصيب ولده الفاسق على أمّة خير البريّة، مؤسسا الملك الوراثي الذي أوصل الفاسق و المأبون و الملحد و الغبيّ الى الحكم لو كنت تعي، الأمر الذي تسبب في ذهاب ريح المسلمين و جعلهم في أسفل السافلين، فلا هم أهل دنيا و لا هم أهل دين، فبما جئت تبشرني يا شبيه الغراب أبالجيف أم بالخراب؟" ما ان أتممت الخطاب، حتى غشي ناظري الضباب، فاختزلت لي ثدييات و رموز السلفية عبر القرون، في شخص جاري هذا المأفون، فاعملت فيه قبضتيّ حتى سقط كخرقة بين يديّ. و كنت كلما وجهت ركلة قوية كنت أشفعها بقولي" " هذه لأبن حنبل و هذه لإبن تيمية". وكلما نطحته بالجبين شفعتها بقولي:" هذه لإبن باز وهذه لإبن العثيمين".ولولا صياح أم العيال لأرديته في الحال .هذه يا حضرة القاضي قصتي بين يديكم من طقطق الى سلام عليكم.
حينئذ التفت القاضي في الحال و سأل السلفي ذا الخبال:
ـــ أحقّا تؤمن يا بنيّ، بأن رحمة العزيز القويّ ستشمل معاوية و قد تسبب في تمزيق وحدة المسلمين و قتل مائة ألفا من الموحدين؟ سابقا ميكافيلي الطليان في الغدر و البهتان و العمل بكل مكر و حيلة بقاعدة " الغاية تبرّر الوسيلة"؟ أجاب السلفي بكل يقين " رضي الله عن خالي أمير المؤمنين، لقد كان مجتهدا دون ارتياب، و سوف ينال أجره أخطأ أم أصاب" حينئذ رد عليه القاضي:
ـــ لن أكون إذا أكثر غيرة على دماء وعظام المسلمين من الله ربّ العالمين، لأجل ذلك فقد برأت خصمك الذي صفع قذالك و كاد أن يوردك المهالك، لأن جنايته بجوار جنايات معاوية المحتال، كنسبة الذرة الى شاهق الجبال، فخذ بيد ابن أخت خالك ثم أغرب عني لا أبا لك!"
أوسلو 14 أوت 2010