عندما قال بن غوريون لا لكيندي.
جيرالد ستينبرغ
جيروزاليم بوست.
*لا تسأل و لن أخبرك*سياسة خدمت مصالح امريكا واسرائيل جيدا.
هو رسمي ان هناك ازمة كبرى في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.والأمر ليس ردود فعل عاطفية عابرة او شجار حول توقيت إعلان بناءات في القدس. لكن الخلاف الكبير هو حول القضايا المؤثرة على المصالح الحيوية لكليهما. وبالرغم من ان اوباما ونتانياهو قد يكون لهما تأثير هامشي على هذا الخلاف لكن الخلاف الحقيقي هو حول السياسات والأهداف.
في هذه الحال. كلا من الرئيس ورئيس الوزراء يدركان ان هناك تفاوتا هائلا في العلاقة بين دولتيهما. فأمريكا هي حليف إسرائيل الوحيد الموثوق. ولو كانت هناك تبادل فيما يخص التكنولوجيا العسكرية والمخابراتية. لا يوجد هناك توازن في ذلك. فلا يوجد بلد آخر. وبالتحديد أي بلد أوروبي يوفر أسلحة متطورة ومكلفة اللازمة لحماية حياة الإسرائيليين.لذلك في جعبة البيت الأبيض الكثير من الأوراق.خاصة مع توفره على الأغلبية في الكونغرس مثلما هو الحال الآن.
لكن التاريخ يعلمنا انه في ما يتعلق بالمسائل الحيوية حتى رئيس الولايات المتحدة لا يستطيع لي يد إسرائيل. كمثال فقد رفض مناحيم بيغن طلب جيمي كارتر تجميد الاستيطان إلى اجل غير مسمى سنة 1978 إثناء انعقاد قمة كامب دافيد.
ورفض أريل شارون الامتثال لطلب جورج دبليو بوش إنهاء عملية مكافحة الإرهاب مارس 2002 عقب هجمات عيد الفصح اليهودي.وحادثة أخرى وقعت قبل 50 عاما عندما طالب جون كيندي بن غوريون بانهاء برنامج الردع النووي.الذي كان ضروري لليهود الذين يعيشون في وسط جد عدائي.
الحادثة بدأت في عام 1960 عندما طلبت إدارة ايزنهاور المنتهية ولايته آنذاك من إسرائيل تفسيرا لبناية غامضة بالقرب من ديمونة. وقيل له ان هذه المنشأة السرية في وسط الصحراء .هي منشأة بريئة لغزل القطن.وانه لا داع للمجيء وتفتيشها. بعدها تم نشر صور صنفت تجسسية على صحيفة نيويورك تايمز "نعم المخابرات الامريكية تتجسس على الدولة العبرية ب وبدون جوازات سفر مزورة".
وعندما تسلم كيندي الرئاسة عام 1961 أصبح الخلاف أزمة واضحة بين البلدين. رغم ان كيندي لم يكن معاديا لإسرائيل.*خلافا لجيمي كارتر*.لكنه لم يكن لديه تعاطفا خاصا مع الشعب اليهودي. فحث مستشاريه على ضغط مستمر.على افتراض ان إسرائيل لن يكون لها خيار سوى الرضوخ لمطالب الولايات المتحدة. ففي كل اجتماع رفيع او اتصال تكرر طلب التفتيش على مفاعل ديمونة. وكان احد أشكال هذا الضغط عدم دعوة بن غوريون الى البيت الأبيض.حيث استقبل في 1961 بجدول اعمال منخفض بفندق ولدورف استوراي بنيويورك .ين هيمنت عليه هذه المسألة.
وكانت اسرائيل من نواحي عدة اضعف مما عليه اليوم. فجيش الدفاع الإسرائيلي لم يكن ينظر اليه قبل 1967 كقوة ردع معتبرة. وكان يعتمد اعتمادا كبيرا على مساعدات يهود الشتات. فلو فرضت الولايات المتحدة قيودا وضرائب فان الثمن سيكون باهضا. وظل بن غوريون يقول لا ويلتف عليهم لمدة عامين.
ونفد صبر كيندي. فأرسل في رسالة شخصية بتاريخ 18 ماي 1963.محذرا من انه اذا لم يسمح للمفتشين الأمريكيين زيارة ديمونة. فان هذا يعني تجميد أي أنشطة عسكرية مع إسرائيل.وستجد إسرائيل نفسها معزولة تماما.وبدل ان يرد بن غوريون على الرسالة.استقال فجأة من منصبه. كينيدي اعاد التأكيد على الالتزام التام بأمن إسرائيل. وعادت الأمور. لكن بعد حرب 1967 وطرد قوات حفظ السلام الأممية. إسرائيل ليس عليها الاعتماد على احد بما في ذلك الولايات المتحدة.
خليفة بن غوريون *ليفي اشكول*. تلقى الرسالة الثانية من كيندي الذي زاد من الضغوط محذرا ان الالتزام والدعم الامريكي لاسرائيل قد يتعرض لخطر شديد.
وبعد تولي لندون جونسون الرئاسة بأمريكا عقب كيندي.عادت القضية للظهور مجددا مع تهديدات أمريكية بحضر توريد الأسلحة التقليدية لإسرائيل .لكن اشكول أصر على موقف سابقه بن غوريون. وتواصلت الضغوط عام 1969 مع ريتشارد نكسون وهنري كسنجر الذين بذلوا جهودا لثني تل أبيب على التخلي عن خيار الردع ورفضت غولدا مائيير. ورضخت أمريكا أخيرا على خيار ان "لا تسأل"وهو الحل الوسط الذي خدم جيدا مصالح البلدين لأكثر من 40عاما.
لاستخلاص للعبر في الأزمة الحالية .ينبغي عدم تجاهل الاختلافات. فديمونة كانت قضية ثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة. بينما هنا الفلسطينيون هم طرف ثالث وحاسم. اذ لا يوجد أي معنى للضغط على إسرائيل اذا أصر الفلسطينيون على مواصلة الإرهاب والتحريض. ورفض شرعية السيادة اليهودية. وطالما ان الحقوق اليهودية في القدس هي قضية أساسية لمعضم اليهود والإسرائيليين. هي مع مسألة الردع الاستراتيجي في مرتبة واحدة.
فالمسألة إذن. ليس في ان نتانياهو او أي زعيم آخر يستطيع قول لا في وجه ضغوط جدية أمريكية. هناك سوابق لذلك. المسألة هي فيما اذا كانت مطالب اوباما خطيرة بما يكفي لتبرير كلفة تأجيج الخلاف.
بغض النظر عن المسار المستقبلي لهذه الأزمة.فإنها أبرزت الحاجة الى النظر بعناية الى الأولويات والسياسات بخصوص القدس. وعلى نطاق أوسع مسائل الحدود والمستوطنات.لأنها لا يمكن ان تستمر اعتمادا على تحالفات سياسية قصيرة الأمد او قرارات بيروقراطية قاصرة. فعلى الأقل في هذا الصدد يمكن للإسرائيليين شكر اوباما على هاته الأزمة.
...
الكاتب هو استاذ العلوم السياسية في جامعة بار ايلان.
ت.رزاق الجزائري