الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري

الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري، وهي أول السفرات: اعلموا يا سادة يا كرام أنه كان لي أب تاجر، وكان من أكابر الناس والتجار، وكان عنده مال كثير ونوال جزيل، وقد مات وأنا ولد صغير، وخلف لي مالاً، وعقاراً، وضياعا، فلما كبرت وضعت يدي على الجميع وقد أكلت أكلاً مليحاً وشربت شرباً مليحاً، وعاشرت الشباب، وتجملت بلبس الثياب، ومشيت مع الخلان والأصحاب، واعتقدت أن ذلك يدوم لي وينفعني، ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان، ثم إني رجعت إلى عقلي، وأفقت من غفلتي، فوجدت مالي قد مال، وحالي قد حال، وقد ذهب جميع ما كان عندي، ولم أستفق لنفسي إلا وأنا مرعوب مدهوش، وقد تفكرت حكاية كنت أسمعها سابقا،ً وهي حكاية سيدنا سليمان بن داود عليه السلام في قوله: ثلاثة خير من ثلاثة: يوم الممات خير من يوم الولادة، وكلب حي خير من سبع ميت، والقبر خير من القصر.
ثم إني قمت وجمع ما كان عندي من أثاث وملبوس وبعته، ثم بعت عقاري وجميع ما تملك يدي، فجمعت ثلاثة آلاف درهم، وقد خطر ببالي السفر إلى بلاد الناس، وتذكرت كلام بعض الشعراء حيث قال:

بقدر الكد تكتسب المعـالي**ومن طلب العلا سهر الليالي يغـوص

البحر من طلب الــلآلئ**ويحظى بالسيادة والنــــــوال

ومن طلب العلا من غير كد** أضاع العمر في طلب المــحــال
فعند ذلك هممت، فقمت واشتريت لي بضاعة ومتاعاً وأسباباً وشيئاً من أغراض السفر، وقد سمحت لي نفسي بالسفر في البحر فنزلت المركب، وانحدرت إلى مدينة البصرة مع جماعة من التجار، وسرنا في البحر أياماً وليالي، وقد مررنا بجزيرة بعد جزيرة، ومن بحر إلى بحر، ومن بر إلى بر، وفي كل مكان مررنا به نبيع ونشتري ونقايض بالبضائع فيه، وقد انطلقنا في سير البحر إلى أن وصلنا إلى جزيرة كأنها روضة من رياض الجنة، فأرسى بنا صاحب المركب على تلك الجزيرة، ورمى مراسيها وشد السقالة، فنزل جميع من كان في المركب في تلك الجزيرة، وعملوا لهم كوانين وأوقدوا فيها النار، واختلفت أشغالهم، فمنهم من صار يطبخ، ومنهم من صار يغسل، ومنهم من صار يتفرج، وكنت أنا من جملة المتفرجين في جوانب الجزيرة.

وقد اجتمع الركاب على أكل وشرب ولهو ولعب، فبينما نحن على تلك الحالة، وإذا بصاحب المركب واقف على جانبه وصاح بأعلى صوته: يا ركاب السلامة أسرعوا واطلعوا إلى المركب، وبادروا إلى الطلوع واتركوا أسبابكم، واهربوا بأرواحكم، وفوزوا بسلامة أنفسكم من الهلاك، فإن هذه الجزيرة التي أنتم عليها ما هي جزيرة، وإنما هي سمكة كبيرة رست في وسط البحر، فبنى عليها الرمل، فصارت مثل الجزيرة، وقد نبتت عليها الأشجار من قديم الزمان، فلما وقدتم عليها النار أحست بالسخونة فتحركت، وفي هذا الوقت تنزل بكم في البحر، فتغرقون جميعاً، فاطلبوا النجاة لأنفسكم قبل الهلاك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

(السندباد)