العدد 2184 | 15 ربيع الأول 1430 هـ
إعداد: آمال الدهمش
مع انفتاح بلادنا واتصالها بثقافات الدول الأخرى، أصبح الواحد منا يفتخر بتعلم لغة غير اللغة العربية، مع أنها لغة القرآن. وأيضاً لم يعد هناك اهتمام من قبل المسؤولين، فأصبحنا نرى الضعف واضحاً سواء في النطق أو حتى الكتابة.
ملحق أسرتي رأى أن يناقش قضية ضعف اللغة العربية في المادة الموجهة للطفل سواء من الناحية الإعلامية أو التعليمية، لأن هذا الطفل هو رجل المستقبل.
في البداية تحدثت
د.
ابتسام التميمي الأستاذة بجامعة الأميرة نورة حيث قالت: إن الأسباب عدة ولا تؤول إلى مصدر واحد؛ فالطفل في مراحله الأولى إلى أن يصل سن البلوغ متلقٍ جيد ومقلِّد ماهر؛ لذا فهو يكتسب اللغة ممن حوله بصورة سريعة تصل إلى ذروتها في المرحلة العمرية الواقعة بين (1 - 6) كما يقرر علماء النفس واللغات. ونظرة فاحصة إلى واقعنا تقف بنا على ما يعانيه الطفل من إهمال لهذا الجانب المتعلق بلغته الأم؛ فمحيطه الأسري يتحدث العامية التي قد تصل حد الإغراق في تفاصيلها الدقيقة وتجعلها غير مفهومة لأصحاب لهجات أخرى. والمجتمع يفعل ذلك أيضاً في الشارع والنادي وأماكن الترفيه، بل وفي المساجد والأمكنة التي تهتم بالثقافة والتوجيه. وحين ينتقل الطالب إلى المدرسة لا يختلف الوضع كثيراً؛ إذ يجد المعلم يتحدث بلهجته العامية. والطامة الكبرى التي قد تحدث لدى الطفل شيئاً من الازدواجية والفصام تتمثل في تحدث بعض من يعلم اللغة العربية باللهجة الدارجة! ولا يمكن إغفال دور وسائل الإعلام المختلفة التي تجنح إلى تكسير اللغة وتطعيمها بمفردات عامية أو أجنبية، وهذه الأخيرة - أعني اللغة الأجنبية - عامل آخر من عوامل الضعف خاصة حين يرسخ في وعي الطفل أن إتقانها مدعاة للفخر وسمة للتطور؛ فيعمل على الاهتمام بها وتطعيم لغته الأم بها، متناسياً أن معالجة اللسان لأكثر من لغة قد يضعف اللغة الأم إن لم تتعهد بالعناية المستمرة.
العلاج
وعن علاج هذا الضعف تضيف
د.
التميمي قائلة:
إذا استطعنا تشخيص المشكلة بدقة نستطيع بإذن الله أن نصف العلاج الناجع.
لذا على الأسرة أن تبتعد عن الحديث العامي المغرق وتستخدم مفردات فصيحة أو ذات أصل فصيح؛ خاصة وإن الأسر الآن أصبحت متعلمة واعية، كما أنها تستطيع أن تحدد مدة زمنية - يومياً - تتحدث فيها الأسرة بلغتها الأم وترصد جوائز لا تخرج عن إطار الهدف الأساس لمن ينفذ الاتفاق بدقة. ألسنا نفعل ذلك حين نتعلم لغة جديدة أو مهارة معينة؟!
الإلزام بالفصحى
أيضاً ينبغي أن يلزم كل من يمارس التدريس والتعليم في المراحل المختلفة باستخدام الفصحى، ولا يتهاون مع من يهمل ذلك؛ فتوضع إستراتيجية لضمان سلامة التنفيذ.
تدريس العربية
من وسائل العلاج أن يوكل تدريس اللغة العربية لمن يتقنها نطقاً وكتابة. التوجه لوسائل الإعلام من قبل المسؤولين؛ للرقي بلغتنا عن طريق الاستخدام الأمثل لها والابتعاد عن كل ما يشوبها، وتقليل البرامج التي ترفع من شأن العامية وأدبها، ومثل ذلك الصفحات المخصصة لها.
توعية الطفل
توعية الطفل بل والمجتمع بأن تعلُّم لغة أخرى أو لغات ينبغي أن يكون من أجل رفعة الدين وخدمته ورفد لغته لا تحطيمها وتشويهها.
وباختصار: لا بد أن يشعر الطفل أن لغته الفصحى لغة حياة تمارس في كل مكان لا لغة نخبوية أو منزوية في ركن من أركان التاريخ، أو مجرد لغة يتلقى بها العلوم فقط وتذكره بقاعة الدرس.
حب اللغة العربية
وعن تنمية حب اللغة العربية الفصحى في نفس الطفل؟
يقول د. الرشيد:
أظن أن من أهم ما يحبب الطفل في لغته أن يعوّد سماعها، فالوالدان يستطيعان محادثته ولو في بعض الأوقات بالفصحى الميسّرة، وتعويده سماع الأناشيد الفصيحة، وعلى المدرسة دور كذلك في تحبيب الفصحى إلى التلميذ الصغير من خلال تدريسه بها، وذكر مزاياها وربط أهميتها بالقرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأظن أن من المفيد جداً الإفادة من تجربة الدكتور عبدالله الدنان في مشروعه (الروضة الفصيحة) فقد وصل به إلى نتائج باهرة في هذا الموضوع. وقد طُرحت فكرته في أكثر من كتاب، وأذكر أن مركز الضاد في الرياض يطبّق بعض تجاربه في هذا الصدد.
الانفتاح الإعلامي
واليوم وفي ظل الانفتاح الإعلامي تبرز أهمية القنوات الموجهة للطفل، ومن المهم أن تتخذ هذه القنوات منهجاً لا يواجه الطفل بغير الفصحى، وقد جنحت بعض القنوات إلى هذا وإن لم يكن جنوحاً كاملاً لكنه يبشر بخير، ومن أبرز هذه القنوات قناة الجزيرة للأطفال التي أراها من أنجح القنوات في مسألة تعويد الطفل على الفصحى وتحبيبها إليه.
الاعتزاز بلغتنا
ومن جانبها تضيف د. ابتسام التميمي قائلة:
علينا أولاً أن نشعر بالاعتزاز بلغتنا؛ هذا الشعور سينتقل تلقائياً إلى من حولنا ومنهم الأطفال. فعلى سبيل المثال: لا نعمد إلى تكسير اللغة والتهاون بها بصورة مضحكة مبكية من أجل التحدث مع من لا يجيدها من عمالة وغيرهم؛ فينتقل الأمر بصورة سلبية إلى أطفالنا، وإنما علينا أن نتمسك بها ونلزم من حولنا من أبناء اللغات الأخرى بالتحدث بها معنا كما يفعل غيرهم بنا حين نكون في أرضهم، وبالإمكان الاستعانة بالإشارة لتقريب المعاني.
القصة الفصيحة
أيضاً: الطفل في مراحله المبكرة يبحث عن الحب والأمان وغيرهما من العواطف؛ لذا ينبغي أن نعبِّر عن كل ذلك بلغة فصيحة محببة وميسرة ترتبط بذهنه فيما بعد بأسمى المشاعر وأنبلها. كما يحسن أن نختار له القصص الفصيحة ونقرأها بصوت مسموع متبوع بانفعالات جميلة وإشارات مرحة.
توظيف التقنية
زمننا زمن التقنية ويمكننا أن نوظفها لخدمة لغتنا؛ فنستفيد من حب الاستطلاع لدى الطفل ورغبته في الاكتشاف بإحضار بعض الألعاب اللغوية التي تستثير الطفل وتبهره، وتعمد إلى تثرية لغته كتابة ونطقاً، وتحبيبها إليه.
والقائمة طويلة؛ فبما أن الإنسان يفكر فسيبتكر طرائق تنمي حب اللغة في النفس. والأهم من هذا وذاك هو غرس الولاء للدين واللغة في النفس.
وإشعار الطفل أنهما هويته التي يعرف بها أمام الآخر؛ فعليه أن يحسن صونهما ورفدهما بما يفيد.
أما عن دور الأهل في تأسيس لغة الطفل الفصحى؟
- د. التميمي:
إن الدور المناط بالأهل كبير جداً؛ إذ هم البيئة الأولى التي يحتك بها الطفل، ويتلقى فيها دروس اللغة الأولى؛ لذا عليهم أن يصلحوا أنفسهم أولاً ويقوِّموا ألسنتهم؛ فإن فعلوا تيسّر ما بعد ذلك.
وقد ذكرت آنفاً بعض الأدوار التي يعول عليهم بها.
وعن معلمي المرحلة الابتدائية الذين يدرسون تخصصاً غير تخصصهم .. وأثره على سلامة لغة الطفل الفصحى؟
يقول د. الرشيد:
بلا شك أن ذلك يؤثر سلباً، لأن اللغة تؤخذ بالممارسة، ومن أكبر عيوبنا في تعليم العربية اكتفاؤنا بوصفها من الخارج دون أن نمارسها ونطبقها تطبيقاً عملياً.
وتضيف د. التميمي قائلة:
إن ضمنت لي إتقان المعلم لغته حديثاً وكتابة فلا ضير من تدريسه في هذه المرحلة المبكرة؛ خاصة أنها لغتنا والمفترض أن نتقنها. لكن الواقع يخبرنا بغير ذلك؛ فنجد أن بعض من درس اللغة العربية وتخصص في علومها يشكو من ضعف ظاهر. وهنا سيكون التأثير أشد خطورة؛ إذ الطفل يرى في معلم اللغة العربية ذلك اللسان الذي أتى من عصور غابرة سحيقة محملاً بعبق الماضي وداعياً لتجميل الحاضر والمستقبل لا تشويههما بلغة هشة ركيكة منفرة.
وعن أثر المذيع الذي يتكلم بالعامية وأثر ذلك على الطفل تقول د. ابتسام التميمي:
الطفل أذكى مما نتصور، ومحادثتنا له بلهجة عامية مصطنعة ومتملقة تارة أو متحببة أخرى تجعله يضحك منا في سره، كما تشعره بشيء من الدونية وعدم الفهم. وكم رأينا من أطفال برعوا في الخطابة وفي الحديث حينما أعطوا الثقة، واحترمت عقولهم. ولعلنا نذكر تلك البرامج القليلة التي عاصرناها ونحن صغار واتخذت من الفصحى مجالاً لها مثل: (افتح يا سمسم) و(المناهل) و(مدينة القواعد) وغيرها، هذه البرامج على قلتها، وضعف إمكاناتها مقارنة بما هو موجود الآن، استطاعت أن تصنع تحولاً في لغتنا؛ فأصبحنا نحاكيها ونتحدث كما يتحدث أبطالها. ما أردت إيصاله هو أن الأمر ذاته سيحدث حين تتخذ برامج الأطفال من العامية لغة لها؛ فيجنح الطفل إلى التعامل بها في مناحي حياته المختلفة حتى إن لم يقتنع بها؛ إذ يرى فيها جواز مرور يؤهله للتواصل مع من حوله.
وعن دور المناهج وهل استطاعت أن أن تضع لغة سليمة لدى الطفل؟
يقول د. الرشيد:
لا لم تستطع، لأن المناهج صامتة، والعبرة بمن ينفذ المناهج، وغالب منفذيها ضعاف أو غير متحمسين للفصحى، أو مخدوعون أو عابثون.
لقد مرّ وقت كانت وزارة التربية والتعليم تسند تعليم العربية إلى بعض خريجي الدعوة والإعلام أو الدراسات الإسلامية دون أن تهيئهم تهيئة كاملة.
أما د. ابتسام التميمي تقول:
للمناهج دور لا يستهان به في تكوين جوانب عدة لدى الطفل لعل أبرزها الجانب المعرفي، إلى جانب اهتمامها بالجانب الوجداني والسلوكي، دون أن تغفل الجانب المهاري الحركي. لكن المنهج ما هو إلا وعاء؛ وهذا الوعاء يحتاج لناقل فطن متقن يستطيع إيصال تلك الأهداف للمستهدف بها وهو هنا الطفل.
إذاً أنا لا أستطيع أن أحمل المناهج وحدها النجاح أو الفشل؛ فهي مرتبطة بواضعها وناقلها وطريقة نقلها؛ فقد يكون المنهج رائعاً والمعلم مؤهلاً لكن الطريقة خاطئة، وقد تكون الطريقة جيدة والمنهج مثلها لكن المعلم لا يملك من مقومات اللغة شيئاً.
المصدر