عرس على جسر الأئمةأبو محمد
عند الغروب الحالم ، وفي الأفق المتناهي ، يمضي قرص الشمس الغافية 00التي اخذ منها الكرى رقصات الظهيرة المحرقة 00تداعت نحو الأفق الضبابي00خلف البساتين لتغفو في عشها الساكن ، وتلتحف الظلمة بنسيج خيوط الليل 0
ـ خرجت من الفندق صوب ( جسر ألأئمة ) ، وعلى الشاطئ الرملي جلست اجتر الأسى من عمر راح في لحظة هوجاء حرقت كل طيب 00كل حلو0الجمال ،ألأنوثة ، الطفولة0
أخرجت من حقيبتي شمعتين وكربة من النخل 00ثبتهما 00واشعلت الشموع ، ووضعتهما في جاري النهر وهي تتوهج وتسير، مرافقة خيالها المعكوس ، يلاعب وجنتها خد الجاري 00تسير ألهوينا متراقصة مع مويجات دجلة ، تعزف لها نسمات الشمال بعود منفرد 00ابتعدت شيئا فشيئا 00وهكذا بقيت انظر إليها وهي تختفي 00لا اشعر كم مضى من الوقت ، حتى سمعت صوتا من خلفي :أخذنا الوقت ، هبط الظلام ، قالتها أختي .. أفقت حينها ومضينا إلى الفندق ، ومن الفندق فتحت نافذة الغرفة ، نـظـرت صوب ( الجسر) ، لأسترجع ما حدث لي مثل هذا اليوم قبل عام 0
إن ملكة الليل العابق00حينما تنام وتغفو في المسافات المتناهية والمدى البعيد 00
تطير مع نسمات السحر الدافئ لتغمر البيوت والشوارع وسماء الحي بعطرها الوارف0
إن ملكة الليل البنفسجي إذا ابتسمت فاض من فيها حزم النور وشعاع القرمز00
فتحلق في آفاق الخجل على خيوط الحرير لترشف الساحات في المساء المنور برحيقها الآخذ0
إن ملكة الليل السامر إذا طلعت في وهج الليل بضوئه الملون وشعاع ألأهلة 00
تتسامى في أطياف القزح على رنات الوتر لتسقي الخمائل الراقدة بسحرها المستتر 0
حلقت ملكة الليل فوق البساتين ، وعلى الزهور 00جمعت من رحيق الورود مع صديقاتها الفراشات أريج الفرح ، عدن إلى البيت ليحتفلن ب ( ليلة الحنة ) ، وفي باحة البيت ، كبرن وهللن 00ضربن على الدفوف بأهازيج الزهراء ـ وقت زفافها ـ امتلأ البيت بالفرح والحبور ، وفاح بالزنبق والبخور0
في الصباح ، كانت الحافلة تنوء بنا نحو بغداد 00عجلاتها تلتــــهم الجادة بشراهة 00تطوي المسافات ما بعد منها وما أناء 00انها أمنية احمد ، حيث تعاهدنا أن يكون زفافهما يوم ولادة الرسول (ص) فوق جسر الأئمة 0
وفي الفندق ، اتخذت من احد الغرف مستقراً لي ، مقابل غرفة احمد ومليكتي ، ارتحنا ساعة ، وفي المساء خرجنا للزيارة والطواف ، والصلاة والدعاء ، وشراء بعض الحاجات ، وباقة زهور ، في المطعم تناولنا وجبة خفيفة ، ومن ثم عدنا إلى الفندق .
طرقات خفيفة على باب الغرفة 00انه صوت احمد

ـ انه الصباح يا خالتي
00تعجلي حتى نكون على الجسر

ـ امضيا ، فاني متعبة ، سألحق بكما 0
ـ حسنا ،سنكون في الجهة اليمنى في منتصف الجسر ، قرب السياج .
ـ توضأت ، وقرأت شيئا من آيات القرآن الكريم 00دعوت لهما بالسعادة والرفاء ، والخير والبركة ، ثم هممت بالخروج 00
دوي هائل !!
اهتز الفندق 00دارت الغرفة بي 00كدت اسقط 00جمعت قواي
صمت ! .. صمت ! .. ثم تحول إلى ضجيج ، وأصوات ، ولغط00!
كنت مشوشة الفكر00لا اعرف ماذا اصنع 00غير إني وبلا شعور نزلت من الفندق مسرعة 00اناس يركضون في كل اتجاه والأفـــق مملوء بغيوم من الدخان تحجب الرؤية 00
صرخت بهم :
ـ ماذا حدث ؟ !
ـ ماذا حدث ؟!
لا احد يجيبني 00لاحظت بالقرب مني شخصاً ، اسند ظهره إلى حائط الفندق ، صحت فيه :
ـ ماذا حدث ؟ !
ـ نسفوا الجسر 00قالها ثم سقط 0
ركضت نحو الجسر بدون أي شعور ، ودون أي تفكير ، وصلت هناك 00و أنا لا اعرف كيف وصلت 00المهم إني وصلت 00لم يكن احد غيري على الجسر ، صمت مطبق يجتاح المكان 00لكني واصلت طريقي 00تخطيت أشلاء الموتى المبعثرة على طول الجسر00رؤوس واكف 00ارجل00اوصال مقطعة00خرق و أحذية ، ودماء رسمت خرائط على قفا الجسر 0
بحثت عنهما في كل مكان 00لم اجدهما00خارت قواي 00امسكت بالسياج 00وفي مكان ما رأيت زهور مبعثرة 00تذكرت ، أنها الباقة التي اشتريتها بالأمس 00التقطتها 00وضعتها على صدري00ترائى إلى مسمعي أصوات تقترب وتعلو ، أصوات سيارات الإسعاف ، والشرطة ، ومركبات أخرى ، وعربات ، ثم أخذت تختفي في أذني حتى انقطعت 0
بعد أيام ، أفقت فوجدت نفسي في ردهة طويلة ، على سرير من بين ألأسرة الممتلئة بالجرحى 00وجدت أمامي رجلا ببدلة بيضاء ، يبتسم لي ويقول :
حمدا ًلله على سلامتك ( يا حاجة ) 0
نظرت إليه بصمت 00 ذرفت عيناي دمعا 00غير إني لم اشعر بالحزن 00اني أراهما 00هناك 00في البعيد 00يلعبان ، ويركضان ، ويخصفان من ورق الجنة