مُنْتَهَى الأدَبِ
... وأما هو فيرى نفسه ناثرا لا يشق له غبار، وله في فنون النثر آيات يتيمات وإبهار، وفيها له على غيره ألف انتصار وانتصار، ويحب كذلك أن يلبس اسمه الثلاثي صفة الشاعر بكل افتخار، إذ يزعم أنه تفرد دون سواه ببيت القصيد المختار، وانفرد بسر القوافي وبسيفها البتار، وخلصت له وحده قافية نوادر الأشعار، ثم إنه يدعي الإحاطة بجوهر الشعر ولب النثر وبسائر ما ينطويان عليه من الأسرار، بل ينسب لنفسه الريادة والسيادة في هذا المضمار، ويحسب النظم تاجا على رأسه لا يفارقه حيث سار، والنثر خاتما في أصبعه يدور حيث دار، وأنه سلطان الشعر والشعراء يجير ولا يجار، وملك النثر والناثرين بلا منازع له فيهما باختصار ...
كلما فرغ من كتابة قطعة يصفها ظلما بالشعرية الجميلة، وما إن ينفض يده من سرد فقرات حتى ينعتها غصبا بالنثرية الجليلة، بل إنه يعد هذه وتلك سبقا أدبيا يقينا، وعقيدة يجدر بكل أديب أن يتخذها في ما يكتب منهاجا ودينا، ولا يليق به أن يبرح رحابها بل أن يلازمها حصنا حصينا، فهي البحر عنده لمن شاء الغوص فيه طلبا للنفائس والكنوز وما توارى في أعماقه دفينا، وهي السفينة لديه لمن طمع في الإبحار إلى جزر البلاغة حتى يكون بها قمينا، أو أراد أن يتخذ له في الكتابة والخطابة زئيرا وعرينا، أو أحب أن يكون في شعره ونثره ساحرا مبينا ...
لم تكن كتاباته إلا قبحا وشينا، إذ عكف على كل كلمة خبيثة ينتقيها صنما يتقرب إليه في ما ينثر حينا وينظم حينا، فانتصر لكل كلمة نابية ساقطة ورأى أن لها عليه دينا، وعشق كل عبارة فاحشة فاضحة وقر بها عينا، ثم إنه لم يستح ولم يستتر إذ جهر بالسوء في منثوره ومنظومه علنا، وأخذته العزة بمنكر القول والحديث في ما يخط باليمين فكان له إبليس عونا، فصار الحياء في عرفه جهلا وقيدا وجبنا، وغدا خدش الحياء لديه جرأة مطلوبة وعلما شريفا وحسنا ...

د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

aghanime@hotmail.com