النتائج 1 إلى 12 من 18

الموضوع: عصفور على النافذة ( من مجموعتي )

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 عصفور على النافذة ( من مجموعتي ) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية مريم خليل الضاني
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    183
    معدل تقييم المستوى
    16
    كالعادة ، تتكرر التفاصيل اليومية لظهيرتي الباهتة : عدت من عملي و تناولت غدائي ثم استلقيت على سريري . تنزّ دماملي القديمة و تحاصرني رياح البكاء الثلجية .
    قرأت ذات مرة أن طول زمن التعايش مع الحزن يورث تبلد الحس ، ولكنه بالنسبة لي أورث المزيد من الألم ! .
    ذاك الحزن المعتّق المترسب في أعماقي كجنين ميت يابس ، من سيجتثه ؟ !
    . الصمت روح تسكن أوصال شقتي الصغيرة .لا شيء سوى دقات الساعة وخرير الماء المتسرب من ماسورة المطبخ المشروخة .
    أحدق في الفراغ ، أبحث عن النوم و أعبث بأوراق مبعثرة متدلية من درج الدولاب : رسالة من أمي ، و فاتورة كهربا ء ، وورقة طلاق ! .
    جرس الهاتف يرن فتمزق نغمته الحادة السكون المطبق على البيت . رفعتُ سماعة الهاتف فجاءني صوت ابنة الجيران
    : أمي تريدك يا خالة .
    تركَت الصغيرة سماعة الهاتف وركضَت لتنادي أمها .
    لم تتصل بي جارتي منذ فترة طويلة ! . لا بد أنها اشتاقت إليّ. سرت في جسمي دفقة من الفرح حين سمعت صخب أبنائها وهم يتعاركون ليمسكوا سماعة الهاتف ويتحدثون معي . بغتة صفعني صوتها المزمجر : ـ
    ما هذا الإهمال ! .الماء المتسرب من مطبخك أغرق مطبخي . كم مرة أخبرتك بهذا ! .
    : لم أعثر على سباك . غدا سأواصل البحث.
    بلعتُ غصتي حين اكتشفتُ أنها وضعت السماعة دون أن تسمع ردي .
    نهضتُ من السرير وطفقتُ أتسكع في الشقة . اتكأت على باب المطبخ أتأمل شرخ الماسورة الآخذ في الاتساع . اقتربت منها وانحنيت فوق بركة الماء الصغيرة التي تجمعت بجوار البالوعة ، فاكتشفت أن دموعي تتساقط تباعا فيها .
    عدت إلى سريري.
    بدأ النعاس يراودني . ما أجمل الهروب إلى النوم !.
    تهدهدني دقات الساعة فأطفو في فراغ الحجرة وأستشرف شواطئ النوم الدافئة .

    فتحت عينيّ بقوة حين تناهى إلى سمعي تغريدك قرب النافذة . تمتمتُ :
    عصفور هنا ! .
    نهضت متثاقلة لأفتح النافذة ،فرأيتك على سطح منزل قريب .

    لعلك يا عصفور تعبت من التحليق فتوقفت هنيهة لترتاح . تكومتُ في فراشي أصغي إليك ، تارة يعلو تغريدك قويا فرحا ، وتارة يخفت متراخيا حزينا ، وتارة أخرى يتقطع كنشيج مكتوم . لعلك تبث همومك إلى عصفور آخر قريب منك أو غائب عنك ، إلا أن تغريدك لا يشبه قط تغريد العصافير الذي اعتدت أن أسمعه في طريق عودتي من العمل ! .
    النعاس يثقل أجفاني. حاولت أن أظل مستيقظة لأصغي إليك ولكن النوم غلبني ، وحين استيقظت لم يكن ثمة تغريد .
    وقفت على النافذة فرأيتك تقف على سطح بعيد ، تغرد فتدثر غلالة تغريدك الأزقة الباردة والأبواب القديمة المتآكلة . تقف هناك وحيدا ، تتقافز على الحبال بين مشابك الغسيل ، تنظر تارة إلى الأفق البعيد فتطيل النظر ، ثم تنظر إلى نافذتي و إلى الزقاق الضيق حيث يحاول صبي جاهدا اصطيادك بمطاطته . تلتقط بمنقارك فتات الخبز الناشف من شرفة ما ثم تحلق بعيدا في السماء ، تبتعد وتبتعد حتى تبدو نقطة دقيقة في صفحة زرقاء ، ثم تتلاشى لتعود مرة أخرى تتقافز على حبال الغسيل .
    ابق هنا يا عصفور . اقترب مني أر يد أن أحدثك . نظرتَ إليّ من بعيد ثم سبحتَ في الفضاء فيبست الكلمات في حلقي. ها أنت تحط على نافذة قريبة مني ، حسنا ، إصغ إلي يا عصفور:
    هل تعيش وحيدا ؟ !
    وهل أدماك صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟ وعندما تدمن البكاء ، وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ؟ .
    هل يستوطنك الإحساس بأنك غصن مقطوع تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ؟ .
    هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف فلا تجد إلا الفراغ ؟ .
    أنت لا تجيب ، بل تنظر إليّ بعينين دقيقتين مغمورتين بالحزن .
    من أي سماء أتيت ؟ ، ولمَ آثرت التغريد هنا على نوافذ متربة لبنايات قديمة ، شرفاتها تحتضن أصص زهور ميتة ؟ .
    ألا تحنّ إلى بلادك البعيدة؟ !.

    حلقتَ بعيدا ثم حططتَ على مصباح مكسور في الزقاق .
    مازلتَ بعيدا عن نافذتي ، وأنا تعبتُ من الوقوف .أسدلتُ ستارة النافذة فاحتد تغريدك واضطرب . لعلك تناديني ، ولكنك تتحاشى الاقتراب من نافذتي ! . خفَتَ صوتك بالتدريج ثم تلاشى .

    ابتعدتُ عن النافذة و أويتُ إلى الصمت ودقات الساعة والخرير المتواصل . لحظات مضت وأنا أتقلب على الفراش . آه ، ليتك تعود يا عصفور ! .
    ربما استوحشتَ في هذا المكان المنسي فقررت أن لا تعود ، أو لعل ذاك الصبي اصطادك!.
    لا بأس ، لقد فقدتُ كثيرا من أحبتي ! وها أنا من جديد أفقد عصفورا ! .
    تشاغلتُ عن رغبتي في البكاء بمراقبة عنكبوت يروح ويجيء عند باب الحجرة . غطيتُ رأسي بالوسادة فسمعت تغريدك .
    لعلي أحلم ! . جلستُ و حدقتُ مليا بستارة نافذتي التي تضطرب بقوة . وثبتُ باتجاه النافذة وسحبتُ الستارة فوجدتك على حافة النافذة ! .
    من سيصدقني عندما أؤكد لهم أن العصافير تبتسم ؟! .



    من مجموعتي القصصية الأولى ( سرداب التاجوري ) التي صدرت قبل خمسة أشهر .
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 06/06/2008 الساعة 11:39 AM
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ياسمينة النافذة
    بواسطة ماجد عرب الصقر في المنتدى الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27/10/2011, 08:50 AM
  2. عصفور يبحث عن بيدر
    بواسطة محمد عبد الستار طكو في المنتدى الشعر
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 31/10/2010, 09:28 AM
  3. النافذة
    بواسطة إدريس الهكار التازي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 20/06/2009, 07:55 PM
  4. بكاء عصفور
    بواسطة مصطفى طاهري في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 19/05/2009, 05:04 PM
  5. ( خارج المفكرة ) من مجموعتي
    بواسطة مريم خليل الضاني في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17/07/2008, 02:30 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •