سيادة اللواء .. رئيس جامعة!
بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
...............................................
رؤساء الجامعات ، مثل غيرهم من رجال الوظائف العامة ، فيهم " أولاد ناس " ، على مستوى رفيع من الخلق والعلم ، ولا ينسون أبداً أن مهمتهم الأولى والأخيرة هى البحث العلمى ، فيخلصون لها ويعيشون من أجلها ، وحين تدفع بهم الأقدار إلى مناصبهم ، فإنهم يترفعون عن الصغائر ، ويرتقون إلى مستوى العلم وأهله ، ويتجاوزون المواقف التى تحط من أقدارهم أو تزرى بهم ، ولو كانت ضغوط الدولة مثل الجبال ، صحيح أنهم يؤثرون عدم المواجهة مع السلطة البوليسية الفاشية ، ويفضلون حلّ المشكلات بهدوء وذكاء ولكنهم لا يسقطون فى وحل الخضوع لإرادة السلطة أو مشيئة الحرس الجامعى ، بل يظلون فى دائرة شموخ العلم ومهابة العلماء ، وهو ما يجعل السلطة او الحرس يخشى الاستهانة بهم أو النيل منهم .
وأحسب أن بعضهم خرج من منصبه " أستاذاً متفرغاً " ، ولكن ذكره فى المجالس العلمية والموسوعات العالمية ، يبقى بالنسبة لهم أكبر من كل منصب ، وأعظم من كل وظيفة .
ولكننا للأسف ، عشنا حتى رأينا من يتدنى بمسلكه ، ليخضع لضابط بوليس فى سنّ أولاده ، يأتمر بأمره وينفذ مشيئته ، فيشعل النار فى جامعته ، ويصنع مأساة دون داع ، وكانت انتخابات اتحاد الطلاب فى الأسابيع الماضية نموذجاً ساطعاً على التدنى والخضوع من جانب بعض رؤساء الجامعات ، الذين شاركوا السلطة البوليسية الفاشية فى عدوانها الآثم على طلاب التيار الإسلامى داخل الحرم الجامعى ، جهاراً نهاراً ، وكانت لديهم الجرأة العجيبة على الكذب أمام الرأى العام ، وتأييد رواية البوليس التى يعلم الناس جميعاً أنها كاذبة جملةً وتفصيلاً !
وللأسف ، فإنهم لا يكتفون بالكذب العلنى ، بل يحلمون أن يكونوا ضباط بوليس ، يبحثون عن كيفية قهر زملائهم وطلابهم ممن لا يرضى عنهم جهاز الأمن .. وقد نشرت بعض الصحف التى تتحدث باسم " لاظوغلى " كلاماً لبعض هؤلاء الرؤساء يكشف عن فجيعة حقيقة فى " صفوة المجتمع " التى ينظر إليها الناس نظرة احترام ، ونظرة أمل فى قيادة المجتمع إلى الحرية والمساواة والمستقبل (!) فإذا بهم يخذلونهم ويتخلون عنهم ، ويقومون بمهمة أخرى لا تليق بهم ولا تتناسب مع أقدارهم ، وقد صُعقت وأنا أقرأ قول أحدهم : " أن الوضع الحالى فى الجامعات خطير وغير مريح " ثم نفيه أن يكون هنالك من بين رؤساء الجامعات من يعلم بحجم النشاط الإخوانى داخل جامعاتهم ، خاصة أن القانون لا يعطى لرئيس الجامعة صلاحيات لاتخاذ أى إجراء ضد أساتذة الجامعة الذين ينتمون للجماعة المحظورة ، ومن بينهم أعضاء فى مجلس الشعب فكيف يمكن التصرف معهم ؟!!
ولم يكتف رئيس الجامعة – الذى تحدثت عنه صحيفة " لاظوغلى ؟ دون ذكر اسمه – بما سبق ، بل وجه نداء للمجلس الأعلى للجامعات لمناقشة هذه المشكلة (؟) وإصدار بيان خاص بوضع التيار الإسلامى داخل الجامعات ، يرفع إلى رئيس الوزراء للتصرف فيه حيث تفاقمت الأمور خلال السنتين الماضيتين .. وأضافت صحيفة " لاظوغلى "على لسان سيادة رئيس الجامعة المجهول؛ أن المؤشر الخطير فى هذا السياق هو ظهور طلاب الإخوان المسلمين فى الأحداث الهمجية الأخيرة (؟) بعين شمس عندما وضعوا عصابة رأس برتقالية اللون بعد أن كانوا فى الماضى يستخدمون العصابة السوداء ويحملون أعلاماً سوداء ، ولكنهم بدءوا يستبدلون اللون البرتقالى بها ، وهى تعنى أن التغيير موجود وقادم ، بالإضافة إلى أن الدولة غلّت يد الأمن فى التحرك ضدهم ..!!
رئيس الجامعة المجهول الذى نسب إليه الكلام فى صحيفة لاظوغلى ، بدلاً من أن يسعى بأساتذته وطلابه لتحقيق حرية الشعب واستخلاص حقوقه من قبضة النظام البوليسى الفاشى ؛ أو يلزم الصمت على الأقل ، تشغله قضية الإخوان أو الجماعة المحظورة ، وكيفية القضاء على التيار الإسلامى الذى تنتمى إليه أغلبية الشعب المصرى شاءت السلطة الفاشية أم أبت ، ويُبدى انزعاجه الشديد من العصابة البرتقالية التى كانت شعار الشعوب المغلوبة على أمرها وانتصرت فى أوكرانيا وجورجيا وبولندا ورومانيا وقيرغيزيا وأوزبكستان وغيرها من الدول التى منّ الله عليها بالحرية ، بعد أن كافحت وناضلت وأعلنت الثورة البرتقالية السلمية ، فغيرت الأنظمة الفاسدة وأقامت ديمقراطية حقيقية ، وحققت منهجاً جديراً بالاحترام لمقاومة الفساد وبناء المستقبل ..
ولكن رئيس الجامعة " المجهول " منزعج من العصابة البرتقالية ، ولسنا ندرى حقاً فى أية جامعة رأى هذه العصابة التى لا يمكن للنظام البوليسى الفاشى أن يسمح بها حتى لو زعم أنه رآها فى عين شمس التى سمح البوليس للبلطجية الدخول إلى حرمها الجامعى بالسنج والسيوف لضرب الطلاب حتى أشرف بعضهم على الموت ؛ والأمن واقف يتفرج وينتشى !، وإذا كان اللون البرتقالى يُخيفه من التغيير فسحقاً له ولأمثاله من أعوان النظام المستبد الذى أزرى بالعلم والعلماء ، وجعل أساتذة الجامعة الذين لا يملكون عيادات أو مكاتب استشارية أو مكاتب محاسبة أو صيدليات شبه متسوّلين ، وخاصة بعد أن ينقلوا إلى " أساتذة متفرغين أو غير متفرغين " يتحكم فيهم تلاميذهم اعتمادا على لوائح وزارية وضعت لتصفية الحسابات وإذلال الشرفاء الذين وصلوا إلى مرحلة النضج والعطاء السخىّ ..
إن رئيس الجامعة الذى ينحاز إلى السلطة المستبدة الغشوم ، ويتجاهل أن من حق أساتذة الجامعة وطلابها أن يعبروا عن أنفسهم ، وأن يختاروا قياداتهم مثلما يحدث فى كل جامعات الدنيا وأن يحصلوا على مقابل مادى يتكافأ مع جهودهم وبحوثهم وعنائهم ، إنما يدق مسماراً فى نعش التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعى بصفة خاصة .
ويعلم الناس جميعاً بما فيهم رؤساء الجامعة ووزير التعليم العالى أن وضع الجامعة المصرية لا يسرّ ، وأنها خرجت من مجال الجامعات التى يتوقف عندها الناس بالاهتمام سواء على مستوى العالم أو إفريقية بسبب النظام البوليسى الفاشى الذى يتحكم فى كل جزئية من جزئياتها ؛ وإذا كان بعض رؤساء الجامعات الذين استنطقتهم صحيفة " لاظوغلى " قد أكدّوا على أن طلاب " المحظورة " كما يسمونهم ، أعدادهم قليلة لا تؤثر فى المسار الجامعى ، وقال أحدهم إن عددهم أربعة أو خمسة ، قد أجروا انتخابات لاتحاد حرّ مواز ، وتركهم يقومون بعمليتهم ، حتى انصرفوا .. فما هو المزعج والمخيف فى الأمر ؟ وما هو المسوّغ الذى يجعل الأمر خطيراً ويقتضى عرضه على المجلس الأعلى للجامعات ، ثم رئيس الوزراء للتصرف ؟ وما معنى المطالبة بصلاحيات لرؤساء الجامعات لفصل أساتذة المحظورة ؟ وهل سيطالبون غداً بصلاحيات لفصل الأساتذة الشيوعيين والوفديين والمستقلين ؟ وماذا ستكون عليه الحال لو انقلب الأمر وحكم البلاد شيوعيون أو وفديون أو غيرهم ؟
يبدو أن بعض السادة رؤساء الجامعات نسى دوره ووظيفته الأصلية ، ويصر أن يكون " ضابط بوليس " بدلاً من أن يكون باحثاً يعزّز من قيمة الحرية ، وفى مقدمتها حرية " الاعتقاد " والفكر ، وأظن أن أمثال رئيس الجامعة هذا لا يصلح أبداً أن يكون ضابط بوليس سياسى مهما قدم من تنازلات للنظام ، فهو فى نظره يتحول إلى شئ آخر لا أسميه ، وسلام على أساتذة أبطال كانوا أكبر من عمادة الكليات وإدارة الجامعات بل ورئاسة الوزارات .
.........................................
*المصريون ـ في 8/12/2006م.