المتابع الجيد للتطور المتسارع فى اللعبة السياسية.. والتى أصبحت واقعا مطروحا على بساط التطبيق العملى فى شتى بقاع الأرض ، يجد أنها لا تخرج فى مجملها عن عجين أعده خباز واحد وتم إنضاجه فى آتون واحد.. فالفكر السياسى المعاصر سواء الرأسمالى منه والإشتراكى.. الإنفتاحى أو الإنغلاقى.. لا يخرج عن حدود النظرية الداروينية الفاشلة.. فالمبدأ الذى أضحى قائما بحكم التدابير السياسية والعلاقات الدولية المتشابكة ، يمثل الآن أول تطبيق عملى لنظرية النشوء والإرتقاء ، ومن ثم الوصول إلى النتيجة الداروينية الحتمية وهى "البقاء للأصلح" مع تعديل سياسى طفيف لتصبح "البقاء للأقوى"

الدول الكبيرة الغنية لم تنظر إلى فائضها الهائل من الثروات الغذائية على أنها زيادة يمكن إستغلالها بشكل جيد ، وذلك بحل مشكلة المجاعة فى بلدان تعانى من الفقر والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات.. وإنما تعاملت مع هذا الفائض الإنتاجى على أنه مشكلة.. ومصدر لعدم إستقرار الأسواق العالمية ، وبالتالى تعاملت معه على أنه "أزمة" تحتاج لحلها عن طريق التخلص منها.. فهذا الأمر من الناحية الأخلاقية يمثل إنتهاكا صارخا لأدنى حقوق الإنسان.. والحيوان ، ومن الناحية "الداروينية" فهى أحد الوسائل المطروحة للحفاظ على "البقاء" فى الأسواق ، وطريقة فعالة لضمان إستمرار هذا الميل الهائل فى ميزان التجارة العالمى بإتجاه الشعوب المدحورة.. لصالح الدول "الداروينية"

على الناحية الأخرى.. ومن منطق آخر لنفس اللغة التى لا تعرف إلا صنفين من الناس خاسر ورابح.. غالب ومهزوم مدحور ، نجد أن التسلح العسكرى لدول العالم يعكس بشكل سافر هذه النظرية ، ولا حرج فى ذلك.. سوى أن الطرف الأقوى دائما هو الذى يريد أن يصبح أقوى وأكثر قوة من ذى قبل ، أما الطرف الذى تقبع رقبته تحت أحذية الاقوياء.. فما فكر يوما فى ذلك ، ربما ياسا أو إستكانة.. أو لعله خليط من الإثنين

المشكلة برأيى.. أن المعلومات المتاحة عن طبيعة اللعبة الداروينية ليست متوفرة بشكل كافى للجميع ، ففى الوقت الذى يتعامل فيه الغرب خاصة والدول الغنية بوجه عام مع هذه المعطيات على أنها جزء من نظرية البقاء ، حتى ولو كان على عظام الآخرين ، نجد أن الطرف الآخر من المعادلة.. والذى يمثله العالم المستهلك المتخلف (أكبر الأسواق التجارية) لا تعى هذه النظرية ولا تفهم أصولها.. بل إن منهم من ينكر وجودها من الأساس ، ويدعى أن سياسة الأسواق المفتوحة والمنافسة القائمة على ذبح المنافس وقتله إن لزم الأمر هى "ضرورة" أو متلازمة طبيعية لمتطلبات السوق وعلامة من علامات النمو والإزدهار..

وربما كان الوقت الوحيد الذى يفهم فيه هؤلاء ما الذى يحدث من حولهم ، هو عندما تغرق هذه العيون فى دموع الحسرة والندامة على غباء لازمهم طوال مدة الحرب.. وخرجوا من اللعبة دون أن تمس أقدامهم مضمارها.. فهل من معتبر