أَنَا مُتْعَبٌ .. يَا بَا بَا !!

شعر : د. محمود بن سعود الحليبي

همسَ بها في أذني ولدي ذو الخمس السنوات ، حين رأيته مستلقيًا على غير عادته وسألته : مالكَ يا ( فارس ) ؟


وَهَمَسْتَ لِي : ( أَنَا مُتْعَبٌ يَا بَابَا )
آهٍ ؛ فَتَحْتَ لِخَيْبَتِي أَبْوَابَا

قَدْ كُنْتُ آنَسُ إِذْ أَرَاكَ ؛ أَريتني
مِنْ ثَغْرِ أُنْسِيَ - يَا حَبِيبِيَ – نَابَا

هِيَ كِلْمَةٌ ! مَا كُنْتَ تحْسَبُ أَنَّهَا
يَوْمًا سَتُشْقِي ـ يا صغيريَ ـ بَابَا

مِنْ أيِّ كَهْفٍ قَدْ شَقَقْتَ حُرُوفَهَا ؟
أَطْلَقْتَها فِي مِسْمَعَيَّ ذِئَابَا !

مِنْ أَيِّ قَامُوسٍ أَتَيْتَ بِهَا هُنَا
فَقَرَأْتُ فيها من عَنَاكَ كِتَابَا ؟ !

عَمَّنْ - تُراكَ - رَوَيْتَ ؟ أَوَّلُ مَرَّةٍ
أَرْجُو لَوَ انَّكَ سُقْتَها كذَّابا !!

مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَا - فَدَيْتُكَ - إِنَّنِي
لَرَجَوْتُ أَنِّيَ مَا وَعَيْتُ خِطَابَا

مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَا ؟ أَكَادُ أَعَافُنِي !
وَوَدِدْتُ أََنِّيَ لَوْ غَدَوْتُ تُرَابَا !

وَاسْتَبْحَرَتْ عَيْنَاكَ ؛ فَانْطَفَأََ الضُّحَى
وَأَحَلَتَ أُفْقَيْنَا ضَنًى وضَبَابَا

فَسَحَبْتُ كَفِّيَ نَحْوَ كَفِّكَ فِي أََسًى
غَلَبَ المكانَ وخالجَ الأَلْبَابا

وَحَمَلْتُ أنْمُلَتِي لأمْسَحَ دَمْعَةً
جَرَحَتْ - بُنَيَّ - وُجَيَهْكَ الجَذَّابا !

وَلَفَفْتُ أَجْنِحَتِي عَلَيْكَ ؛ أَضُمُّ لِي
صَدْرًا صَغِيرًا عَانَقَ الأَتْعَابَا !

عَلِّي أُخَفِّف عَنْكَ / عَنِّيَ صَفْعَةً
أَدْمَتْ شِغَافِيَ حَسْرَةً وَعِتَابَا

وَرَحَلْتُ أَجْلِدُ مُهْجَتِي وَخَوَاطِرِي
حَتَّى مَزَقْتُ مَشَاعِرًا وَإِهَابَا

وَمَضَتْ سِيَاطُ الذَّنْبِ تُلْهِبُ صَهْوَتِي
كيما أَعُودَ - كَعَادَتِي - تَوَّابَا :

أَنَّى لِدُنْيا كَالطُّفُولةِ ؛ وَحْشَةٌ
إنْ لمْ يَجِدْها حِرْشَةً أَوْ غَابَا ؟!

أَنَّى لِسُوقٍ مِثْلِها سِلَعُ الضَّنَى ؟
إنْ لَمْ أََكُنْ لِمَثِيلِها جَلاَّبَا ؟!

وَلِمَ الظَّلاَمُ بِعَالَمٍ مُتَفَتِّحٍ ؟
لَوْمَا شَكَا مِنْ مُقْلَتَيَّ غِيَابَا ؟!

وَبِأَيِّ عُذْرٍ أَلْتَقِي فَرْخًا جَثَا
يَشْكُو حِيَالِيَ حُرْقَةً وَسَرَابَا ؟!

أَتَكُونُ فِي جَنْبَيْهِ مِثْلِيَ غُرْبَةٌ
رَسَمَتْ لَهُ الدُّنْيَا شَقًا وَعََذَابَا ؟!

عَجَبًا ! أَيَنْمُو الهَمُّ فِي قَلْبٍ وَمَا
عَانَتْ رُؤاهُ كُهُولَةً وَشَبَابَا ؟!

أََوْ أَنَّ عُشَّكَ ضَاقَ ـ يَا وَلَدِي ـ عَلَى
جَنَبَاتِ رُوحِكَ ؛ فَاشْتَهَيْتَ سَحَابَا ؟!

أَوْ أَنَّهَا حَلْوَى رَغِبْتَ بِهَا ومَا
حَقَّقْتَ فِيهَا بِالشِّرَاءِ رِغَابَا !

أَوْ تَيَّمَتْكَ - بُنَيَّ - عِشْقَا لُعْبَةٌ
فَاقَتْ بِرَأْيِكَ فِي الهَوَى الأَلْعَابَا ؟!

أَوْ أَنَّهُ جُرْحٌ ، وَعَيْنيَ مَا رَأَتْ
لُغْزًا كَجُرْحِكَ مَا اسْتَبَانَ جَوَابَا ؟!

أوَّاهُ يَا وَلَدِي سَقَيْتَ مَوَاجِعِي
وَجَعًا ، وَزِدْتَ مَصَائِبِي أَوْصَابَا !!

وَأَخَذْتُهُ ، وَأَخَذْتُ أَرْكُضُ فِي فَيَا
فِي غُرْبَتَيْنَا جَيْئَةً وَذَهَابَا !

حَتَّى حَكَى ظَمَأٌ وَفَاضَتْ مُقْلَةٌ
وَتَجَدْولَتْ فِي وَجْنَتََيَّ شِعَابا

وَرَأَى صَغِيرِيَ فَوْقَ خَدِّيَ أَدْمُعِي
وغَدا يُكَفْكِفُها ، وَيَصْرُخُ : بَابَا !

لاَ تَبْكِ ؛ يَا بَابَا ، وَخُذْهَا قُبْلَةً
سَنَعُودُ ، يَا بَابَا - غَدًا - أَصْحَابَا !!

أَنَا لَمْ أََعُدْ تَعِبًا - شُفيتُ ! - وَخَاطِرِي
بِلِقَاكَ يَا أَبَتِي سَلاَ .. بِكَ طَابَا !!