** أنــــــا والمجنـون **
ـ قصص ـ
للروائي العراقي*شاكر الأنباري*
بقلم الكاتبة / بنــور عائشة
**… لا تعنيني حكاية الكاتب بل يعنيني فنه و سر صناعته و طريقة أسلوبه في البناء وخلق الشخصيات و نسج الجو و إحداث التأثير …**
توفيق الحكيم
في القراءة الأولى لهذه المجموعة القصصية ** أنا والمجنون ** للروائـي شاكر الأنبـاري الصادرة عن دار الكنوز الأدبيـة ، ومقارنة مع قراءة روايته ** الكلمات الساحرة ** نجد الفرق الشاسع بين هذه الرواية و المجموعة القصصيـة * أنا والمجنون * حيث التطور القصصي الملحــوظ في الأسلـوب واللغـة ، كما أنها جديــرة بأن تنسب إلى الروايـة .
ومـن ثمة ارتأيت قــراءة "أنـا والمجنون "من الناحية الشعورية بإيجاز لأن المجموعة أعمق بكثير من أن تقرأ في سطور .
والعمــل الإبداعـي الــذي تميــز به شاكـر الأنباري يتمثل في ثلاثة مجالات أبرزهــا :
التنبــؤ .
الشخصيـة .
الإبــداع ( الإلهام ) .
التنبؤ أو الفعالية التنبـئية كمـــا تقررها النفس الملهمة . يفرضها الكاتب بإيحاءاته المزركشة و حواراتــه التي تعبـر عن تصوير دقيـق لكل نظرة أو مكان أو خلفية يجسدها الكاتب (( … هواء ثقيل و سعف مسترخ … يتهدل يوشك ملامسة الأرض ، شعر امرأة عجوز أو أغصان صفصافة ذابلة ، الطيور ، صقور التين ، سنونوات المستنقعات ، عرائس الشوك ذات الأعنــاق الملونــة أغلقت حناجرها فلا شدو يسمع، لا نقرات، فالحياة ماضية إلى سباتها ببطء … )) ص 86 ، 78
القارئ لهذه المجموعة و غيرها من القصص التي احتوتها يجد نفسه أمام نص متجدد أو روح الكاتب بين سطور كلماته متجددة ،، التجديد حتى في ملامح الكلمات و ألوانها و الصيغة التي جاءت بها … توابيت جنح الظلام ص 92 .. الطائرات (( يتشبثون بسعف النخلة مثل جراء ، ضامرة ، أجسادهم محشورة بين الخوص و السل عارية مدبوغة بالملح والسمرة …)) ص 79 .
ولو تعمقنا واقتربنا قليلا من أنماط الشخصية المزاجية والحماسية والاجتماعية والنفسية نجد أن الكاتب حاول تجسيد صورة "أنا والمجنون" في كل حالة من هذه الحالات وكل نمط من أنماط الشخصية بعيدًا عن حالة المبدع في ذلك وقد تكون حالة انبساط حسي والتي يأتي بها الكاتب بوضع الحقائـق دون ملل أو قلق أو حالة عصبية مثل :
المحطة الأخيرة ـ أنا والمجنون ـ المدينـة العجيبـة .
والقارئ لـ **أنا والمجنـون ** يجد نفسه ينتقل بين الألم والتشويق وإحساس بالصورة التي يرسلها الكاتـب بدقــة لا متناهية ولغة راقية مشحونة بألفـاظ جزلة ومحكمـة تساعد المخيلة في نقلها وتثبيتها أمام عينيك مما أدى إلى تصوير كل تغيير بجمالية حسية تخضع لمقياس الإلهام الإبداعي أو القدرة الكاملـة في الحدس عند الكاتب ، أو هو استعداد فطري نفسي وفكـري يخوض معركة الإلهام لأنها تذهب بالإبداع إلى الأعماق السحيقة في النفس والإحساس كما هو الشأن بالنسبة للطفـل العدواني الذي يعبر عن انفعالاته وغضبه وسخطـه على الأشياء أو التعامل معها بالصراحة من أعماقه أو ردة فعل قوية يكسر بها عامل الرقابة و الرتابة واللامبالاة أو ما يسمى بإفراغ الشحنــات الانفعالية ( ثورة الغضب ) .
على أية حال هذا التجديد المتجدد في روح الكاتب و الذي نلمسه من خلال القراءات لقصصه تترك القـارئ يتفاعل معها و يعيش هذه اللحظات التصويرية الجميلة ، و انجـذابه الكلي في القراءة و المتابعـة للأحداث نظراً للتفاصيل النفسية البسيطة التي يدركها الكاتب و يرتكز على تحديثها و هذا ما يؤكــده في جريدة السفير " نديم توفيق جرجورة قولـه :
((يمزج شاكر الأنباري الخيال بالواقع ، فتتداخل الذاكرة بالهم اليومي ، و تصبح النصوص مدخلاً إلى سرد تبسيطي لتفاصيل نفسية ، و لمعاناة إنسانية ، و لعلاقات مع الرمـوز و الوقائع و التفاعلات )).
لقد تمكن المبدع " شاكر الأنباري" إلى حد كبير أن يخلق الجو التربوي النفسي الاجتماعي في * أنا و المجنون *واستطاع بذلك أن يخدم الحياة الإنسانية بتعبيرات أكثر إنسانية وجمالية في حفظ أخلاقيات المجتمع.
هامش :ـــــــ
· الروائي شاكر الأنباري من مواليد 1957م بالرمادي ـ العراق .
له عدة إصدارات قصصيــة و روائيــة ( ثمار البلوط ، شجرة العائلة ، أذرع تتشبث بنا ، الكلمات الساحرات ).
* المادة مأخوذة من كتاب قراءات سيكولوجية في روايات وقصص عربية للمؤلفة .